بعد الليرة… هل ندخل مرحلة التضخّم بالدولار؟
النشرة الدولية –
نداء الوطن –
باتريسيا جلاد
في سباق هو الأوّل من نوعه في تاريخ لبنان، حقّق عدّاد الدولار أرقاماً قياسية جديدة إذ وصل الى 143 ألف ليرة (قبل أن يهبط أمس الى 105 آلاف ليرة ثم اليوم 114 ألف ليرة) تزامناً مع تضخّم حتى في تسعيرة الدولار في السوبرماركت ولو بنسبة محدودة على المواد الغذائية الأساسية والحيوية.
فقفزات سعر صرف الدولار إزاء الليرة التي تسارعت وتيرتها من 500 و2000 ليرة في اليوم لتصبح بين 7 آلاف و20 ألف ليرة لبنانية يومياً تجعلنا في دائرة التضخّم “المفرط” الذي لطالما تمّ التحذير من الدخول في أتونه والذي يتخطّى فيه التضخّم نسبة الـ50% في الشهر الواحد بالليرة اللبنانية.
الدولرة تتقدّم
وأدّت الدولرة شبه الشاملة التي تفشّت بسرعة وتعمّمت في لبنان في السنة الماضية في موازاة بلوغ التضخّم نسبة 171.2% سنة 2022 مقارنة مع سنة 2021، الى فقدان الليرة اللبنانية قيمتها على نحو كبير جداً بعدما تخطّى الدولار عتبة الـ100 ألف ليرة. فتفاقمت حاجة اللبنانيين الى زيادة عائداتهم الشهرية بالدولار والتي لا تزال خجولة في زمن البطالة والإنهيار.
ويمكن القول إن قيمة الدولار “تضاءلت” ولم تعد كما كانت عليه في العامين أو الأعوام الثلاثة الماضية بعيد انفجار الأزمة المالية والنقدية والإجتماعية، وذلك بعد تحوّل معظم المدفوعات الى دولار نقدي من أقساط تأمينية واستشفاء ودواء وأقساط مدرسية… وحدّث بلا حرج عن قطاعات أخرى. بكلام آخر: من كان يدير ميزانيته بالليرة والدولار وجد نفسه يغرق في الفقر أكثر رغم الدولارات التي بين يديه. ومن كان يدير ميزانيته بالدولار وجد نفسه أيضاً أمام حاجة الى مزيد من الدولارات مع تفاقم الدولرة.
الفوترة بأي عملة؟
صحيح أن أصناف سلع في السوبرماركت باتت اليوم بالدولار الأميركي وأصبحت الرقابة أسهل ومن شأن ذلك تحفيز المنافسة، إلا أن عدداً لا بأس به من السلع لا يزال بالليرة اللبنانية ويعود السبب كما أوضح لـ”نداء الوطن” الخبير والمحاضر في الإقتصاد وسام فهد الى “المستورد الذي يسعّر السلع إما بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي”. مشيراً الى أن “التضخّم في لبنان هو أعلى من نسب التضخّم التي طاولت الخارج بعد جائحة كورونا واندلاع الحرب الأوكرانية وتعود الأسباب الى التالي:
أولاً، بسبب زيادة الرسوم الجمركية من 15 ألف ليرة لبنانية الى 45 ألف ليرة.
ثانياً، زيادة الرسوم والضرائب التي يترتّب على التاجر سدادها”.
فضلاً طبعاً عن التضخّم العالمي الذي بدأ مع “كورونا” ولم ينته مع تداعيات الحرب الأوكرانية.
أما عن السلع التي كانت مسعّرة بالليرة اللبنانية وتمّ تحويل الملصق الى دولار بسعر أعلى من سعرها الحقيقي بالليرة، فقال فهد إن “السبب يعود الى تحويل المستورد لائحة التسعير الى الدولار”. وهنا العبرة تكمن في ضمير التاجر أو صاحب السوبرماركت في ظلّ التزامه بالقوانين وبتسعيرة المستورد أم لا. ويقول فهد في هذا السياق “ممنوع تحويل تسعيرة السلع من الليرة اللبنانية الى الدولار إلا بموجب فاتورة، لذلك هناك أسعار بـ”اللبناني” وأخرى بـ”الدولار”. فإذا كان المورّد يفوتر سلعة معينة بالليرة يسعّر صاحب السوبرماركت أو المتجر بالليرة وإذا كان يفوتر بالدولار يسعّر بالدولار، وتلك الفاتورة تتجدّد كل 3 أو 4 أيام.
تفاوت في تسعيرة المستوردين
في غضون ذلك، اعتبر رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي لـ”نداء الوطن” أن هناك تفاوتاً في التسعيرة بالليرة اللبنانية وبالدولار، وقد يحصل أن تكون تسعيرة المنتج بالليرة عند قسمتها الى دولار أغلى من تسعيرة الدولار”.
ولفت الى أنه “اليوم مع الدولرة أصبحت الأسعار مكشوفة، وبات المواطن على بيّنة من السعر الأرخص وهذا الأمر إيجابي رغم وجود بعض “الخربطات”. أما مشهدية زيادة الأسعار بالدولار، فهي بعهدة وزارة الإقتصاد. مؤكّداً ان التسعير بالدولار الأميركي لن يكون ثابتاً لفترة طويلة، إذ ستتقلّب الأسعار “طبيعياً” حسب تطوّر أسعار السلع والإستيراد والتضخّم في الخارج. علماً أن التسعير بالدولار سيكشف الأمور، ونصرّ على المنافسة لثبات الأسعار”.
التضخّم بالطلب وبالكلفة
من جهته صنّف الخبير الإقتصادي والمالي لويس حبيقة التضخم نوعين، التضخّم بالطلب يزيد الطلب إذا كان العرض قليلاً، والتضخم بالكلفة أي بزيادة الأسعار. وبذلك إذا قلّ العرض تزيد الأسعار. في لبنان المشكلة في العرض وليس بالطلب الذي تراجع مع انحدار الإقتصاد في البلاد.
تضخّم عالمي
وفي السياق أوضح الخبير الإقتصادي باتريك مارديني لـ”نداء الوطن” أن “الأسعار هذه السنة ارتفعت بالدولار مقارنة مع السنة الماضية بسبب التضخم العالمي، إذ ليس للبنان قدرة السيطرة عليه، وتوازياً تمّ استبدال سلع بأخرى أقلّ ثمناً وجودة لتواكب قدرة المواطن الشرائية، مثل السلع الأوروبية وأخرى من دول ذات كلفة إنتاجية أقل”.
ماذا تقول القاعدة الإقتصادية عن التضخّم؟
يُعرف التضخّم Inflation بأنَّه ارتفاع مستمرّ في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات خلال فترة زمنيّة معيّنة.
ويمكن تعريفه بأنَّه انخفاض القوة الشرائيّة لعملة معيّنة مع مرور الوقت، وذلك لأنَّ القوة الشرائية للعملة تنخفض بسبب الارتفاع الحاصل في الأسعار فتشتري بالعملة نفسها سلعاً وخدمات أقل.
ويمكن القول إنَّ التضخّم يكون عكس الانكماش الذي يحدث عندما تزداد القوة الشرائيّة للمال وتنخفض الأسعار.
ينقسم التضخم الاقتصاديّ إلى عدّة أنواع:
التضخم الزاحف أو المعتاد: يحدث عندما ترتفع الأسعار بنسبة 3% أو أقل سنوياً وهذا النوع من التضخّم يفيد النموّ الاقتصاديّ؛ لأنَّه يجعل المستهلكين يتوقّعون استمرار ارتفاع الأسعار؛ ما يعزّز الطلب الحاليّ.
التضخّم المتسارع: يحدث هذا النوع من التضخّم عندما ترتفع الأسعار بنسبة تتراوح بين 3 و10% في السنة ويعد ضارّاً بالاقتصاد، وذلك لأنَّ المستهلكين يبدأون بالشراء بشكل أكبر من الحاجة ما يؤدّي إلى عدم تمكّن المنتجين من توفير الكمية المطلوبة.
التضخّم الجامح: حيث ترتفع الأسعار بنسبة أكبر من 10% بالسنة ما يؤدّي إلى فقدان المال قيمته بسرعة محدثاً عدم استقرار في الاقتصاد.
التضخّم المفرط والذي نحن بصدده علماً أنه نادراً ما يحصل: يحدث هذا النوع عندما ترتفع الأسعار أكثر من نسبة 50% شهرياً ويكون عادةً عندما تطبع الحكومات الأموال لدفع ثمن الحروب على سبيل المثال لا الحصر.
الكساد التضخمي: ويحدث هذا النوع من التضخم عندما يكون النمو الاقتصادي والإنتاج في حالة ركود ويصاحبهما تضخّم في الأسعار.