«أرامكو» وغيرها من نافذة «ابن البحرين»
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
بعد قراءتي كتاب «تلفزيون أرامكو» للزميل والصديق الدكتور عبدالله مدني جعلني أعيد النظر بدور ومهمة «شركات النفط الاستعمارية» التي ننعتها في أدبياتنا وثقافتنا السائدة بأوصاف الاحتكار و«سلب الثروات الوطنية» و«الجشع» وما إلى هنالك من أدوار؟
لم نتعرف على الوجه الآخر الإيجابي لتلك الشركات ولم نعرفه على حقيقته، إلى أن قدم لنا عاشق الرحلات والكاتب المتمرس عبدالله المدني كتابه هذا ويبرز أهمية شركة الزيت العربية الأميركية «أرامكو» بتشكيل وعي جيل خليجي، ويسد فراغا كبيرا بتوثيق جزء من الذاكرة الخليجية حول بدايات ظهور الإعلام المرئي في المنطقة.
«أرامكو» حولت المناطق المحيطة بمسرح عملياتها إلى حواضر حديثة فظهرت على خريطة المنطقة الشرقية لأول مرة مدن مثل الظهران وبقيق ورأس تنورة، وتحولت بلدة مثل «الخبر» إلى مدينة حديثة، قامت ببناء أول خط سكة حديدية، يربط الدمام بالعاصمة الرياض، وبنت كذلك المدارس وأرسلت بعثات للتعليم بالخارج ولجامعة الملك فهد بالظهران وتقديم الخدمات الطبية للسكان وفوق ذلك اهتمت بتعليم المرأة السعودية وتوظيفها.
على صعيد الإعلام أصدرت أرامكو صحيفتين، واحدة بالإنكليزية وأخرى مجلة بالعربية أسمتها «قافلة الزيت»، إلى أن قررت عام 1955 إنشاء محطة تلفزيونية تبث من الظهران ويغطى إرسالها كل المنطقة الشرقية، وبدأت بالبث عام 1957 كثاني بث تلفزيوني في الخليج بعد تلفزيون بغداد بأشهر معدودة.
انحصر دورها بالترفيه وتثقيف أبناء المنطقة وتسليط الضوء على أعمال الشركة، والنسبة العالية من برامجها كانت محلية وعربية وأفلام سينمائية عربية، أربعة أفلام بالأسبوع.
أوقفت «أرامكو» البث لهذه المحطة عام 1970 بعد بدء إرسال التلفزيون السعودي الحكومي من الدمام في نوفمبر 1969 ومن بعد بدء بث تلفزيون الرياض وجدة عام 1965.
يستعرض أشكال التغيير الذي أحدثه تلفزيون أرامكو في حياة أبناء المنطقة الشرقية وكيف ساهم بتقوية الحس الوطني والقومي، عبر عرضه للأفلام المصرية مثل «رد قلبي» و«في بيتنا رجل» و«الله معنا» و«جميلة بوحيرد» وقد شكلت تلك الأفلام سبباً في وعي المجتمع بحركة النضال ضد الاستعمار البريطاني في مصر وجرائم فرنسا في الجزائر.
يستذكر المؤلف دور كبير موظفي «أرامكو» وكبير مذيعي محطتها التلفزيونية، فهمي بصراوي، وهو أول مذيع تلفزيوني خليجي، وجميل محمد حطاب الشهير «ببابا حطاب» آسر قلوب أطفال الخليج وعيسى جاسم الجودر المذيع الشهير في أرامكو وصالح علي المزيني أول خليجي يترأس قناة تلفزيونية.
عبدالله المدني، إبن مدينة «الخبر» والمولود فيها وصاحب مؤلفات عديدة، نجح في توثيق تاريخ أول تلفزيون بالمنطقة والتي كانت جزءاً من لذكرة الخليجية وبدايات ظهور الإعلام المرئي، مثلما برع بتناول السير الذاتية التي تترجم لشخصيات آسيوية صنعت الحدث في كتابة «لوحات بيوغرافية من الشرق الأقصى». تذوقه للسينما دفعه لإصدار كتاب يحمل عنوان «شاهدتهم ولا تعرفهم» يسرد فيه «سيرة الفنانين المهمشين، ممن لم تسلط الكتب الفنية الأضواء عليهم وعلى أعمالهم الخالدة، وبالتحديد فنانو الصف الثاني والثالث ومن يوازيهم من الفنانات.
«بوتيمور»، ترجم عشقه للسينما بإصدار الكتاب الذي جمع فيه 156 شخصية سينمائية، سبق أن نتشر حلقاتها في صحيفة «الأيام» البحرينية، ولعل في إصداره المعنون بـ«رائدات ومبدعات من نساء الخليج– النخب في الخليج»، ما يستكمل دائرة أبحاثه وكتاباته المتواصلة وبعدة أجزاء، مما يضعه في صورة «المؤرخ الاجتماعي» في الخليج العربي.
احتوى الكتاب على سيرة 56 سيدة خليجية، نصيب السيدات الكويتيات سبعة أسماء هن: سارة أكبر، سعاد الحميضي، هداية سلطان السالم، نورية صالح السداني، ليلى العثمان، لولوة القطامي، أمل جعفر.
بقدر ما كانت للدكتور عبدالله المدني مساهماته الأكاديمية فإنه يسعدنا ويتحفنا بكتاباته المستمرة في صحافة الإمارات والبحرين وبحوثه القيمة والثرية وهو بخلاف دراساته المتعمقة والمنشورة في عدد من الدوريات العربية والأجنبية، إضافة إلى رواياته الخمس والصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت.