هل نحتاج إلى مدرب لـ “حياتنا”؟
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
هل أنت ممن يستغرقون في قراءة المقالات أو الكتب، التي تحمل عناوين مثل كيف تصبح غنياً؟ كيف تصبح ناجحاً؟ كيف تصبح محبوباً ومقبولاً من الجنس الآخر؟ أو التقارير التي تبدأ بسؤال هل أنت راض عن نفسك؟ أو أترك عملك واتبع أحلامك. ولعل بعضاً ممن سيقرأون هذا التقرير، مهووسون إلى حد ما بتلك العناوين الجاذبة، تلك المواضيع تبدو سهلة وكأنها تقدم لك الإرشادات لطبخة ما ومقاديرها، أو نصائح تواظب بدايةً على اتباعها ثم تمل، وفي بعض الحالات تجد أنه لم يتغير شيئاً، بل على العكس ازددت إحباطاً، ذلك لأننا مختلفون في ظروفنا وعقولنا وأحلامنا، كما أن الحياة والحب والنجاح والثروة، لا تباع في وصفات جاهزة، لكن مع ذلك يؤكد قسم كبير من الناس أن حياتهم تغيرت بفضل نصائح “إنفلوينسر” (influencer) معين أو “لايف كوتش” (life coach) شهير.
“لايف كوتشينغ”
هناك مثل يقول “المران يعلم الإتقان”، ولعل المران هنا يصح في حالات الرياضيين والممثلين وعارضي الأزياء والمهن التي تتطلب تدريباً واحترافاً، كذلك في حالات رجال الأعمال والسياسيين وغيرهم، ولكن هناك نوعاً آخر من التدريب وهو التدريب على الحياة أو Life Coaching، الذي قد يبدو غريباً، فهل فعلاً أصبحت الحياة بحاجة إلى تدريب؟
بحسب موقع Skills You Need، التدريب على الحياة نهج يساء فهمه على نطاق واسع، إذ يعتبره البعض شكلاً حديثاً من أشكال المشورة، والبعض الآخر نتاجاً ثنائياً لسلوك الأميركيين في مطاردة “الحلم” الذي يضرب به المثل، وتطور التدريب على الحياة ليصبح شكلاً ناجحاً للغاية من العلاج بالكلام، لدرجة أنه ساعد في تغيير حياة كثير من الناس. وتعريف مدرب الحياة هو شخص يتم تدريبه بشكل احترافي لمساعدة الآخرين على تعظيم إمكاناتهم الكاملة والوصول إلى نتائج أفضل في حياتهم، ويعد مدرب الحياة صديقاً داعماً ومستشاراً موثوقاً به في آن واحد، وشخص يدفعك لتحديد أهدافك ويقدم لك التشجيع في شأن مجموعة من القضايا المهنية والشخصية طوال رحلتك، لتصبح نسخة أفضل عن نفسك. وتتنوع نطاقات هذا النوع من التدريب، الذي يبدأ من الأمور المتعلقة بالتسويق والموارد البشرية، وتدريب الطلاب، والأزواج والعشاق والأطفال والمراهقين، إلى طريقة البحث عن وظيفة الأحلام، والأمور الروحية، وصولاً إلى مساعدة العميل على طرق لإنقاص وزنه.
من الأشخاص الذين هم بحاجة إلى “لايف كوتش”؟
وفق “سكيلز يو نيد” فإنه غالباً ما يكون الأشخاص الذين يستخدمون مدرباً للحياة، يفتقرون إلى الثقة بالنفس، ويجدون أنفسهم في روتين أو يفتقرون إلى المتعة أو الإثارة، وتكون العلاقة بين العميل ومدرب حياته أشبه بشراكة إبداعية، أكثر من كونها طريقاً أحادي الاتجاه، فمن الاجتماع الأول مع مدرب الحياة تحدد بعض النقاط، منها تحديد وتوضيح رؤية ما يريده العميل وتستخدم خبرة المدرب لتعديل الأهداف حسب الحاجة، والتشجيع على اكتشاف الذات والنمو، ووضع الاستراتيجيات وخطة العمل بناءً على ما يناسب أهداف وشخصية العميل ورؤيته، إضافة إلى أمور أخرى. ويختلف التدريب على الحياة عن تقديم المشورة والاستشارات والتوجيه، فمدرب الحياة يكون مدرباً لمساعدتك في مشاريع مهنية محددة وأهداف وتحولات شخصية، ولا يعطي المدرب المحترف إجابات مباشرة بدلاً من ذلك، يطرح أسئلة قوية لفتح وإبراز طريقة أفضل للمضي قدماً لعملائه.
لم يختار المدرب على الحياة تلك المهنة؟
تعرف ملك عيتاني عن نفسها بأنها إعلامية ومستشارة تدريب و”لايف كوتش”، وتقول لـ “اندبندنت عربية” إنها اختارت تلك المهنة لأنها إنسانية بالدرجة الأولى، وتضيف أنها من خلال مهنتها تستطيع أن ترى “التغيير والرضا في عيون الناس، عندما يكتشفون ذواتهم”. أما لماذا اختارت مهنة “لايف كوتشيتغ”، فذلك لأنها واجهت في يوم من الأيام “الضياع” ولم تكن تعلم “ماذا تريد من الحياة”. وتردف عيتاني قائلةً “كان لدي كثير من الأمور السلبية في حياتي وأفكاري، ولم أكن أعلم كيفية توظيف قدراتي ومهاراتي”.
ويُذكر أن تخصص عيتاني الأول هو علوم مالية ومحاسبة، وبحسب تعبيرها فإنه “بعيد جداً من رغباتها وطاقاتها وشغفها”، ما أدخلها في موجة من الضياع لأنها لم تكن تعلم حقيقةً ماذا تريد، وهذا ما اضطرها أن تستشير “كوتش” أو مدرباً، ذلك المدرب ساعد عيتاني على اكتشاف قدراتها ومهاراتها وقيمها، من هنا جاء اختيارها لمهنتها “الجديدة” التدريب على الحياة، كي تساعد “عملاءها” على ادخار الوقت، ومعرفة طريقهم دون إضاعة السنوات هباءً، وتشير عيتاني إلى أن الـ “لايف كوتشينغ” هي تقنيات ومهارات تكتسب، وأنها خضعت لدورات طويلة مع جهات أجنبية وعربية وتلقت تدريبها عبر أكثر من مدرسة، وتعتبر أن مفهوم التدريب هو نفسه ولكن لكل طريقته، ولدى سؤالها عما إذا كانت تمتلك عيادة لاستقبال “عملائها”، تقول إن لديها “مكتباً لتطوير مهارات أو استشارات، لأن العيادة هي حصر للأطباء والمحللين النفسيين”.
هل يتعارض التدريب على الحياة مع العلاج النفسي؟
وهناك تطبيقات للتدريب عبر الإنترنت، تسمح للمدرب بتعيين استبيانات مخصصة للعميل، مما يضمن محادثة مستمرة وطريقة بسيطة لطرح الأسئلة، ويمكن للعميل الإجابة عن هذه الأسئلة داخل خصوصية منزله باستخدام النظام الأساسي الآمن المشفر، وهو متوافق مع القانون العام لحماية البيانات (HIPAA, GDPR). وتقول عيتاني إن من واجبها الاستماع والإنصات إلى العملاء الذين يطلبون مساعدتها، وذلك خلال الجلسة الأولى “الاستكشافية”، وتشير عيتاني إلى أنها من خلال الجلسة الأولى تحدد ما إذا كان “العميل” بحاجة إلى علاج نفسي أو تطوير مهارات، مضيفةً أن عملها “يتوقف عند المستفيد الذي يكون بحاجة لعلاج نفسي”، لأن عملها “يقع ضمن تطوير المهارات فقط، ولا يستطيع التدريب على الحياة إلغاء العلاج النفسي”، وتتابع أن “هناك تعاوناً بين مكتبها ومكاتب أخصائيين ومحللين نفسيين، وهناك تكامل بين عملها وعمل الأطباء النفسيين”، إذ إن الأشخاص أنفسهم الذين يخضعون لعلاج نفسي يعودون إلى مكتبها لتطوير مهاراتهم.
الفرق بين علم النفس والتدريب على الحياة
تشرح الاختصاصية في علم النفس العيادي، الدكتورة هدى داغر لـ “اندبندنت عربية”، الفرق بين “النفساني”، و”المعالج النفساني”، و”الطبيب النفسي” و”مدرب الحياة”.
