قلق بالغ بعد ارتفاع ملحوظ لجرائم قتل النساء بتونس

النشرة الدولية –

هزت جريمة قتل امرأة على يد زوجها في تونس الرأي العام في هذا البلد المغاربي الذي بات يسجل معدلات عنف توصف بـ”المفزعة” ضد النساء.

وفي العام 2022، سجلت السلطات التونسية 15 جريمة قتل للزوجات، أي بمعدل يزيد عن حالة قتل كل شهر، وهو رقم يوصف من قبل الهيئات الرسمية والحقوقية بـ”المفزع”.

وتتباين تفسيرات النشطاء لتفشي العنف الزوجي والاعتداء على النساء بين من يرجعها إلى قصور التشريعيات وغياب الإرادة السياسية لمحاربة الظاهرة وبين ما يُعيدها إلى إخلالات في معالجة أسبابها.

قتلت امرأة (33 عاما)، الخميس الفائت، على يد زوجها بمدينة الساحلين في محافظة المنستير (وسط)، وفق ما أكده  الناطق باسم محاكم المنستير والمهدية فريد بن جحا.

وفي تفاصيل الحادثة وفقا لما ذكره بن جحا في تصريح لإذاعة “ديوان أف أم” المحلية فإن “المرأة أُصيبت بمرض في حلقها لينقلها زوجها إلى أحد الرقاة قبل أن يقنعه بأن “جنّا يسكنها ويجب إخراجه”.

وفي محاولة منه لـ”إخراج الجن” أدخل الرجل يده في حلق زوجته التي توفيت بسبب ذلك لاحقا.

وأوقفت السلطات الرجل المتهم قبل فتح أبحاث عدلية تشمل أيضا “المشعوذ الذي أقنع الزوج بالقيام بهذه العملية”.

ونهاية العام الماضي، أطلقت حقوقيات تونسيات حملة “أوقفوا قتل النساء” للتنديد بالعنف المسلط على المرأة عقب إقدام رجل بمحافظة الكاف على قتل زوجته حرقا.

أرقام “مُفزعة” رغم القانون “الثوري”

رغم تبني البرلمان التونسي في العام 2017 قانونا لمناهضة العنف ضد المرأة وُصف بـ”الثوري” آنذاك، إلاّ أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى ارتفاع الاعتداءات على النساء بشكل عام والعنف الزوجي بشكل خاص.

وتلقت وزارة المرأة في الثلاثي الأول من العام الجاري 921 إشعارا حول حالات عنف من بينها 654 حالة عنف زوجي.

وتُوضح الأرقام أن حالات العنف الزوجي تضاعفت أكثر من 3 مرات في الربع الأول من العام 2023 مقارنة بالفترة ذاتها من العام الذي سبقه.

ومنذ العام 2017، سن البرلمان التونسي قانونا يتعلق بمناهضة العنف الموجه ضد النساء يتضمن عقوبات مادية وسجنية مشددة ضد المخالفين.

ويفرض هذا القانون على الدولة تأمين الحماية للمعنفات، علاوة على توفير الرعاية الصحية والنفسية والقانونية في مواجهة ظاهرة العنف.

ويُلزم القانون الدولة بتوفير “الحماية القانونية المناسبة لطبيعة العنف الممارس ضد المرأة بما يكفل أمنها وسلامتها وحرمتها الجسدية والنفسية”.

كما يفرض على السلطات “التعويض العادل لضحايا العنف في صورة استحالة التنفيذ على المسؤول”، فضلا عن توفير “الإيواء الفوري للمعنفات في حدود الإمكانيات المتاحة”.

وكانت وزارة الداخلية قد شكلت بمقتضى هذا القانون عشرات الفرق الأمنية المختصة في البحث عن جرائم العنف المسلط ضد المرأة.

أين الخلل؟

إجابة عن هذا السؤال، تقول الناشطة النسوية سناء بن عاشور، في تصريح لـ”أصوات مغاربية”، إن “تفشي اغتيال النساء يعود إلى سببين، الأول يتعلق بالنقائص في التشريعات والخلل في تطبيقها، فضلا عن غياب إرادة سياسية”.

وأوضحت بن عاشور أن “الاكتفاء بتغليظ العقوبات في هذه الجرائم لا يكفي لتغيير المجتمع” معتبرة أن “قانون مناهضة العنف ضد النساء رغم أهميته جاء مُكبّلا بالقوانين الأخرى على غرار المجلات الجزائية والأحوال الشخصية والشغل”.

وأشارت المتحدثة ذاتها إلى “غياب إرادة سياسية ونظرة شاملة لقضية حقوق النساء”، مؤكدة أنه “منذ العام 2019 يوجد تخلي عن سياسة الدولة لتغيير أوضاع النساء والاتجاه بها نحو المساواة”.

كما لفتت إلى “وجود تراجع عن سياسات البلاد فتاريخيا كانت هناك مبادرات لتحسين أوضاع النساء وهو الأمر الذي تم التراجع عنه منذ 2019 في ظل تفشي الخطاب الرجعي بالنسبة لحقوق المرأة والمساواة ومدنية الدولة”.

دوافع اجتماعية

وفي السياق ذاته، ترى الباحثة في علم الاجتماع نسرين بن بلقاسم أن “ارتفاع معدلات قتل النساء يندرج ضمن سياق عام تصاعدت فيه ظاهرة العنف في الشوارع والفضاءات العامة والخاصة ووسائل الإعلام”.

واعتبرت، في تصريح لـ”أصوات مغاربية”، أنه “رغم عدم وجود مبررات لكافة أنواع العنف إلا أن تفشي الظاهرة مرتبط بالضغوط المادية والاقتصادية والنفسية التي بات يواجهها المجتمع التونسي”.

وإلى جانب أهمية القوانين الرادعة لهذه الظاهرة، شددت بن بلقاسم على “ضرورة معالجة الخلافات بين الأزواج قبل الوصول إلى تراكمات، فضلا عن فهم الأسباب الاجتماعية المؤدية إلى المشاكل الأسرية التي تدفع النساء عادة ضريبتها”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى