الفضيلة محجوبة بحثاً عن جحر الضب
بقلم: صالح الراشد

النشرة الدولية –

تصدمنا القنوات الفضائية في شهر رمضان من كل عام بالجديد المقيت، وكل منها يُغني على ليلاه بحثاً عن نشر تجارته وزيادة متابعيه ومتسوقيه من البضائع الفنية قولاً الجاهلة فعلاً، فما نشاهده على القنوات يثير الاستغراب ويجعل أصحاب الفكر الراشد يتأكدون بأن ما يجري هو جريمة منظمة للتلاعب في الأخلاق والمباديء والقيم العربية، وبدأت الجريمة منذ بث المسلسلات التركية ونشر ثقافة الحمل خارج إطار الزواج فتطور الامر بذات الأفلام بزنا المحارم، لنجد ان المجتمع العربي رفض متابعتها في البداية لكن بسبب تواجدها بكثرة على عدة قنوات أصبح غير قادر على الهروب من مشاهدة التفاخر بالرذيلة، ليصبح الخوض في المواضيع المُحرمة دينياً ومجتمعياً أمر طبيعي.

وظننا أن ما قدمته هذه الأفلام نهاية المطاف، لنكتشف ان المطلوب أكثر من ذلك بكثير، فحتى تنتشر رسالة المسلسلات التركية يجب دعمها بمسلسلات لبنانية ومصرية ترفع من قدر “البلطجية” ومهربي المخدرات والخارجين على القانون الذين يعيشون وفق قوانينهم الخاصة “وهذا أمر مستحيل في دول لها قوتها ونظامها”، لتعم الفوضى الفكرية عند ممن يبحثون عن الثراء السريع ليتقبلوا الخطأ “فكرياً” على انه إبداع و”البلطجة” يعتبرونها قوة وحق، والزنا على انه خيار قلبي وعقلي وحرية شخصية حتى ان دمرت الآخرين.

وحتى ننجوا من تفاهة هذه المسلسلات المبنية على تفاهة المحتوى تحت عنوان “الجماهير عاوزه كدا”، انتقلنا لقنوات أخرى تبث ما يطلق عليه حمقاً بالكوميديا، لنجد أن ما يطلق عليه حلقات ساخرة تفتقد للمعنى والهدف والرسالة، لنشعر أننا حمقى لمشاهدتنا من هم أحمق منا، وبالتالي جعلنا من الحمقى مشاهير سواء بصمتنا أو متابعتنا لأعمالهم خالية المضمون والدسم، فالكوميديا والكوميديا السوداء وجدتا لإشهار هموم الناس دون التعرض لسيف الجلاد، وليس لزيادة هموم الشعوب بكوميديا تفتقد لروح الدعابة وتقديم وجع الحاضر بقالب فكاهي يتقبله الجميع، لتصبح الكوميديا بصورتها الحالية ألم الواقع المرير، وغصة للمتابعين كونها بعيدة عن قضاياهم وهمومهم وفوق ذلك، فهي غير قادرة على رسم البسمة على الشفاة ولا معالجة الاختلالات.

لقد أصبح مقاطعة المسلسلات في رمضان بالذات، أمر واجب للحفاظ على ما بقي لدى الشعوب من احترام لقيمها وتاريخها، لأن الأمة ليست مجبرة على دخول جحر الضب الغربي لأنه ليس بيتاً للعرب ومن يحاول جعله كذلك سيخسر معركته، كون الأخلاق ستنتصر في النهاية وستجد هذه القنوات ان عبثيتها لا يمكن أن تمنحها الأبدية كون الأبدية مبنية على ما يرسخ في العقول من فكر راشد سليم.

آخر الكلام:

عن أبي سعيد رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبْر، وذراعًا بذراع، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ؛ قلنا: يا رسول الله؛ اليهودُ والنَّصارى؟ قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: فَمَن؟!)[رواه الشيخان]

زر الذهاب إلى الأعلى