الفكر النسوي على كرسي الاعتراف!

النشرة الدولية –

لبنان 24 –

ايناس كريمة

أراقب منذ مدّة طويلة أداء “الحركة النسوية” في الدول العربية التي بلا شكّ أحدثت تغييراً في المنطقة، ولكن كانت لي العديد من الملاحظات التي كنت أسجّلها واحدة تلو الاخرى بانتظار فرصة ملائمة أطرح من خلالها أسئلتي علّني ألقى جواباً شافياً يبرّىء “النسوية” من الصورة المشوّهة التي تكوّنت لدي ولدى العديد من النساء بعد الاستماع الى قدر يسير من النقاشات التي تسعى الى تعزيز هذا المفهوم في مجتمعاتنا العربية.

مما لا شكّ فيه أن “الحركة النسوية” هي فكر إنساني ومبدأ أخلاقي، يهدف الى إعطاء النساء حقوقهن كاملة بعيداً عن الأُطر والقيود التي فرضتها المجتمعات عليهن تحت مسمى “الدين” والعادات والتقاليد. وانطلاقاً من إيماني بأن المرأة هي عماد المجتمعات وأساسها وانها وحدها التي تستطيع أن تحرر نفسها مما كبلتها به الأجيال، واعتزازاً بما أثبتته المرأة العربية من جدارة عبر السنوات الطوال في كافة الميادين، وفي شهر آذار الذي يصادف فيه “اليوم العالمي للمرأة”، حيث يكرّمها المجتمع نفسه الذي يظلمها ويقيّدها  بجملة مفاهيم موروثة، كان لي هذا الحوار مع احدى الناشطات السعوديات في الحراك النسوي والمؤثرة بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة بـ “33” والتي شكّلت قدوة للعديد من النساء في الفضاء الالكتروني، حيث طرحتُ عليها مجموعة من الاسئلة أوضحت من خلالها كل التناقضات التي تشوب الفكر النسوي في العالم العربي.

قد يتساءل البعض لماذا اخترتُ امرأة سعودية للحوار معها حول الفكر النسوي، ولم أتناقش مع ابنة بلدي لبنان في هذا الخصوص، لكنّ هذا السؤال تستطيع أن تجيب عليه كل امرأة في العالم العربي بعد النقلة النوعية التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث اطلق سلسلة اجراءات غير مسبوقة تهدف لتمكين المرأة ومنحها استقلالية واسعة ايماناً منه بأهميتها في تطوير البلاد حيث قال عبارته الشهيرة: “أنا أدعم السعوديّة، ونصف السعوديّة من النساء، لذا أنا أدعم النساء”. وقد قوبلت تلك القرارات انذاك بحالة واسعة من الجدل الذي ترافق مع العديد من الاستنكارات في السعودية، غير أن كل الاعتراضات لم تُعق مسيرته في دعم المرأة وحمايتها وتعزيز حقوقها وفتح آفاق جديدة لها كي تلعب دوراً مهماً في الحياة المهنية.

وبالعودة الى الحوار مع السيدة “33” والذي خصّت به موقعنا، فقد تفاجأت بصلابة المرأة القوية والواثقة بفكرها وقدراتها، ناهيك عن الوعي الثقافي والاصرار على المضيّ قدُماً بهدف تغيير النمطية القابضة بيديها على صورة المرأة العربية والتي فرضتها الطبيعة والمجتمع، الامر الذي استفزّ في داخلي كلمات لم أبُح بها، غير أنني وددتُ لو أقول “لو أن النسويات جميعهنّ مثلك، فإني حتماً نسوية مع بعض التحفظ”.

ولعلّ ثمة فكرين اساسيين يتمحوران حول “التيار النسوي”، الأول ينادي بضرورة القبول بالمعايير الاجتماعية والعمل على التسلّل من خلالها بحذر لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة بمجمل الحقوق. اما الفكر الاخر فينادي بالتمرد على القيم والممارسات الاجتماعية والتحرر منها باعتبارها قيودا فرضت بهدف تمكين الرجال من النساء في المجتمع.

