بقاء القوات الأميركية في سورية يهدّد بدفعها ثمناً باهظاً
النشرة الدولية –
فشلت الهجمات الأميركية الانتقامية، التي وقعت في سورية أخيراً، في حماية الجنود الأميركيين. ونفذت أخيراً ميليشيات مدعومة من إيران هجوماً آخر بالصواريخ ضد الجنود الأميركيين، إثر قيام مسيرة أميركية بتنفيذ هجوم كان يقصد منه ردع قيام مزيد من الهجمات ضد القوات الأميركية. وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الجنود الأميركيون في سورية للهجمات، وليست المرة الأولى التي تنفذ فيها القوات الأميركية هجوماً انتقامياً ضد هذه الميليشيات، بل ربما يكون الهجوم الانتقامي الـ80 الذي تقوم به القوات الأميركية في سورية، والعراق، منذ وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض. وبات من اللازم على واشنطن سحب قواتها قبل أن يدفع مزيد من القوات ثمناً باهظاً، نظراً لعدم الاكتراث لهذه الهجمات.
ومن غير المرجح أن ثمة تغيراً قد حدث بعد نحو 80 محاولة فاشلة للقيام بهجمات أميركية رادعة. وعلى الأرجح، فإن هجمات المستقبل ستذكر واشنطن بأنها غير قادرة عن دفع أعدائها نحو الامتثال لأوامرها بالقوة. وتستطيع هذه المجموعات أن تسفك دماء العديد من الجنود الأميركيين، طالما بقي هؤلاء الجنود هناك، ولا تملك واشنطن أي أسباب استراتيجية تدفعها للبقاء في هذه المنطقة التي تحوي الكثير من المتاعب والقليل من الفوائد. وبالمقارنة، فإن هذه المجموعات موجودة أصلاً لطرد الوجود الأميركي من المنطقة، وهذا يعني أن هذه الميليشيات عليها ببساطة أن تعمل على مدار الساعة، وستواصل هجماتها حتى خروج القوات الأميركية، واعتراف واشنطن بعدم جدوى بقائها في المنطقة.
المبرر الرئيس
ويجب أن تكون المخاطر العظيمة التي يتعرض لها الجنود الأميركيون متناسبة مع الفوائد التي تحصل عليها الولايات المتحدة، ولكن الوضع ليس كذلك في العراق وسورية، إذ أن تنظيم «داعش»، وهو المبرر الرئيس لتورط الولايات المتحدة في هذه المنطقة، تضاءل حجمه حتى أصبح بلا أراضٍ يسيطر عليها، كما أنه بلا موارد عملياً، وتم القضاء على معظم قياداته، لدرجة أن هوياتهم أصبحت غير معروفة إلى حد كبير. وللمفارقة، فإن الحفاظ على وجود عسكري في العراق وسورية بات يقوض الهدف من احتواء إيران، ويمنح الوجود الأميركي إيران النفوذ على الميليشيات السورية والعراقية، ما يسمح لها بتوسيع نفوذها عن طريق اختيار استمالة المجموعات المحلية التي تعارض الاحتلال الأميركي لبلدهم. وعلى سبيل المثال، فقد استفادت إيران التي تملك نفوذاً كبيراً على قوات الحشد الشعبي، بصورة فعالة، من المشاعر المعادية للأميركيين لحشد مزيد من التحالفات مع طهران.
ويمكن ترسيخ الردع الحقيقي على نحو أفضل عن طريق السماح للمحليين بأخذ الدور القيادي. وتفاوضت إيران والمملكة العربية السعودية، بغياب القيادة الأميركية، للتوصل إلى اتفاق سلام، ولم يكن نفوذ واشنطن ضرورياً لتحقيق الاتفاق. لقد كان غياب الدور الأميركي نعمة على الدولتين، ولو وُجدت واشنطن لكانت بمثابة عقبة كأداء.
وفي الواقع، فإن نفوذ إيران ليس مهيمناً كما يوحي دعاة الخوف الأميركيون. وقد جمعت واشنطن شركاء غير متوقعين. ويشعر العديد من الشيعة العراقيين بالقلق من النموذج الديني الإيراني، في حين كانت الحكومة السورية تفضل تاريخياً التحالف مع جيرانها العرب. وخلال غياب الأميركيين، من المحتمل أن يتقلص نفوذ إيران في وجه المعارضة المحلية.
ولا يعتبر تنظيم «داعش»، ولا إيران، ولا أي مبرر زائف آخر، سبباً لبقاء الولايات المتحدة في العراق وسورية. ويثبت آخر هجوم بطائرة مسيرة أن الصيغة ذاتها لا يمكن أن تقدم نتائج مختلفة. وتمت محاولة ذلك أيام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وفشلت. وجرت المحاولة في عهد الرئيس جو بايدن، ولكنها فشلت من جديد. وفي الحقيقة، فإن الوضع الراهن لن يكون لمصلحة الولايات المتحدة، أو جيشها، أو شعبها، ولهذا يجب التغيير.
ومر نحو عقدين من الزمن على وجود الولايات المتحدة في العراق، وخلال هذه الفترة، أدت تدخلات الولايات المتحدة إلى تفاقم الطائفية، ناهيك عن تدهور الحالة الأمنية للجنود الأميركيين من دون داعٍ، وحافظت على الوضع الراهن لأغراض مشكوك فيها، وغير واضحة. وينبغي أن يكون هناك نهاية لسياسات الماضي الفاشلة، وبينما تواصل الصواريخ والقذائف الأخرى استهداف الجنود الأميركيين، لدى واشنطن خيار عليها اتخاذه.
فهي تستطيع مواصلة ترك جنودها من الرجال والنساء تحت خطر ليس له داعٍ، أو أنها يمكن أن تتخذ طريقاً أكثر أماناً وذكاء عن طريق إعادتهم إلى الوطن.