التشدّد الديني المالي
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

تكوّنت لديّ قناعة بأن الدولة في طريقها لأن تصبح دينية الطابع بامتياز، فبلدوزر التشدد الديني سائر في طريقه مكتسحاً كل ما أمامه، وهذا ما أصبحنا نراه من خلال عشرات المؤشرات!

ما يخفّف من خطر هذا التشدد، على المدى القصير فقط، أنه تشدّد مادي مالي وليس عقائدياً، أي التشدد لكسب أصوات انتخابية، أو لتحقيق الثراء، وبناء مراكز قوى، والدليل سهولة إرضاء أو إخماد أصوات أي جهة متشددة بصفقات مالية، أو بحرمانهم منها، وأمامنا أسماء كل الذين حققوا لأنفسهم ثروات جيدة، نتيجة مزايداتهم واستغلالهم للتشدد للمنفعة الشخصية، ثم الانسحاب من الساحة للتمتع بما جمعوه من خلال مشاريع سنبلية أو رحيمة أو هدهدية، أو تراخيص مدارس وجامعات خاصة، وغيرها!

ما يشي أو يبين عدم «صحة تشددهم» عدم ترددهم، كنواب أو دعاة، في التدخل لدى السلطات للإفراج عن أصحابهم، حتى لو كانت تهمهم أخلاقية أو من مهربي المخدرات!

***

أما التشدد الديني الإسلامي «العقائدي»، فموجود حالياً في أجزاء كبيرة من باكستان، وفي كامل أفغانستان، وإلى حد ما في إيران، مع قدرة سلطاتها على استخدام الأمر لمصلحتها!

***

ومن أمثلة التشدد في الكويت ما أصبحنا نراه من مقترحات نيابية تتسم بقدر كبير من «الكلك» من نواب أصبح لا عمل لهم، رقابياً وتشريعياً، غير مغثة الأمة بمقترحاتهم التي أصبحنا نسمع بها أخيراً.

فقد تقدم عدد منهم بمقترح قيام لجنة حقوق الإنسان في مجلس الأمة ببحث التحديات والمعوقات التي تواجه المواطنين والوافدين عند ممارسة معتقداتهم وشعائرهم!

هذه نكتة سمجة، فهؤلاء يعلمون، قبل غيرهم، أنهم أصل المشكلة أساساً، فعلى من يضحكون؟

كما قام من يماثلهم تشدداً من نواب بتقديم مقترح إنشاء «هيئة وطنية للترجمة والتعريب» تتبع التعليم العالي، وتكون من مهامها فرض تغيير الشركات لأسمائها الأجنبية، وفرض غرامة 1000 دينار على المخالفين، علماً بأن بعض مقدمي الاقتراح يمتلكون أسهماً في شركات تحمل أسماء أجنبية، هذا بخلاف أن اللغة العربية لبعض مقدمي الاقتراح ضعيفة أصلاً!

وقامت مجموعة أخرى من النواب بتقديم اقتراح إنشاء بوابة إلكترونية، وليست يدوية، لدى «هيئة العمالة»، لاستقدام العمالة المنزلية، وأن تسمى البوابة «بريرة»، تيمناً باسم السيدة التي كانت تعمل في خدمة زوجات النبي!

تناسى هؤلاء النواب، في غمرة نفاقهم، أن هناك شركة حكومية تقوم بهذه المهمة أصلاً!

***

نعود ونؤكد أننا مبتلون بعدد كبير من المتشددين الدينيين، منهم من عبّر عن اعتراضه الوقوف لعلم وطنه أو للسلام الوطني، واعتباره وقوفاً للأصنام! لكن أغلبية هؤلاء مقدور عليهم، مادياً، فللكثيرين منهم جمعيات وهيئات خيرية، لهم مصلحة في استمرار إدارتهم لها. كما أن بينهم نواباً ينتمون لأحزاب دينية، لكنهم لا يترددون في التكالب على متع الدنيا، ولهم شركات تجارية واستشارية، ويشتركون في مناقصات الحكومة، إما مباشرة، وإما عن طريق أبنائهم.

***

على الرغم من أن التشدد في الكويت مادي بحت في غالبه، وبالإمكان اجتثاثه بسهولة، بسبب نوعية زعماء هذا التشدد، فإن تركهم يعملون بحرية، كما هو حاصل حالياً، سيتيح لهم الاستمرار في حفر خنادقهم داخل الإدارة الحكومية، ونشر أفكارهم المتطرفة في عقول طلبة المدارس، وتحصين قلاعهم الحزبية، بحيث سيصبح من الصعب، بعد فترة ليست بالطويلة، السيطرة عليهم، دع عنك اقتلاعهم!

فمتى تتحرك حكومتنا الرشيدة؟!

 

زر الذهاب إلى الأعلى