اقرأ قبل أن تتبرع
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

يقول المغرد سليمان السعيدي إن مواطنة قدمت شكوى لوزارة الشؤون ضد «جمعية خيرية» سبق أن تبرعت لها بمبلغ من المال مقابل بناء مسجد في إحدى الدول الأفريقية، كصدقة لذكرى والديها.

اكتشفت تالياً أن الجمعية لم تنفذ بناء المسجد بحسب الموعد المتفق عليه، فطالبت بأموالها التي تبرعت بها، فقالت لها إدارة الجمعية: ليست لدينا ميزانية!

بعد الشكوى، تواصلت الجمعية بالمواطنة وأخبرها المسؤول بأنهم قاموا بحفر بئر في دولة أفريقية بدلاً من بناء المسجد الذي سبق أن طلبت بناءه، وما تبقى من مبلغ تبرعها سيتم صرفه على أي مشروع من اختيارها!

قصة هذه السيدة ذكرتني بحادثة شبيهة بها قليلاً، حيث تبرعت سيدة أخرى لجمعية معروفة لبناء مسجد بمبلغ يقارب 4 ملايين يورو في مركز إسلامي في فرنسا. حصل خلاف بين الحكومة وإدارة المركز، وتم إلغاء مشروع بناء المسجد.

عرفت المتبرعة بالإلغاء، فطلبت استرجاع تبرعها. بعد مماطلة طويلة، وتهديد، أعادت إليها الجمعية تبرعها بعد خصم نسبة كبيرة منه، وأخبروها بأنهم أعادوا إليها ما سبق أن قاموا بخصمه تطبيقاً لمبدأ «القائمين عليها»، وكان بحدود %20، لكن الجمعية «الخيرية جداً» التي كانت ستتولى بناء المسجد في فرنسا رفضت إعادة ما قامت بخصمه من مبلغ التبرع كنسبة لها، وليس لهم أمر عليها!

دخلت الأخيرة في صراع قضائي مع الطرفين، ولا أعلم إلى ماذا انتهى!

وسبق أن أخبرني صديق قبل عشرين سنة تقريباً بأن قريبة له تبرعت ببناء مسجد في باكستان، وكانت الجمعية ترسل لها تباعاً صوراً تبين تقدم البناء، وبما أنه طيار فقد طلبت منه زيارة الموقع!

فوجئ الصديق عند ذهابه هناك بأن الصور كاذبة، فهي تبين فقط ديكورات عليها صورة مسجد، مثل استوديوهات الأفلام، ولا مبنى ولا شيء من ذلك، وربما استخدم الديكور نفسه للضحك على مئات أو آلاف المتبرعين السذج الآخرين!

كما توجد طبعاً الآلاف من قصص النصب والخداع المماثلة الأخرى.

***

تبين بالأمس فشل أكبر حملة جمع تبرعات في تاريخ الإخوان، في الخليج، لدعم ضحايا زلزال تركيا وسوريا (كما ادعوا)، التي مهد لها بحملة إعلامية وإعلانية ضخمة، وبوسترات تحمل صور عشرات الشخصيات المعروفة في عالم الدعوة، ومنهم نواب وأئمة، وأطلق عليهم جميعاً لقب «قادة الأمة»، وغالبيتهم من الإخوان، حيث لم تنجح الحملة في جمع أكثر من 22 ألف دولار، في يومها العشرين!

***

إن أي مجتمع بحاجة إلى وجود فضيلة التبرع فيه. فهي عملية نفسية ضرورية للمتبرع، ولمساعدة المعوزين والمحتاجين، وتلبية حاجاتهم وسد جوعهم وتوفير المأوى والدواء لهم، ودفع رسوم مدارس أبنائهم. وبالتالي التبرع فضيلة عظيمة، ولكن على المتبرع التيقن من نظافة وجدية الجهة التي يتبرع لها، وسمعة القائمين عليها، وجدية وحقيقة أهدافهم، وتمتع الجمعية بما يكفي من الشفافية، فشيء من الحرص قبل الإقدام على التبرع، ولو صغر، ليس بالأمر السيئ، خصوصاً أن هناك أكثر من 46 جمعية «خيرية» لا يعرف عن أغلبيتها ما يكفي للثقة بها!

***

نعيد القول:

ستنتهي أزمتنا، السياسية والدستورية، يوماً وحتماً.. وقريباً. أثناء ذلك يجب أن يستمر احترامنا لاستقلالية القضاء، بصرف النظر عن آرائنا الشخصية في أفراده!

زر الذهاب إلى الأعلى