دردشة مع والدتي في ذكراها الثامنة* – بقلم د. فلك مصطفى الرافعي – واضافة من حسن صبرا
طالنشرة الدولية –
خاص مجلة (الشراع) الغرّاء
سيدتي، والدتي،
طابت إقامتك حيث روحك بإستراحة في برزخ عصيّ على البغي أو النكد.
أحييك (بالتوقيتين) الشتوي الذي يُظهر ساعة (معركة الفنادق على تخوم الغربية) ، و على التوقيت الصيفي على استحضار لساعة شرقية تحاكى فصول (بوسطة عين الرمانة).
اسمحي لي سيدتي أن اثقل عليكِ ليس لغاية تعكير صفوك و إنما دأباً على عادتي القديمة أن ادردش معك ِ في كل تفاصيل حياتنا، و ما زلت حتى اليوم انتظر (ساعة صفا) لاسرد لكِ بنزق فيه الوهم و الحقيقة لأستحضر مشهدا من مسرحية “كاسك يا وطن=” عندما ثمل ابن المظلوم و ارغى بالكذب أن حال أمتنا بخير، و أننا حققنا راحتنا و عيشنا و شراكتنا.
و بالحقيقة أننا فقدنا حتى ورقة شفافة تحتضن تبلغ اللفائف القديمة من ماركة ” دق المي و هي مي ” ..
و نتقدم إلى الوراء بكل تحزّب مقيت ،حتى مرئياتنا و اذاعاتنا منعت من برامج بثّها اغنية (ساعة بقرب الحبيب) ..
ساعتنا يا امي قفزت عقاربها من مينائها للسع و اللدغ و حقن السموم في حياتنا المترهّلة. صار سجننا الصغير اقرب إلى الموت الرحيم ، و سجننا الكبير ضمن جغرافيتنا المأزومة تستدعي الاعتذار ممن ركبوا مركب الموت، و غادروا بإختراق الخوف إلى موت بات الافضل ..
بات الافضل من غليان ترقّب المدى، من ساعة طائشة لبِست ثوب رصاصة هادفة خلخلت الهيكل المرمّم سابقا بإسمنت فاقد الصلاحية.
.. في ذكرى يوم رحيلك الذي توافق ساعتها مع تعديل التوقيت، و كانت قاعة العزاء في اليوم الأول على التوقيت الشتوي، و عزاء اليوم الثاني على التوقيت الصيفي، كنا ساعتها في وهم الوحدة الوطنية.
و من الغريب سيدتي على الرغم من الجرح الذي لم يندمل لرحيلك ، و بعد السبع من السنين العجاف زائد سنة كضريبة إضافية ، و مازلت في شكر لله تبارك و تعالى ان اختارك في ساعة ما ملؤها العناية و إمكانية تأمين سرير مستشفى ، و فاتورة دواء و بدل أتعاب اطباء بالليرة اللبنانية العزيزة الكريمة سابقا، و التي دخلت مأوى العجزة ثم العناية الفائقة بأسواق النقد العالمي و صارت كمية من الأوراق لا تكفي ابدا لطباعة مجرد نعوة ..
.. اعود اليك حبيبة عمري ..
اعود الى توقيت عمرنا المنسوج من شرانق حرير التوقيت العاطفي ..
من طفولتي معك استحضار تمنياتي و امنياتي ،عندما كانت ضفائر شعرك الذهبية تدغدغ وجهي، و ارتاح أنني ضمن خيمة سنابل تقيني البرد و الجوع .
و كان صوتك رديفا لصوت العصفور الذي كان يشدو على مشربية نافذتنا ثم يطير : كنت اخاف ان تفردي جناحيك فتطيري،
و كنت اقول لك بهمس عيوني الغارقة بحنانك “عندما تطيري خذيني معك” ..
كنتِ في مداركي كغيمة بيضاء ترسم الفضاء بزبد ابيض ،تكتب رسالة مبهمة و ترحل ، و ايضا كنت اخاف ان تلحقيها ، و صممت أن أكون ملحق غيمة يتبع اثرك لتشكّل عند الأفق ساعة المغيب لوحة تسر الناظرين …
أيتها الحلم البهيج الذي اغفو عليه املا ، و استيقظ على فضله أمانا ، فأرى سبعة ألوان كانت قوس الرحمان تجمع شتات المشرق و المغرب بريشة من رونق الالوان ،و كنتِ كل شئ اسمعك حتى وقت الاذان يتوضّأ من سحاب و نمير …
اذكر الثواني الأخيرة قبل أن تسلّمي الأمانة المستردّة ، و كنت أرقب حقيبتك المعدّة للسفر جاء العصفور بلحن جنائزي ، وجاءت الغمامة بحداد مفترض.
رحلت لوحدك فتحقق خوفي أن تسافري…
ارجوكِ سابقا أن تأخذيني معكِ ؟
سيدتي على إيقاع التوقيتين أبارك لكِ انك خارج زماننا و توقيتنا.
هناك الشفاء و هنا البلاء…
ربّما أرقب يوما أن يهجرني خوفي على إيقاع قوله تعالى في حديث عن مكان آخر مرغوب و مرتجى (على سرر متقابلين) ، في حياة ليس فيها لا نَصَب و لا تعب بل شقائق النعمان أوراقها من رمان و عنب ….
الشراع
واضافة من حسن صبرا
الاديبة فلك مصطفى الرافعي
هل تقصدين في كتاباتك، سحب قارئك الى جنة نعيم يتمنى ان يخلد فيها ، وهو يقرأك ويقرأ لك متعلماً مندوهاً مأخوذًا الى لا مكان ولا زمان الا كلماتك وتعبيراتك ، لا يريد العودة بعيداً عنك ، لا يريد نهاية ما تخطين ، يتمنى ان يطول به المقام ضيفاً مكرماً بين ثنايا يراعك واناملك وأسطرك ليلتهم باكراً احرفها رغيف خبز لجائع ، قطرة ماء لعطشان .
الآن فهم قارىء الشراع لماذا تطلين عليه بدراً في اواخر كل شهر تتقاسمين مع بدر السماء الانوار والاحلام وإلهام الشعراء يا اجمل الشعراء رسماً ووسماً واسماً