بعد مذكرة الانتربول بحق حاكم مصرف لبنان… هل يمكن وقف التحقيق الفرنسي؟
النشرة الدولية –
لبنان 24 – هتاف دهام –
ينتظر أن يطرح عصر اليوم ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خلال اللقاء الوزاري التشاوري في السراي الحكومية، بعد تسلم لبنان الإشارة الحمراء من الانتربول بشأن سلامة، علما أن الحكومة ومنذ إصدار مذكرة الاعتقال لم تجتمع بعد لبحث هذا الملف.
وكان نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، دعا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للاستقالة الطوعية، انطلاقا من مبدأ أن اي شخص في أي دولة يتهم بارتكاب جرائم مالية مزعومة متعددة ، فيما هو في موقع مسؤولية حساس ومؤتمن على النظام المالي والنقدي في البلاد، ينبغي أن يتنحى فوراً، قائلاً: طالما ان ولايته تنتهي في أواخر تموز المقبل فمن الأفضل أن يستقيل طوعيا.
ويضيف :على الرغم من أن سلامة بريء حتى تثبت إدانته، الا ان الادعاءات تضع صدقية الحكومة في خطر وقد تهدد العلاقات المالية للبلاد مع بقية العالم، بما في ذلك مع صندوق النقد الدولي.
رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية بول مرقص يتحدث لـ”لبنان24″ عن المسار القانوني بعد مذكرة التوقيف بحق سلامة، ويقول: القاضية الفرنسية اود بوروزي كان لديها خياران: إما تكرار الدعوة إلى جلسة الإستماع أو التشدّد كما فعلت مستندةً الى المادة 695-22 والمادة 131 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الفرنسية الذي يتيح لها إصدار مذكرة توقيف إذا كان المطلوب موجوداً خارج فرنسا وإذا كان الفعل من الجرائم الكبرى. وهي بما لديها من سلطة تقديرية ونظرا لتخلفه عن الحضور بعد تعذر تبليغه على نحو غير مقنع، وربما أيضا لاعتبارها أنه عالم بحصول الجلسة، ذهبت إلى الخيار الثاني المتشدد.
امام ذلك هل ستسلّم السلطات اللبنانية سلامة إلى القضاء الفرنسي بعد مذكرة التوقيف الفرنسية؟
يؤكد مرقص أن لبنان شأنه شأن العديد من الدول لا يسلّم مواطنيه، وفق المادة /20/ من قانون العقوبات التي تنص على ما يلي: “تطبق الشريعة اللبنانية على كل لبناني, فاعلا كان أو محرضاً أو متدخلاً، أقدم خارج الأرض اللبنانية، على ارتكاب جناية أو جنحة تعاقب عليها الشريعة اللبناني. ويبقى الامر كذلك ولو فقد المدعى عليه أو اكتسب الجنسية اللبنانية بعد ارتكاب الجناية أو الجنحة.” بالإضافة إلى ما نصّت عليه المادة /30/ من القانون عينه لجهة الاسترداد: ” لا يسلم أحد الى دولة أجنبية، فيما خلا الحالات التي نصت عليها احكام هذا القانون، إلا أن يكون ذلك تطبيقاً لمعاهدة لها قوة القانون.”
ان مذكرة التوقيف لا تعني، كما يؤكد رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية حكماُ طلب الإسترداد الذي يحتاج الى اجراءات اضافية لم يتسلمها لبنان لتاريخه، والنيابة العامة اللبنانية هي من تقرّر التوقيف أو عدمه لاحقا لتسلم طلب الاسترداد وفقاُ لما نصّت عليه المادة /35/ من قانون العقوبات اللبناني التي جاء فيها: ” يحال طلب الاسترداد على النائب العام التمييزي الذي يتولى التحقيق حول توفر او عدم توفر الشروط القانونية وفي مدى ثبوت التهمة، ويمكنه ان يصدر مذكرة توقيف بحق الشخص المطلوب استرداده بعد استجوابه ثم يحيل الملف الى وزير العدل مشفوعا بتقريره. يبت بطلب الاسترداد بمرسوم يتخذ بناء على اقتراح وزير العدل.”
ليس من إتفاقية قضائية خاصة بين الدولة اللبنانية والدولة الفرنسية تنصّ صراحةً على التسليم والاسترداد، ولكن ذلك لا يمنع، بحسب مرقص، القضاء اللبناني بل يلزمه أن يفتح تحقيقاُ بنفسه في الجرائم الموجّهة إلى أحد المطلوبين من دولة أجنبية كالجرائم الموجّهة إلى سلامة، وصولاُ إلى إتخاذ التدابير القضائية اللازمة ولكن على الأقل داخل الإقليم اللبناني ووفق الشريعة اللبنانية.
وعليه، فإن المحاكمة في لبنان تبقى جائزة. كما يمكن لوكلاء الدفاع عن الحاكم طلب وقف التحقيق الفرنسي لعدم المحاكمة بالجريمة نفسها امام مرجعين قضائيين. ويمكن للقضاء اللبناني لا بل يجب عليه طلب الإطلاع على الملف من القضاء الفرنسي، يؤكد مرقص، مضيفاُ الحاكم غير مدّعى عليه لغاية تاريخه لكنه يتحوّل إلى متهم اذا لم يضبط بمقتضى مذكرة التوقيف وفق المادة 134 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الفرنسي.
وفي ما يتعلّق بالطعن بمذكّرة التوقيف الصادرة عن القضاء الفرنسي بحق سلامة، يقول مرقص: يجب أولاً النظر هل فعلا يمكن للحاكم الطعن بالمذكرة ودراسة حظوظ هذا الطعن في حال جوازه الذي يمكن أن يقدم أمام القضاء الفرنسي وليس الانتربول الذي ليس إلا جهازا اداريا وسيطا: فهل يستند الطعن على فرض جواز حصوله إلى المهل والأصول التي يمكن أن تكون قد تجاوزتها القاضية الفرنسية مثلاً؟ وهل يستند إلى أن الأفعال المنسوبة إلى الحاكم يوجد تحقيقات بشأنها في البلدين؟ يجب قبل ذلك تفحّص ما اذا كانت الأفعال هي نفسها المدعى بها في لبنان ولا زالت قيد النظر أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل ابي سمرا. هذا من جهة، ومن جهةً أخرى هل سيلجأ هذا الأخير إلى طلب تفعيل البند /25/ من المادة /46/ من اتفاقية مكافحة الفساد لعام 2003 الذي ينصّ على أنه: “يجوز للدولة الطرف متلقية الطلب أن ترجئ المساعدة القانونية المتبادلة بسبب تعارضها مع تحقيقات أو ملاحقات أو إجراءات قضائية جارية.” ألهذا السبب ربما شهدنا منذ نحو الستة أشهر تقريباٌ ادعاء من المحامي العام في لبنان وتفعيلاً للتحقيق اللبناني وربما يستفاد منه الآن للقول أنه هناك تحقيقا جاريا في لبنان؟
للحارس القضائي مهمة محدّدة في قرار تعيينه
في خضم ما يجري، تطرح الكثير من التساؤلات حول مآل الامور في البنك المركزي ومدى امكانية تعيين حارس قضائي لادارته؟
إن الحراسة القضائية، بحسب مرقص، هي إجراء قضائي وتدبير احترازي مؤقت تتمثل في إيداع ما قد يكون متنازع عليه من أموال منقولة أو غير منقولة في يد شخص ثالث. وقد تتخذ الحراسة القضائية شكل الإدارة الكلية أو الجزئية على الشيء موضوع الحراسة، وذلك وفقًا للمهمة التي تم إيلاؤها إلى الحارس القضائي، كما ويتطلب نجاح الحراسة القضائية أن تتم وفقًا لعناية إدارية ومالية ومحاسبية أصولية، وذلك صيانةً للمال وضماناً لحسن إدارته وحفظه. وسنداً للمادة /720/ من قانون الموجبات والعقود، يعهد في الحراسة الى شخص يتفق جميع ذوي الشأن على تعيينه، كما ويمكن أيضاً تعيينه من قبل القاضي الذي يمكنه أن يقرر تعيين حارس للشيء الذي يكون موضوع نزاع أو موضوع علاقات قانونية مشكوك فيها الى أن يزول النزاع أو الشك، أو يمكنه أن يعين حارسًا للشيء الذي يعرضه المديون لابراء ذمته.
وعليه، فإن تعيين حارس قضائي على مصرف لبنان بدلًا من الحاكم، قد ينظر اليه، كما يقول الدكتور مرقص، على أنه تعد من السلطة القضائية على سلطة وصلاحية مجلس الوزراء الذي يعود اليه تعيين حاكم لمصرف لبنان، فيجب على قدر المستطاع الاحتفاظ بفصل السلطات في النظام الديمقراطي، حيث يكون لكل سلطة دورها واختصاصها بحيث لا تتعدى أي سلطة على صلاحيات مكّرسة ومنصوص عليها في القانون لمصلحة سلطة أخرى، عملًا بمبدأ الفصل بين السلطات الذي نصّ عليه الدستور اللبناني. كما أن المصلحة العامة والوطنية تتطلب تعيين حاكم جدير لولاية ثابتة يمكنه إدارة ومعالجة الازمة النقدية وليس الحراسة فحسب، في موقع جوهري وحساس كمنصب حاكم لمصرف لبنان. وللحارس القضائي مهمة محدّدة في قرار تعيينه، أي أنه بمثابة مدير إداري مؤقت، ومن الصعب والمستبعد أن تشمل مهمته رسم السياسة النقدية للبلاد وفق ما تنص عليه المادة 70من قانون النقد والتسليف، كالحفاظ على سلامة النقد اللبناني وسلامة أوضاع النظام المصرفي، وغيرها من المهام التي تتطلب وجود حاكم بولاية كاملة مستقرة وذو خبرة وإمكانيات.الأمر الذي يعني أن الحارس القضائي مثلا يمكن أن يقوم مقام وجود الحاكم
لكن ماذا عن انتهاء ولاية سلامة؟
يقول رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية: لقد نصّت المادة /25/ من قانون النقد والتسليف على أنه: “يتولّى نائب الحاكم الأول مهامّ الحاكم ريثما يعيّن حاكم جديد”. كما تنصّ المادة /27/ من القانون عينه على أنه: “بحال غياب الحاكم او تعذر وجوده يحل محله نائب الحاكم الاول وبحال التعذر على الاول فنائب الحاكم الثاني وذلك وفقا للشروط التي يحددها الحاكم. وبإمكان الحاكم ان يفوض مجمل صلاحياته الى من حل محله.”أي أنه عند إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، يتولى النائب الأول للحاكم بالوكالة مهامه إلى حين تعيين بديل عن الحاكم.
في ظلّ وجود حكومة تصريف اعمال، هناك عقبة، وفق مرقص تكمن في مدى إمكانية اعتبار عملية تعيين حاكم للمصرف المركزي بمرسوم حكومي وبناءً على اقتراح وزير المالية من الأعمال التي تدخل ضمن نطاق صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، أو حتى تعيين الحاكم الحالي لولاية جديدة. ففي هذا السياق نصّت المادة /64/ من الدستور اللبناني على أنه: “…ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها او اعتبارها مستقيلة الا بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال”. وقد جاء في القرار الشهير الصادر عن مجلس شورى الدولة رقم /614/ لعام 1969 أنه في عداد الأعمال العادية التي يعود للحكومة المستقيلة اتخاذها. كما أنّ نطاق تصريف الأعمال يحدِّده القضاء الإداري، ويتحقق ما إذا كانت أعمالاً عادية يجوز اتخاذها أو أعمالاً تخرج عن نطاق تصريف الأعمال. وهذا الرأي الصادر عن مجلس شورى الدولة جاء قبل التعديلات الدستورية عام 1990، والتي ضيّقت المعنى لتصريف الأعمال.
رغم ذلك تبقى عملية تعيين الحاكم في هذه الظروف المالية العصيبة ضرورية جداً، يقول مرقص، لكن هناك اشكالية عملية تكمن في أن الحاكم الجديد قد لا تكون لديه الخبرة والمعرفة الكافية لتحملّ عبء تولّي هذا المنصب الحسّاس في هذا الظرف الاستثنائي.