رامي عدوان من سفير للبنان فوق العادة لدى فرنسا إلى متهم بالاغتصاب
عين من خارج الملاك في السلك الخارجي بوزارة الخارجية والمغتربين
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
في حادثة هي الأولى التي تواجه الدبلوماسية اللبنانية كشف موقع “ميديا بارت” Mediapart الفرنسي في الثاني من يونيو (حزيران) الجاري عن تقدم شابتين بشكويين ضد سفير لبنان لدى باريس رامي عدوان تتهمانه بجرائم “اغتصاب” و”عنف” ضدهما، كما نقلت بعض وسائل الإعلام أن السفير اللبناني يخضع للتحقيق في قضية اغتصاب وعنف متعمد، وهو ما نفاه عدوان، كما المعلومات التي تتحدث عن اعتقاله في فرنسا، واصفاً ما نشر بأنه “هراء”.
وصنف موقع “ميديا بارت” الاستقصائي الفرنسي في تقريره ما حصل ضمن “العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي”، مضيفاً في العنوان بأن السفير اللبناني (47 سنة) الذي يشغل موقعه في باريس منذ عام 2017 “يفلت من العدالة بسبب حصانته”، إذ “تمنع حصانته محاكمته في فرنسا”، لكن تبعاً لما نقلت قناة “فرانس 24” فتحت النيابة العمومية تحقيقاً في هذا الشأن. وقال الوكيل القانوني للسفير المحامي كريم بيلوني إن موكله “ينفي كل اتهام بالاعتداء من أي نوع كان، سواء كان لفظياً أم أخلاقياً أم جنسياً”.
ودعت وزارة الخارجية الفرنسية نظيرتها اللبنانية إلى رفع الحصانة عن السفير عدوان، لتسهيل التحقيق الذي يطاوله بشبهة الاغتصاب وممارسات عنيفة متعمدة في حق موظفتين سابقتين في الممثلية الدبلوماسية اللبنانية في العاصمة الفرنسية. وأشارت وزارة الخارجية الفرنسية في تعليق لوكالة الصحافة الفرنسية إلى أنه “إزاء خطورة الوقائع المذكورة نعتبر أنه من الضروري أن ترفع السلطات اللبنانية الحصانة عن سفير لبنان لدى باريس، من أجل تسهيل عمل القضاء الفرنسي”.
عنف لفظي وجسدي
وتدعي إحدى الفتاتين وتدعى آفا (31 سنة)، أن كل شيء بدأ في صيف عام 2020، عندما توجهت إلى مركز شرطة الدائرة الخامسة في باريس في الـ26 من أغسطس (آب) ليلاً، وكانت تلك المرة الأولى التي تدخل فيها مركزاً للشرطة. في ذلك الوقت كانت أتمت ثلاث سنوات من العمل في السفارة اللبنانية في مكتب رامي عدوان، تقدمت آفا بشكوى بشأن المضايقات الأخلاقية والعنف المتعمد الذي مارسه ضدها مديرها، وفقاً لموقع “ميديا بارت”. وسردت لأحد أفراد قوات الشرطة ما حصل معها منذ وصول السفير إلى باريس في سبتمبر (أيلول) 2017، إذ تعرضت “لإهانات وإذلال وعنف جنسي ولفظي”.
وروت آفا عدداً من المواقف، أولها كان في أكتوبر (تشرين الأول) 2018، إذ ذكرت في شهادتها أنه “رماها بمنفضة سجائر” أمام موظفين آخرين. ثم في ربيع عام 2019 وجه إليها وأثناء وجودها في سيارته “صفعات قوية على ساقيها” لأنها تجرأت بالتحدث إلى السائق أثناء إجرائه اتصالاً هاتفياً، لكن السفير عدوان نفى هذه الاتهامات وقال إنه “لم يتطاول بيده أبداً” على الشابة، واستنكر “التهم التي لا أساس لها”. كما أشار إلى أن علاقتهما “انتهت في جو مشحون للغاية”، مؤكداً أن الشابة “تحاول استخدام علاقتهما لتعزيز مكانتها داخل السفارة”، وتصاعد العنف أكثر أواخر شهر أغسطس 2020. وبحسب ما روت الشابة أنه بعد شجبها أفعاله أخذ السفير حقيبة يدها، وقبل أن يرمي أغراضها من النافذة أمسكت هاتفه وهددته بإلقائه من النافذة أيضاً. وقالت للشرطي “جعله ذلك غاضباً مني كل الغضب، ركلني مرتين في ركبتي، وأمسك بمعصمي ودفعني باتجاه النافذة، بعد ذلك أخذ عدوان كرة رخامية كانت بمثابة ثقالة ورق في يده اليمنى وضربني على رأسي”. وأضافت “أصبت بالصدمة وأردت أن أتقيأ”، وذكرت أنها ذهبت إلى غرفة الطوارئ في مستشفى “أوتيل ديو” في باريس، حيث أصدر لها طبيب شهادة تفيد بوجود آثار ضرب وأضافتها إلى الملف، وبعد تسجيل محضر الشكوى عادت للعمل بعد بضعة أيام. وفي مقابل هذه الادعاءات قدم السفير وقائع مختلفة تماماً، قائلاً “لقد غضبت مني لسبب لا أعرفه وبدأت بالصراخ ورمت أشيائي التي كانت على مكتبي، بما فيها هاتفي بعدما أمسكت به، ثم صاحت في وجهي وهددتني، فاضطررت إلى الانصياع لرغبتها وغادرت. كنا نتشاجر فعلاً وكان هناك صياح وحركات مفاجئة، ولكن كل ذلك حدث من دون ضربها أو رميها بأي شيء”.
وفي نيسان (أبريل) 2021 أخطرت آفا السفير أنها ستترك منصبها، وبدت مصممة على تقديم شكوى تتهمه فيها باغتصابها في الطابق العلوي من السفارة، في الشقة الخاصة بالسفير في مايو (أيار) 2020. ووفقاً لموقع “ميديا بارت” فإن الموظفة زودت الشرطة برسائل من تطبيق “واتساب” متهمة السفير صراحة باغتصابها، لكن السفير عدوان قال إن العلاقة كانت “بالتراضي”، وأضاف أن “شكوى الاغتصاب هذه التي تأتي بعد أكثر من عامين من الوقائع تدفع للتشكيك بصدقيتها”.
المدعية اللبنانية الفرنسية غابرييل
كذلك ادعت الفتاة الثانية وتدعى غابرييل (28 سنة) أنها كانت ضحية للعنف الجسدي، ففي إحدى الأمسيات من شهر مايو 2022 وبعد حفلة الـ”بوليتكنيك” في أوبرا باريس صفعها عدوان مرات عدة. وتظهر الصور في التحقيق القضائي الذي فتحه مكتب المدعي العام في باريس تعرض وجهها لخدوش وانتفاخ على مستوى الشفة والأنف، ولدى سؤالها عن سبب عدم تقدمها بشكوى؟ أجابت: “لم أجرؤ على ذلك لقد أحببته كثيراً”، وتحدثت غابرييل عن علاقات جنسية غير رضائية وعن عنف. وتضيف أنه في شهر سبتمبر 2022، عندما كانت ترافق السفير إلى “منتدى السلام” في كاين (كالفادوس) غرب فرنسا، وبعد الغداء “أجبرني على ركوب سيارته وضربني على رأسي بعدما رفضت ممارسة الجنس”. واتهمت السفير بمحاولة قتلها عندما غادرت السيارة، وقوله لها “هل تريدين المغادرة؟ سأقتلك”، قبل أن يرجع بالسيارة باتجاهها. وقالت للمحققين “كنت أرى السيارة تصطدم بي، ومرت العجلات فوق قدمي، عندها سقطت”. لكن السفير قدم رواية أخرى فقال إن “السيارة انزلقت، لم أحاول قط دهسها ولم تصطدم بها السيارة، بل قالت إن قدميها تأذيتا عندما انزلقت، لذلك رافقتها في الأيام التالية إلى اختصاصي الأشعة لإجراء الفحوص اللازمة”. واتهمت السفير أيضاً بمحاولة خنقها في منزلها (وكان في حال سكر شديد)، بإقحام وجهها في السرير، بحيث لم تعد قادرة على التنفس، بعد رفضها ممارسة الجنس معه نهاية ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه.
وزارة الخارجية اللبنانية تتحرك
وكان عدوان نفى خبر اعتقاله الذي ورد في وسائل الإعلام وفي حديث لصحيفة “لوريان لوجور” اللبنانية، وصرح “لم يقبض علي، ولا أعرف من ينشر مثل هذا الهراء”. بدورها أعلنت وزارة الخارجية اللبنانية في بيان أنها سترسل فريق تحقيق إلى باريس على خلفية الشبهات التي تحوم حول السفير عدوان، وتضمن البيان أنه “تقرر استعجال إيفاد لجنة تحقيق برئاسة الأمين العام للوزارة وعضوية مدير التفتيش إلى السفارة في باريس للتحقيق مع السفير المعني والاستماع إلى إفادات موظفي السفارة من دبلوماسيين وإداريين”. وتابع البيان أن اللجنة ستقابل “من يلزم من الجهات الرسمية الفرنسية لاستيضاحها عما نقل عنها في وسائل الإعلام ولم تتبلغه وزارة الخارجية اللبنانية عبر القنوات الدبلوماسية أصولاً”. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر دبلوماسي تأكيده أن “السلطات الفرنسية ستطلب اليوم الإثنين رفع الحصانة عن سفير لبنان لدى باريس الذي يستهدفه تحقيق بشبهة الاغتصاب والعنف المتعمد”، وسئل المصدر عن إمكان رفع الحصانة عن السفير عدوان، فأكد أن “ثمة خطوات في هذا المنحى سيتم اتخاذها خلال اليوم”.
