يُسرا.. فوق مُستوى التصنيف
بقلم: د. داليا مجدي عبدالغني
النشرة الدولية –
كثيرون يظنون أن العمل التراجيدي أقوى من العمل الكوميدي، لأن الفنان فيه يستعمل جهازه العصبي ويتلاعب بالصوت، وبنظرات العُيون حتى ينجح في إجبار المُشاهد على التعايش معه، والتعاطف مع حالته الفنية.
ولكن هناك فنانين نجحوا وبتفوق في تأكيد أن الفنان لا بد أن يكون شاملًا، حتى يترك بصمته في كل ألوان الفن، والحقيقة أن هؤلاء الفنانين هم قلة قليلة لأن مَنْ تم تصنيفه أنه تراجيدي، يصعب عليه أن يخرج من تلك الدائرة، وذات الأمر ينطبق على الفنان الكوميدي، ولكن الفنانة والنجمة الجميلة المُبدعة “يُسرا” نجحت في إثبات أنه لكل قاعدة استثناء، فهي ولعامين متتاليين نجحت في تقديم اللون الكوميدي وببراعة شديدة، لدرجة أن المُشاهد ينسى في كثير من الأحيان أنها في الأساس تقدم الميلودراما والتراجيديا، فلقد أثبتت وبجدارة أنها فنانة في المطلق، فلا يُمكن تصنيفها، فهي تلبس الشخصية وتندمج معها، وتدخل في تفاصيلها، والأجمل من ذلك أنها تؤدي الدور بمنتهى التلقائية. فالخطأ الذي يقع فيه العديد من مُمثلي الميلودراما أنهم يُبالغون في الأداء عند تقديمهم للون الكوميدي، وهذا يُخْرجهم من دائرة الضحك، لأن أي إنسان لا يمكن أن يضحك إلا على التلقائية، فقد يتقبل المُشاهد بعض المُبالغة في التراجيديا، ولكنه من الصعب، بل والمُستحيل أن يتقبل بعض المُبالغة في الكوميديا.
ولكن “يُسرا” أدت الكوميديا بتلقائية شديدة، أجبرت المُشاهد أن يضحك ويستمتع بالقصة في آن واحد، فلا يُمكن لأحد أن يتخيل أن مَنْ قدمت “خيانة عهد” و”حرب أهلية” وغيرهما من الأعمال الدرامية، يمكن أن تقدم “أحلام سعيدة” و”ألف حمد الله على السلامة”، وبذات التميز والإبداع، رغم أنها ليست مُصنفة فنانة كوميدية، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى والتي من وجهة نظري لا تقل أهميتها عن أهمية أداء الفنان، هو احترامها لعقلية وحياء المشاهد في تقديم العمل الكوميدي، فـ”يُسرا” تختار العمل الكوميدي الذي يرفض الإسفاف، فلا يُمكن أن نسمع لفظًا خارجًا، أو كلمة جارحة، فالضحك في أعمالها راقٍ وهادف وبسيط، لذا يجذب المُشاهد ويُتابعه بشغف.
فكل مَنْ شاهد عائلة الدكتورة “سميحة” استشعر أنهم من أفراد عائلته، وتعاطف مع مشاكلهم التي توالت عليهم من لحظة عودتهم من كندا إلى مصر، وبرغم أن مُشكلاتهم مُوجعة ومُؤلمة، إلا أنها خرجت في إطار كوميدي بسيط، فذكرتنا بأعمال العملاق “نجيب الريحاني”، الذي يقلب الحدث المأساوي إلى نكتة خفيفة في لحظات، والأجمل من ذلك أن مشاكلهم طبيعية للغاية، فتشعر أنها مثل المشاكل التي تمر بحياتنا اليومية، فليست فيها مُبالغة أو افتعال، وهذا هو ذكاء الفنان الذي ينجح في اختيار العمل الذي يشد المُشاهد، ويُجبره على التعايش معه، خاصة لو كان هذا الفنان يخرج عن إطاره المُعتاد، فليس من السهل على المُشاهد أن يتقبل أي فنان يستحدث لونًا فنيًا جديدًا عليه.
ولكن مع “يُسرا” الأمر يختلف تمامًا، لأن لديها قُبولًا طاغيًا، وتتمتع بتلقائية شديدة، علاوة على احترامها لجمهورها، فكل مَنْ يُشاهدها يستشعر أنها قريبة منه، بسبب مصداقيتها التي ميزتها في كل أعمالها، فهي حقًا نموذج للفنان الذي يُؤمن بالفن بدون تصنيف، فإذا قررت أن تُبكيك ستجد دُموعك تهطل كالمطر، وإذا ضحكت ستضحك من قفشاتها وردود أفعالها لا إراديًا، فهكذا يجب أن يكون الفنان شُحنة من المشاعر المُختلفة والمُتباينة يستطيع أن يبثها في أي وقت، ويُجبر جمهوره على تقبلها والتعايش معها، فهو يرفض التصنيف، لإيمانه بقدرته على أداء كل الأدوار، وتجسيد كل الشخصيات، والتعايش مع كل الحالات، وإقناع المُشاهد بأي عمل يُقدمه، حتى ولو كان جديدًا عليه، فهذا هو الفنان من الطراز الأول، وهذا هو بالتحديد ما نجحت فيه “يُسرا” على مدار تاريخها الفني المُتميز.