لبنان ينجو من الرمادي ولن ينزلق إلى القائمة السوداء
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
لا ينقص لبنان الغارق في إحدى أشدّ الأزمات العالميّة حدّة، أن يقع في محظور المنطقة الرمادية، وما يستتبعها من تعقيدات في التحويلات عبر الحدود. لذلك اتجهت الأنظار إلى التصنيف الذي سيحوذه لبنان على لوائح كفاءة الإجراءات القانونيّة والتنفيذيّة، التي يتبعها في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك في الاجتماع العام لمجموعة العمل المالية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAFATF)، التي اختتمت أعمالها في البحرين. توقّعات كثيرة سبقت الإجتماع، وذهبت باتجاه السيناريو السلبي، منها ما نقلته رويترز عن “مصادر مطّلعة” رجّحت أن تدرج مجموعة العمل المالي (FATF) لبنان على لائحتها الرمادية، بسبب ما سمّته “ممارسات غير مرضية”.
مواقع إخبارية محليّة ذهبت أبعد من ذلك، لتؤكّد أنّ البلد بات بالفعل على القائمة الرمادية، وأنّه في طريقه إلى تلك السوداء، وراحت تتحدّث عن عزلة ماليّة دوليّة ومخاطر جمّة، إلى أنّ تحدثت المعلومات الأوليّة لمضمون توصيات المجموعة، عن منح لبنان “فترةَ سماح لمدّة سنة، بغية استكمال الاستجابة لمتطلبات ماليّة ونقديّة ومصرفيّة، لتفادي إدراجه على اللائحة الرمادية، بصفة دولة غير متعاونة في ميدان مكافحة تبييض الأموال”.
هذه النتيجة تخلق جوًا من الإرتياح في الأوساط المالية، ولكنها لا تعني أبدًا أنّنا تجاوزنا قطوع التصنيف، والمسار الذي يؤدي إلى الرمادي، في حال عدم معالجة نقاط الضعف في تتبُع الأموال المشبوهة ومكافحتها. لذا هناك رزمة من المتطلبات القانونية والإجرائية والإجراءات التصحيحيّة، يتوجب القيام بها، وإلّا ستعاود المجموعة اعتبار لبنان بلدًا غير متعاون في مكافحة غسل الأموال.
تهويل ليس في محله
رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية الدكتور منير راشد، خبير اقتصادي سابق في صندوق النقد الدولي في واشنطن وأستاذ محاضر في الجامعة الاميركية في بيروت لفت في حديث لـ “لبنان 24” إلى أنّ فترة السماح تعني أنّ المجموعة تتفهم أنّ البلد يمر في ظروف استثنائيّة، ماليّة وسياسيّة، وأنّه غير قادر على اتخاذ ما يتوجب عليه من إجراءات بظل الفراغ الرئاسي. بالتالي اخذت بالإعتبار وضع البلد على صعيد استحقاقاته الدستورية، لحين انتخاب رئيس وتأليف حكومة، في مسار مغاير للسابق.
واعتبر الدكتور راشد أنّ تصنيف لبنان على لوائح المجموعة ليس معزولًا عن المنحى السياسي، بمعنى اّنه يندرج في إطار الضغوط الدوليّة على البلد “خصوصًا أنّ المعطيات الماليّة في لبنان ليست جديدة، وكانت قائمة في السنوات السابقة. بأيّ حال حتّى لو تمّ وضع لبنان في القائمة الرمادية، ليس الأمر بالخطورة التي يتمّ تصويرها، فهناك دول في المنطقة صُنّفت في الإطار الرمادي، منها تركيا والإمارات والأردن ودول أخرى، ولن يشكّل ذلك أكثر من حذر في التعاملات الماليّة، ولا يعني أبدًا رفض البنوك المراسلة التعامل مع لبنان، إلّا في حالة إدراجه في القائمة السوداء، واستبعد وصول لبنان إلى هذه المرحلة، لأسباب عدّة، أبرزها أنّ 80% من اللبنانيين يتعاملون في إطار القوانين، يبقى هناك 20% خارج الرقابة، ولا يمكن معاقبة الجزء الأكبر بسبب ممارسات فئة الـ 20%. باعتقادي ستتريت المجموعة في أخذ إجراء من شأنه أن يزيد الوضع الإقتصادي والمالي تعقيدًا”.
الإقتصاد النقدي وغسل الأموال
يعزز الإقتصاد النقدي من احتمالات تبييض الأموال، كون العمليات الماليّة تحصل خارج رقابة المنظومة المصرفية. في الآونة الأخيرة تنامى إقتصاد الكاش في لبنان بنحو 9,9 مليارات دولار أو 45,7% من إجمالي الناتج المحلي، وفق تقديرات البنك الدولي، في تقريره الصادر قبل أسبوعين “لكن الإتجاه نحو التعامل النقدي لم يكن بهدف تبييض الأموال” يقول الدكتور راشد “بل هو نتيجة الواقع المالي وانعدام الثقة بالمصارف. من هنا لا يمكن اعتبار اقتصاد الكاش مؤشرًا على غسل الأموال، خصوصًا أنّ المجموعة الدولية على دراية بأنّ المتعاملين في قضايا “تبييض الأموال وتمويل الإرهاب”وفقًا لتصنيفاتهم الدوليّة، لديهم مؤسساتهم الماليّة الخاصة، وهي غير خاضعة لمصرف لبنان المركزي، وهم خارج المنظومة المصرفيّة اللبنانية”.
هيئة التحقيق: في التقرير إيجابيات وثغرات
هيئة التّحقيق الخاصّة في وحدة الإخبار الماليّ اللبنانية، التي شاركت في الإجتماع العام السادس والثلاثين لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المجموعة الإقليمية في البحرين، أصدرت بيانًا وضعت من خلاله حدًّا للأخبار والمعلومات المغلوطة، مفاده أنّ المجموعة ناقشت تقرير التقييم المتبادل للجمهورية اللبنانية، والذي وضع نتيجة عمليّة طويلة امتدّت 16 شهراً، واعتمدته وسوف يتمّ نشره في حزيران المقبل، وسوف يُحدّد التقرير الثغرات التي يجب معالجتها. كذلك، سيبيّن الجوانب الإيجابيّة في نظام مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب في لبنان. وأنّه يتوجب على لبنان اتّخاذ إجراءات تصحيحيّة لمعالجة الثّغرات المحدّدة، على أن يُقدم للمجموعة تقرير متابعة خلال العام 2024.
ما يجب فعله لتفادي التصنيفات السيئة
لتفادي اللائحة الرمادية يجب الإبتعاد عن الإقتصاد النقدي، والعودة إلى اعتماد البطاقات المصرفيّة والشكّات، كما في السابق، يلفت الدكتور راشد “وذلك يتطلب سلسلة من الإجراءات، في مقدّمها اولًا إلغاء اللولار وكافة أسعار الصرف والتوجه نحو التحرير الكامل لسعر الصرف، والعمل في الوقت نفسه على تحسين الوضع المالي، كي لا يضطر المركزي لطبع العملة، تحرير سعر الصرف من شأنه أن يعيد بناء الثقة بالإقتصاد. ثانيًا إلغاء تصنيف الودائع على أساس قبل وبعد 17 تشرين. ثالثًا إعادة جدولة الودائع والقروض وكافة الإلتزامات والديون والموجودات بالعملات الأجنبية وبالليرة. رابعًا الإقلاع عن تسويق فكرة شطب الودائع، والتأكيد أنّها مصانة وستعود لأصحابها، ليس بسقف 100 ألف بل جميعها، خصوصًا أنّ كلّ المصارف في العالم أجمع لا تملك الودائع نقدًا”.
وفق مقاربة راشد لا يجب انتظار التوصل إلى برنامج مع صندوق النقد للبدء بالإصلاحات، بل يجب المباشرة بهذه الخطوات التي تشكّل خارطة طريق للحل، بمعزل عن صندوق النقد “هذه النقاط الأربعة تسير بالتوزاي، ليأتي بعدها إصلاح القطاع العام، وغيره من الإجراءات الإصلاحية التي تقود البلد إلى التعافي”.