ليست التجاوزات الأولى للسفير عدوان
في عام 2017 وفي عهد الرئيس السابق ميشال عون، حين كان النائب جبران باسيل على رأس وزارة الخارجية في ذلك الوقت، صدر مرسوم التشكيلات الدبلوماسية وعين وبحسب المرسوم “السيد رامي خليل عدوان سفيراً فوق العادة مطلق الصلاحية لدى الجمهورية الفرنسية”. وأثار تعيينه حينها عاصفة من الاستنكارات، بسبب كون عدوان دبلوماسياً من الفئة الثالثة، فجرى تهريب قرار ترقيته إلى الفئة الثانية في مجلس الوزراء، وأيضاً “عين من خارج الملاك في السلك الخارجي في وزارة الخارجية والمغتربين”، وكان في حقه دعوى لم يبت بها، تقدم بها سفير لبنان السابق لدى هولندا زيدان الصغير، تتعلق “بسلوك الموظف (حينها) في السفارة اللبنانية في هولندا رامي عدوان، الذي كان على علاقة سيئة مع الجالية اللبنانية في هولندا”. وتضمن التقرير وقائع سلبية عن سلوك عدوان في هولندا، وطريقة تعامله مع زملائه في السفارة والأسلوب الذي كان يتحدث به، كما وقائع عن أعمال يصل بعضها إلى حد توصيفها على أنها “أعمالاً مشينة”. وبحسب ما ذكرت وسائل إعلام لبنانية فإن “صداقة ومصالح تجمع بين باسيل وعدوان، بخاصة أن الأخير زامل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في المدرسة الوطنية للإدارة حين كان يدرس هناك”.
في شهر أبريل من عام 2018 ظهر عدوان يرقص طرباً وبنشاط على أنغام الموسيقى الشرقية، ضارباً على “الدف” بمهارة، في حفل “باريسي” صاخب، ضارباً بالأعراف المتبعة في تولي المسؤوليات الرسمية والدبلوماسية عرض الحائط.
وفي شهر يونيو (حزيران) 2022 وإثر قرار وزير الداخلية بسام مولوي بمنع احتفالات واجتماعات ولقاءات مجتمع “الميم”، استنكر ناشطون لبنانيون في باريس الأمر، وتوجهت مجموعة منهم إلى مقري السفارة والقنصلية في العاصمة الفرنسية لتعليق ملصقات عبروا من خلالها عن “تضامنهم مع حقوق المثليين في لبنان، ورفضهم جميع أشكال التمييز الممارسة في حقهم”. وعند انتهائهم من تعليق الملصقات قصد أفراد المجموعة أحد المقاهي المجاورة لمبنى السفارة، وما لبثوا أن شاهدوا أشخاصاً يزيلون الملصقات فحاولوا تصويرهم، ليتبين أنهم من موظفي السفارة يرافقهم السفير عدوان، الذي ما إن لمح محاولة التصوير حتى توجه إلى الجالسين في المقهى وتهجم عليهم. ووفقاً لما أدلى به ناشطون إلى وسائل الإعلام خاطبهم السفير بصورة غير لائقة، وكان فاقداً لأعصابه ويصرخ من دون مبرر، على حد تعبيرهم. وقالت الناشطة التي حاولت تصوير عملية إزالة الملصقات، إن عدوان أمسكها ثلاث مرات وبعنف من كتفها تحت حجة دعوة المجموعة إلى داخل السفارة “للحديث”، مدعياً “وقوفه مع حقوق المثليين”. لكن الناشطة أشارت إلى أنها لم تكن “دعوة” ودية، “فنبرة صوته وتصرفاته كانت أشبه ما تكون بمحاولة إجبارهم على مرافقته بالقوة، تماماً كما تتصرف الأجهزة الأمنية القمعية”، على حد تعبيرها. وبلغ التوتر مداه حين خاطب أحد الناشطين السفير قائلاً: “السفارة تمثل الطبقة السياسية”، وهنا لم يتردد عدوان في شتمه وقال “السفارة تمثلك قبل الآخرين، هذه السفارة التي لا تعرفها، تأتي أنت لتوسخها بملصقاتك أيها العفن”.