سليمان العسكري والاستعمار
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

أجرى الزميل عادل بدوي (النهار الكويتية) مقابلة مطولة مع الأستاذ سليمان العسكري، في 26 أبريل 2023، تطرق فيها إلى شؤون وشجون كثيرة.

ما لفت نظري في المقابلة القيمة ما ذكره الأستاذ العسكري، الخبير التربوي، ومدير المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج، أن سبب تخلّف أنظمة التعليم في الخليج والدول العربية، والتي تعتمد على التلقين والتلقي من أعلى لأسفل و«رفض النقد»، إلى استمرار ثقافة الهيمنة العثمانية، التي احتلتنا حوالي 400 سنة، وبالرغم من تحررنا منها منذ أكثر من 100 عام، فإننا عشنا خلالها تحت الهيمنة الغربية المستعمرة، التي استغلت بدورها «الفكر السلفي» في مواجهة حركات التنوير وتطوير التعليم، لإبقاء بلادنا على جهلها وتخلفها، مؤكداً أنه لم تتكون في عالمنا العربي حتى الآن حركة عقلانية لبناء ثقافة جماهيرية تتخلّص من فكر الاستعمار، كاشفاً أن في الكويت قوى مجتمعية، من نواب وتكتلات مؤثرة سياسياً، تعارض تطوير التعليم، وتسعى إلى إبقاء الكويت على ما هي عليه لتعظيم مكاسبها. كما أن هناك، على الجانب الآخر، عصابات منظمة ومحترفة تستهدف طلابنا، تسعى إلى تدمير العملية التعليمية مقابل المال، معرباً عن دهشته من حجم الغش في التعليم، ومشدداً في الوقت ذاته على أنه يجب ألا نتهاون مع الغشاشين، وإلغاء كل امتحاناتهم وإعادتهم السنة الدراسية، وهذا يتطلب استقراراً وزارياً، وهو الغائب والمؤثر سلباً، ليس فقط في التعليم، بل في الإنجاز بأي مؤسسة، مشيراً إلى أن الدراسات كثيرة، ولكننا في حاجة إلى قرار وآلية تنفيذ سريع لوقف تدهور المنظومة التربوية!

***

لا أختلف مع أغلبية ما ورد في المقابلة، ولكن وضع اللوم على الاستعمار في تخلفنا التعليمي، في المئة سنة الماضية، فيه بعض التجنّي الذي ربما يحتاج إلى التوضيح!

فمعروف أنه تم إنشاء أولى الجامعات والمدارس والكليات في دولنا من قبل جهات أجنبية، خلال الفترة الاستعمارية من أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وأبرزها الجامعة الأميركية في بيروت (1866)، التي سعت إلى توفير تعليم حديث للطلاب في المنطقة. وأتت بعدها جامعة القاهرة (1908)، التي أسستها الحكومة «الاستعمارية» البريطانية في مصر، وكان هدفها في البداية يتركز على توفير التدريب للإدارة الاستعمارية، لكنها سرعان ما انفتحت على المجتمع.

كما أنشأت فرنسا في الجزائر شبكة من المدارس والكليات لتعزيز اللغة والثقافة الفرنسية بين السكان المحليين، وكان هدفها «فرنسة» التعليم.

ثم تأسست الجامعة الأميركية بالقاهرة (1919) من قبل المتبرع الأميركي تشارلز إيه واتسون لغرض نبيل!

ثم أتت بعدها الجامعة الوطنية السورية (1923)، وأسستها فرنسا لتدريب موظفي الخدمة المدنية الموالين للإدارة الفرنسية.

ثم الجامعة اللبنانية الأميركية (1924)، وجامعة بغداد التي تأسست عام 1956 بمساعدة أميركية، وكانت جميع هذه المؤسسات التعليمية محل معارضة من الأهالي، وبالذات من كبار رجال الدين، حتى وجود المطبعة في دولنا كان شبه ممنوع، ولأسباب عدة.

***

إن تطوير التعليم في العالم العربي لم يخل من التحديات، التي كانت غالباً بسببنا، مثل عدم كفاية ما كان يخصص لها من أموال، وعدم محاولة تعويض النقص في أعضاء هيئة التدريس المؤهلين. وساهم عدم الاستقرار السياسي والصراعات في أغلبية بلداننا في تعطيل حركة التعليم، وهذا أجبر الخبرات على الفرار من ديارهم.

ولا ننسى في هذه العجالة التطرق إلى حقيقة أن إنشاء المدرسة المباركية، الأولى في الجزيرة، تم بسعي وتمويل من الأهالي بعد رفض الحاكم الشيخ مبارك الصباح المساهمة في تمويلها.

كما كان للتوتر الدائم، منذ يومها وإلى اليوم، بين القيم التقليدية ومتطلبات التعليم والحياة الحديثة دور مدمر في تأخر التعليم.

زر الذهاب إلى الأعلى