لماذا هذا الخلاف في الفكر؟ وأين تجدين نفسك يا 33؟

أنا أبرر كره بعض النساء للرجال كردة فعل، لذلك لا أهاجمهن، ولكن في المقابل أنا لا أبني على شعورهن الفكر النسوي، فهذا التيار ليس ضد الرجل وإنما ضد الفكر الذكوري الذي يقف ضد المرأة وضد قمع الممارسات الإجرامية بحق المرأة. أما عن الخطاب أو التعميم الصادم المنتشر حول الفكر النسوي، لا أرى به خطأ بل على العكس، لربما يعي الرجال معاناة المرأة التي كانت ولا زالت بسبب ممارساتهم. وتساءلت “33” لماذا يكون خطاب الكراهية ضد النساء مبرّر وعند استخدام المرأة لهذا الخطاب نجد أن  الدفاع والتبريرات تصب لصالح الرجل وخاصة من قبل بعض النساء وهذا أمر محزن. ولفتت “33” الى أنها مع إستخدام هذا الخطاب لإيصال صوت معاناة المرأة للرجال، ولكي نرى مرونة أصحاب العقل الكامل في تقبل خطاب الكراهية، خاصة وأنهم يرون المرأة ناقصة عقل ودين.

حتى ان الرجل الكامل والواعي الواثق من نفسه غير المسيء للمرأة ولا الممتهن لحقوقها، لن يتأثر بهذا الخطاب بخلاف الرجل الجاهل المسيء الذي سيرى نفسه كمتضرر من هذا التعميم.

ما رأيك بالظواهر التي انتشرت في المجتمعات العربية والخليجية مؤخراً سيما بعد تعزيز الفكر النسوي على غرار ظاهرة نزع الحجاب للنسويات؟

تُجيب “33” أنه إذا كان الخيار قرار من المرأة فهذه حرية شخصية، خاصة إذا كانت المرأة قد أجبرت على ارتداء الحجاب، فلها الحق في نزعه. ولدى سؤالها عن رأيها بالتشكيك في الثوابت الدينية انطلاقاً من الفكر النسوي تؤكد “33” ان النسويات مختلفات دينياً، لذا أنا سأتحدث عن نفسي كنسوية مسلمة، من دون التحدث بلسان أي نسوية أخرى سواء مسلمة أو غير مسلمة. أنا كامرأة مسلمة، كنت أتلقى الكثير من المعلومات بشكل خاطئ وكان هناك العديد من الأمور غير المفهومة بالنسبة لي خاصة فيما يخص الموروث الديني، حيث كنا نعاني من الترهيب والتخويف بسبب بعض المفاهيم المغلوطة من ناحية الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة أو تفسير النصوص بشكل خاطئ. وتضيف، أجد أننا نحتاج مفتيات وفقيهات لمناقشة  شؤون المرأة، فالنساء أدرى بشؤون النساء، وأنا أؤيد نقد الموروث الديني لأن فيه امتهان للمرأة ومن واجب النسويات المسلمات نقد الموروثات التي تسيء للمرأة. أصبح هناك تشكيك بالثوابت بعد تعمقنا بالفكر النسوي وخوضنا أكثر في النقاش فيه.. فهل يحرض الفكر النسوي على الخروج من الدين والثوابت الدينية؟ لا ابداً، النسوية ليست معتقد أو دين بل فكر إنساني، وإن تحدثنا عن الثوابت فأنا مثلاً لا أرى الحجاب من الثوابت الدينية، وإن نظرنا إلى الحجاب من الناحية الدينية البحتة، هناك اختلاف، فبعض المذاهب وجدت أن الحجاب فرض بخلاف مذاهب أخرى.

وبالحديث عن الدين، سألتُ “33

كيف استطعت احداث توازن بين دينك وإيمانك وبين الفكر النسوي الذي يتعارض مع بعض آيات القرآن الكريم التي ترى فيها النسويات ظلما للمرأة على غرار الآيات التي تتحدث عن مهر أو هجر وضرب المرأة؟

بالنسبة لي نقد آيات القرآن الكريم أمر بعيد عن الفكر النسوي، ويعود  لرؤية وفكر واختيار الشخص فقط، فهناك أشخاص ملحدون لا يدعمون النسويات ومع ذلك ينتقدون الآيات القرآنية، لذا عندما تأتي نسوية وتنتقد وتتحدث في هذه الأمور أنا أحترم وجهة نظرها واختيارها وحريتها، ولكن أرفض الترويج لأفكارها تحت شعار فكر التيار النسوي.

وحول التحرر الجنسي والتمرد على عادات المجتمع، ترى “33” أن العديد من الأشخاص يُصدمون عندما يسمعون مصطلح الحرية الجسدية ولكن عندما نفصل الفكرة ونضيء على أساسها فمن الممكن أن يتقبلها الآخر. فعندما أقول (أنا حرة بجسدي)، لا أعني بأني أريد ممارسة الجنس بطريقة عشوائية، فمثلاً عندما تنادي المرأة المتزوجة بحرية جسدها، تقصد أنها تلجأ إلى العلاقة عندما تحتاجها وليس بإجبار تحت مسمى الدين أو كرمى لشخص آخر. بالنسبة لي يعدّ الأمر اغتصاباً في حال تم دون رغبة المرأة أو بمعزل عن حاجتها له. وتُضيف؛ هذا جسدك أنتِ، ملكك أنتِ، ويحق لكِ القول نعم أو لا! وأي امرأة لديها حواجز شرعية تمنعها، يحق لها الإمتناع برغبتها وإن أرادت ارتكاب الذنب فلا يحق لأي أحد محاسبتها (لا القبيلة ولا المجتمع) فالمرأة إنسانة ويسري عليها ما يسري على الرجل، خاصة وأن القرآن ذكر (الزاني) أيضاً، وليس فقط (الزانية).

ما هو رأيك بعقوق الوالدين والتحريض على التفكك الأسري؟

تقول “33” أنه دائماً ما يسلط الضوء على عقوق الوالدين دون عقوق الأبناء، وهنا أطالب بعدم الإنجاب حال كان الوالدين غير قادرين على تحمل المسؤولية، لا تحملون أبناءكم فوق طاقاتهم، لا تهمشوا وجودهم فأنتم مسؤولون وهم في ذمتكم. أنا أدعم حق المرأة في اللجوء إلى القانون حال تعرضها للاعتداء والعنف الأسري أو الاغتصاب، وفي الوقت عينه أشدد على ضرورة تعامل النساء بذكاء مع ذويهم وإيصال متغيرات المجتمع لهم.

– هل تتبنين الحرية المطلقة للمرأة في كل الممارسات دون ضوابط إلا ضابط القانون الوضعي؟

القانون موجود داخل فكر الشخص، فالعقل حاضن القانون، وعليه أنا من أحدد رغباتي والأمور الواجب فعلها، فعندما أمتنع عن ممارسة أمر ما كوني، لكونه يتعارض مع الثوابت الدينية الخاصة بي، هذا الأمر نابع من قناعتي وليس له علاقة بمجاراة المجتمع أو التمنع بهدف إرضاء رجل أو شخص ما. وهنا تختلف الإجابات بحسب الانتماء الديني واختلاف الثوابت.

هل يمكن لللفكر النسوي أن يودي بالنساء إلى الإلحاد؟

لم ترقَ حالات الإلحاد المنتشرة لمستوى (الظاهرة)، وأجد أن هذه الحالات نابعة من ناحية التشدد بالدين والأحاديث الضعيفة التي تمتهن المرأة.

هل يسعى الفكر النسوي إلى تمكين المرأة في السلطة؟ وما هي أبرز المتغيرات التي من الممكن أن تحدثها المرأة النسوية في حال وصولها إلى مركز سياسي وما هي أبرز القوانين التي من الممكن أن تساهم في سنها؟

الفكر النسوي يزيد من وعي المرأة ويذكّر النساء بمدى قوتهن، وعند اجتماع الوعي والقوة أرى أن المرأة تستطيع الوصول لكل المناصب التي تطمح لها.

ما رأي الفكر النسوي عموماً بالزواج؟

تجيب “33”; بالنسبة لي، أجد أن هناك الكثير من الهجوم على النسويات بسبب فكرة الزواج، علماً أن هناك فئة من النسويات متزوجات، يرى البعض أن النسويات ضد فكرة الزواج وأنهن يهاجمن هذه المؤسسة، وهذا أمر خاطئ. الفكر النسوي يوضح فقط أن الرجل إضافة في حياة المرأة وليس مكملاً لها لأن المرأة كاملة بذاتها، ويدعو النساء إلى اختيار الشريك المناسب وفق المعايير والاستحقاقات التي تراها مناسبة، بعيداً عن المفاهيم المنتشرة حول انتظار فارس الأحلام وقبول الرجل بكل عيوبه.

كيف تتقبل النسويات رجلاً متحولاً؟

أتحفظ عن الإجابة

ألا تتحرش المرأة أيضاً؟ وألا يُعنَّف الرجل أيضاً؟

المرأة ليست ملاكاً، التعميم لايجوز، فمن النساء القاتلات والمجرمات، ولكل قاعدة شواذ، ولكن في حال قارنَّا النسب نجد أن المسيئين والمتحرشين والمعنفين من الذكور أعلى.

 

هل يمكن للرجل أن يكون نسوياً؟ وهل يمكن للمرأة أن تكون ذكورية؟

لا أؤمن بوجود فكرة رجل نسوي ولكن أجد أن هناك رجالاً داعمين للفكر النسوي وللنسويات، وهؤلاء ليسوا ممن يتظاهرون بمساندة النساء وإنما من يؤثرون في محيطهم. أما بالنسبة للمرأة فيمكن أن تكون ذكورية، وهنا ذكورية المرأة تنقسم إلى قسمين،  ذكورية مؤدلجة وذكورية ضارة. الأولى تنمو مع الفتاة منذ الصغر بسبب المفاهيم التي تستقيها من المجتمع والمدرسة والعادات، وفي هذه الحالة نستطيع محاورة الفتاة في النقاط التي ترعرعت عليها، أما الثانية فهي ضارة وتحتاج للمواجهة، إذ يمكن لبعض النساء التحريض على القتل أو الإضرار بالمرأة.

هل تتوقعين أن ينتصر الفكر النسوي بوجه الفئة العظمى من النساء المناهضات لهذا الفكر؟

لم نصل بعد في مجتمعنا العربي إلى النسوية الحقيقية، لازلنا في الأبجديات والأمل في استمرار الأجيال المقبلة بالنضال ومن ثم جنيِّ ثمار تعبنا الحالي.

أمنية واحدة مرتبطة بمسار النضال النسوي؟

آمل أن نقطف ثمار نضالنا الإنساني البحت البعيد عن المؤامرات التي تحاك ضدنا والاتهامات التي توجه لنا.

ما هي نصيحة 33 للنساء النسويات؟

الاختلاف لا يلغي للود قضية، فالفكرة الأساسية واحدة وهي مساواة حقوق المرأة مع حقوق الرجل، لذا  يجب قبول الاختلاف والتكاتف والعمل كيد واحدة. ولربما إجاباتي تتعارض مع بعض النسويات، وهذا ما كنت أعنيه بوجوب تقبل الاختلاف، فأنا مجرد نموذج من هذه الفئة.

لدى “33” العديد من المواهب، والتي لم نتطرّق اليها في حوارنا، لكنّ بعض الصديقات وشت لي محبّةً أنها تُجيد كتابة الشعر والإلقاء. وتساءلتُ، تُرى هل تستطيع “33” نشر كتاباتها على الملأ في مجتمع رجعي وبائس يعيب على المرأة إحساسها متذرعاً بالعادات والتقاليد والقيم الاجتماعية؟ وهل ينتصر الفكر النسوي لكرامة المرأة وحقوقها عبر تحريرها من عبودية التاريخ والمفاهيم الموروثة لتبني مجتمعاً تسود فيه المساواة الاجتماعية بين النساء والرجال، ويرفض التمييز ضد المرأة وكل أساليب التعنيف لها والتهميش لدورها؟!

المجتمعات العربية بمعظمها ظالمة … ولكن “لا بدّ للقيد أن ينكسر”!

زر الذهاب إلى الأعلى