النفساني (Psychologist) هو كل مهني حائز إذن مزاولة المهنة من وزارة الصحة العامة ومنتسب إلى نقابة النفسانيين في لبنان، وهو خبير في تقييم السلوك والمشاعر وأساليب التفكير، ويعمل مع الأشخاص الذين يعانون من صعوبات نفسية، ويقيم الأداء النفسي والعقلي لهؤلاء الأشخاص ويقدم لهم التوصيات، كما ينفذ التدخلات العيادية اللازمة بجلسات محدودة العدد الممهدة للإحالة إلى المعالج النفسي عند الاقتضاء، وذلك بهدف مساعدة طالبي الخدمة على تحسين صحتهم النفسية والعقلية، وعلى تحسين مستوى تفاعلهم مع بيئاتهم، ويقوم النفساني أيضاً بدور توعية الأفراد والأُسر والمجتمعات حول أهمية الصحة النفسية، وحول سبل الوقاية من السلوكيات ذات الأثر السلبي في الأفراد كما في المجتمعات.
أما المعالج النفساني (Psychotherapist) فهو نفساني عيادي أولاً، حائز إذن مزاولة مهنة من وزارة الصحة العامة ومنتسب إلى نقابة النفسانيين في لبنان، وهو متخصص بتقنيات العلاج النفسي اللادوائي بحسب المدارس العلاجية العالمية، ويتجاوز العلاج النفسي المساندة النفسية أو تقديم المشورة والدعم، فهو يقدم العلاج النفسي بهدف مساعدة طالب الخدمة على إحداث تغييرات مهمة في أدائه الإدراكي أو العاطفي أو السلوكي، كما في نظامه الشخصي أو في حالة صحته النفسية.
الطبيب النفسي (Psychiatrist) هو طبيب منتسب إلى نقابة الأطباء في لبنان ومتخصص في الطب النفسي ولديه شهادة جامعية وتدريب يؤهلانه لتشخيص الأمراض والاضطرابات النفسية والعقلية، وعلاج هذه الاضطرابات ووصف الدواء المناسب لكل حالة.
وأخيراً مدرب الحياة، هو مهني مدرب لمساعدة الشخص على زيادة إمكاناته لتحقيق النتائج المرجوة، وهو يساعد الشخص على تحديد أهدافه في الحياة مع وضع خطة عملية لتحقيقها، كما يقوم بتشجيعه وتقديم المشورة له حول مجموعة من القضايا المهنية والشخصية، ويساعده على اكتشاف ذاته ونموه إضافة إلى رعاية واستحضار الاستراتيجيات وخطة عمل تستند إلى ما يناسب أهداف الشخص وشخصيته ورؤيته.
ولكن هل توجد منافسة بين المهن المذكورة أعلاه وهل تؤثر الواحدة في الأخرى؟
تشير الاختصاصية هدى داغر إلى أنه “لا يجب أن تتنافس هذه المهن أو تؤثر الواحدة في الأخرى من حيث المبدأ، غير أن جهل بعض الأشخاص لعمل كل منها والفروقات بينها يجعل من السهل الوقوع في الالتباس، ويقع على عاتق المهني أن يحدد لطالب الخدمة ما هي خصائص مهنته وما هي حدودها فلا تتداخل في ما بينها، كما يقع على عاتق النقابات المعنية بهذه الاختصاصات المهنية نشر الوعي حول ماهية كل منها والفروقات بينها”.
أنواع جلسات الـ “لايف كوتشينغ” وأسعارها
تشمل جلسات التدريب على الحياة أنواعاً مختلفة وتتنوع بتنوع الاختصاصات، ومن أشهرها “لايف كوتشينغ للعلاقات الزوجية”، ولمعرفة الشغف ونوعية العمل المناسب، و”لايف كوتشينغ للتوتر والقلق”، كما للمديرين في الشركات والمؤسسات، كما يوجد “لايف كوتشينغ لتغيير العادات”، وللتعرف على النفس والأهداف وزيادة الوعي بالذات، إضافة إلى جلسات لعلاج الخوف والقلق، وأيضاً التدريب على مواقف فقدان الأشخاص والعودة للتوازن النفسي.
ويمكن للمدرب غير المتخصص عقد جلسات في كل ما سبق، لأن التقنيات المستخدمة واحدة، وعادةً ما يتردد في مجال اللايف كوتشينغ مقولة أن “كل مدرب على الحياة بحاجة لمدرب هو نفسه” وذلك ليساعده على إضاءة المنطقة المظلمة من خلال أسئلته حتى يعيد التفكير في المشكلة بشكل مختلف ورؤية الصورة بنطاق أوسع.
أما عن أسعار الجلسات فتختلف من بلد لآخر بل ومن لايف كوتش لآخر، حسب أمور عدة منها الخبرة.