علاقة السعودية مع لبنان: زمن الحنين ولّى
بقلم: غادة حلاوي

النشرة الدولية –

نداء الوطن –

لم يكن متوقعاً أن يعلن السفير السعودي وليد البخاري الكثير عقب زيارته عين التينة. في تفاصيل جولته على المسؤولين يستعين بالكتمان وإن كان أشاع أمس أجواء إيجابية. أسبوع من اللقاءات يجريها البخاري من دون أن يدخل في تفاصيل الأسماء المرشحه للرئاسة. وحدها المواصفات تعني بلاده واللبيب من الإشارة يفهم. تغيّرت المملكة وتبدلت سياستها في لبنان. الإتفاق مع إيران رحلة طويلة وشاقة ولبنان ليس إلا محطة.

يندرج الإتفاق مع إيران ضمن مسيرة إنطلق فيها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لنقل بلاده من مكان الى آخر على كافة الصعد:

– على المستوى البشري حققت السعودية قفزة نوعية. المملكة التي كانت تتكل على اليد العاملة الخارجية والطاقات الشبابية المستوردة تضج بطاقات شبابها وشهاداتهم الجامعية من كبرى الجامعات العالمية. حققت المرأة تقدماً هائلاً. صارت مديرة لكبرى المشاريع ورائدة في مجتمعها.

– على المستوى الإقتصادي خطا ولي العهد محمد بن سلمان خطوات واسعة على طريق تحقيق رؤيته 2030. ليس تفصيلاً أن يجذب مشروع «نيوم» كبرى الشركات الأميركية للإستثمار. وهناك ستقام أولمبياد العام 2029. ناهيك عن حجم الأرباح التي حققتها المملكة جراء الثروة النفطية منذ بداية الحرب على أوكرانيا وإلى اليوم.

– على المستوى السياسي شعر السعودي أنّ الإقليم من اليمن إلى العراق فسوريا ولبنان يستنزف طاقته وجهده السياسي والأمني والمالي بينما هو يصب جهده للإستثمار في الإقتصاد فصار همه إعادة التموضع السياسي والأمني للخروج من حلقة التوتر التي تستنزف طاقات الدول وتحد من تقدمها. وحين بات التوتر مع إيران يصيب بلهيبه كل الدول المجاورة أراد إحداث خطوة لها أثر والإنتقال من عقلية الحرب الى الإستقرار. وضمن هذا الإطار يندرج إتفاقه مع الإيراني. ليس مفيداً هنا التقييم بين الخاسر والرابح في الإتفاق. ربحت إيران المطوقة بالعقوبات وربحت المملكة التي تحولت إلى لاعب أساسي وليس تابعاً.

لمحمد بن سلمان مقاربته السياسية المختلفة عمن سبقوه، والتي يهدف من خلالها إلى حضور فاعل في المنطقة مع نسبة مشاكل أقل مع المحيط. حقق نجاحاً في العراق ويحاول بالإتفاق مع إيران الحل في اليمن والتقارب مجدداً مع سوريا بينما لم يعد يعنيه لبنان بالشكل الذي درجت عليه العادة والتاريخ. وهنا الأساس في كل ما تقدم. في مقابلته الصحافية يقول وزير الخارجية فيصل بن فرحان إنّ الإتصالات بشأن الإتفاق مع إيران بدأت قبل ما يزيد على عامين ما يعني أنّ مثل هذا الإتفاق يندرج ضمن رؤية بن سليمان 2030. يدرك أنّ مثل هذا الإتفاق لن يعني حل كل المشاكل دفعة واحدة لكنه على الأقل يخفف منسوب التوتر في المنطقة.

أما عن العلاقة مع لبنان وفي ظل كل ما سلف، فقد آن الأوان ليقتنع لبنان أنّ واقع علاقته مع المملكة لم يعد كما سابق عهده. البرودة في العلاقة لها أسبابها التي يجب أن يتم التسليم بوجودها كسبيل إلى مقاربة صحيحة لعلاقة البلدين:

لم تعد علاقة المملكة مع لبنان تقوم على عنصري العاطفة والمصاهرة. جيل الحنين إلى صوفر وبحمدون وبرمانا وبعبدات إنتهى وصرنا في زمن جيل سعودي لا يعرف لبنان ولا زاره من قبل وأولهم ولي العهد. لبنان لم يعد قبلة السعودي للترفيه والسياحة والإستثمار. ثمة إختلاف في الرؤية بين الأب والإبن وهذا طبيعي بالنظر إلى اختلاف الأجيال.

الحاجة السعودية إلى اللبنانيين انتفت. أما لجهة الإستثمار فلم يعد للملكة مصلحة في الإستثمار في بلد لا قوانين فيه تحميها من الفساد والفاسدين. سبق واستثمرت في فريق سياسي فلم تنجح حتى كبرت المواجهة بينها وبين «حزب الله». حتى علاقتها مع رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري لم تحقق لها الأهداف المرجوة. ولو أن الأمر هنا مدعاة نقاش، إذ لا يمكن تحميل الحريري تبعات مواجهة بين محورين. والعلاقة مع السنة لم تنقل المملكة إلى حيث تريد. حضورهم تراجع بعد الحريري وتشتت وفشلوا في تنظيم أمورهم، ومع ذلك حين تريد ستجد الجميع رهن إشارة العودة. تتقدم السعودية بخطى ثابتة لتكون مرجعية القرار في الدول العربية. هكذا بدت في إجتماع باريس الخماسي رغم وجود مصر وقطر.

ما يردده أكثر من مسؤول سعودي في أوساطه أّن مشكلة المملكة هي مع نفوذ «حزب الله» وفي تهريب المخدرات المستمر عبر لبنان، وهذان سببان يدخلان ضمن الصراع مع إيران باعتقادهم، والمطلوب المعالجة من خلال انتخاب رئيس محايد غير محسوب على طرف.

الموقف رمادي ومتناقض حيال ترشيح فرنجية. لم يسبق وأن أعلن فرنجية أي موقف سلبي حيالها لكنها تصنفه في محور «حزب الله»، وهذا عامل يضعفه ولا يقويه من وجهة نظرها. تشك في إمكانية فرنجية إحداث خرق في سياسة «حزب الله» في لبنان وهو ما عجز عنه الرئيس السابق ميشال عون رغم كل ما قدمه «للحزب». كان فرنجية مرشحها قبل ست سنوات. يومها أرسل الحلفاء عريضة رفض لترشيحه مقابل التسوية لإنتخاب عون. أصيبت المملكة في خيبة. ترفض تكرار الرهان ذاته مجدداً.

الإنتخابات مفصلية بالنسبة إلى المملكة بين استعادة لبنان موقعه في العلاقة معها أو الإستمرار على ما هو عليه. على اللبنانيين أن يقرروا. الساحة اللبنانية لم تعد تعني للسعودية الكثير والصراع مع إيران تتحدث بشأنه مع الصين. تطورت المملكة وتراجع لبنان سنوات إلى الخلف ويريد لمقاربة علاقته مع المملكة أن تبقى على حالها مسكونة بالحنين الى الماضي. والحنين وحده لا يصنع بلداً ولا ينقذه من أزماته.

زر الذهاب إلى الأعلى