متشدّدو إيران “لانوا” فماذا عن “ذراعهم” اللبنانيّة؟
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
ثمّة شيء قد تغيّر في “الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران”، فكبار المروّجين ل”اتفاق بكين” ليسوا سوى هؤلاء المتشدّدين الذين كانوا قد تسبّبوا بتدهور العلاقات مع السعوديّة الى أخطر مستوياتها، ووصفهم الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ب”الحمقى”.
ما الذي غيّر هؤلاء؟ هل تلمّسوا مع الانتفاضة الأخيرة التي وقفت وراءها المرأة الإيرانيّة وتعاطف معها الرأي العام العالمي، أنّ نظامهم في خطر حقيقي؟ هل اكتشفوا أنّ “الذهاب شرقًا” لا يُطعم لا خبزًا ولا لحمًا، إذا كانت الإشكاليات ضخمة مع الشعب والإقليم والغرب؟ هل تيقّنوا أنّ نهجهم العدائي أوصل إسرائيل الى حدودهم الاستراتيجية؟ هل أدركوا أن “تصدير الثورة” جعلهم أعداء الشعوب العربيّة بداية وأعداء شعبهم لاحقًا؟ هل لقنهم الصينيّون درسًا عندما ذهبوا الى مجلس التعاون الخليجي ليأخذوا من دوله ما لا يثقون بقدرة الجمهورية الإسلاميّة على توفيره على الرغم من الاتفاق الاستراتيجي معها، وهي التي تهدر جهدها على صناعة الحروب؟ هل اقتنعوا بأنّ مقارعة العدو لا تكون بقرقعة السلاح فقط بل بالتنافس التنموي أيضًا؟
لن يقدّم النظام الإيراني أجوبة واضحة عن هذه الأسئلة المحدّدة، لأنّ من شأن ذلك أن يضعف موقفه التفاوضي في الخطوات المقبلة التي لا بدّ من أن يُقدم عليها، إذا ما شاء فعلًا أن يقطف الثمار الموعودة ل”اتفاق بكين”، خصوصًا بعدما تلمّس الشعب الإيراني أنّ جزءًا من الكارثة الكبيرة التي يعيش فيها ناجمة عن السياسة الخارجية التي فرضها المتشددون على بلادهم، مهمّشين القوى العاقلة التي طالما عرفت فضائل الدبلوماسيّة.
وهكذا، فإنّه ما إن هوى سعر الدولار الأميركي أمام التومان الإيراني، إثر إعلان التفاهم مع السعودية في الصين على الخطوط العريضة لإعادة العلاقات الى طبيعتها، حتى ارتفعت الدعوات في إيران الى الإسراع في إنجاز “الاتفاق النووي” لأنّه إذا كان التفاهم مع دولة إقليمية مثل السعوديّة حقق هذا التقدم، فماذا يمكن أن تكون عليه الأحوال في حال شمل كبريات الدول في العالم؟
وفي الدول التي دفعت ثمنًا باهظًا لـ”استراتيجيّة الحمقى” لا بدّ من انتظار الانعكاسات والتداعيات، لأنّه ليس صحيحًا أنّ ما حصل في بكين لن ينعكس على هذه الدول، فجميع من يسلكوا هذا النهج الدعائي همّهم الوحيد أن يُثبتوا بأنّهم ليسوا رجع صدى لمرجعيّتهم الإقليميّة.
لنأخذ “حزب الله” في لبنان مثلًا، حيث يتضح بما لا يقبل الجدل أنّه كان قد وضع المملكة العربيّة السعوديّة في مصاف العدو، في اللحظة التي كان “الحرس الثوري الإيراني” قد وضعها في قائمة الاستهداف، فلم تكن تمر لحظة من دون أن تجهد منابره وخطاباته وأقواله في “شيطنة” هذه المملكة، ولكنّه، ومنذ مدّة وجيزة، توقف فجأة عن ذكرها. لم يفعل ذلك لأنّ “إله الحكمة ” حلّ عليه، بل لأنّ “أمر العمليات” وصله من طهران.
وهذا الحزب نفسه الذي كانت قد اتهمته الرياض بأنّه يقف وراء عمليات تهريب المخدّرات إليها، في إطار حرب يشنها “الحرس الثوري الإيراني” على المجتمع السعودي، وبعدما كان يوفّر كل أنواع الحصانات لمعامل الكبتاغون ولعصابات المخدرات، أتاح للجيش اللبناني أن يقوم بعمليات واسعة، لضبط هؤلاء. وهنا أيضًا لم يفعل “حزب الله” ذلك لأنّ “إله الحرام” أملى عليه الواجب، بل لأنّ “التكليف الشرعي” الذي وصله من قم كان يريد توجيه رسائل الضمانات الى القيادة السعوديّة.
ولم يغب يومًا عن بال القوى الدولية التي حاولت وتحاول أن تجد مخرجًا للبنان من الكارثة التي وقع فيها أنّ كلمة “حزب الله” الأخيرة موجودة لدى متشدّدي الجمهورية الإسلامية، فالدبلوماسيّة الإيرانية لم تُخِف، في أكثر من مناسبة، هذه الحقيقة في تواصلها مع المسؤولين الفرنسيّين الذين توهّموا أحيانًا أنّه يمكنهم الاستعانة ب”حزب الله” لتليين مواقف متشددي إيران.