عندما يصبح الفستان أقوى من ألف كلمة

الرسائل السياسية والاجتماعية في إطلالات المشاهير أصبحت عادة في كل حدث يتابعه الملايين حول العالم

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية – كارين اليان ضاهر  –

طوال العقود الماضية استخدمت الموضة للتعبير عن ميول وطنية أو انتماء سياسي أو لنقل رسائل اجتماعية وثقافية وبيئية. شكلت الموضة بتصاميمها وسيلة يمكن الاعتماد عليها لتسليط الضوء على قضايا ليس سهلاً إحداث تغيير فيها عبر تصريح أو موقف. فعلى رغم أن المصممين لا يعلنون بصراحة ووضوح عن مواقفهم من قضايا معينة خصوصاً في ما له علاقة بالسياسة، فإنهم لا يترددون في استخدام تصاميمهم لنقل رسائل مبطنة حول قضايا معينة، أو حتى للتعبير من خلالها بوضوح عن آرائهم. قد تترك الرسائل التي تنقلها الأزياء أثراً، ولو كان غير مباشر في هذا العالم، خصوصاً عندما تثار ضجة حولها في المهرجانات الكبرى والحفلات التي يشارك فيها المشاهير وتسلط الأضواء فيها على إطلالاتهم.

 وقد يكون مبدأ الاستدامة والحفاظ على البيئة من أبرز المبادئ التي تركز عليها الموضة في السنوات الأخيرة، بعد أن برزت الموضة المستدامة كبديل في التصنيع واقتناء الملابس بأسلوب صديق للبيئة وبالابتعاد عن منتجات الموضة السريعة عبر معايير كطريقة التصنيع ونوع القماش والمواد المستخدمة. تعددت طرق نشر الوعي في هذا المجال من خلال الإطلالات وعلى المنصات، إنما أيضاً برزت قضايا اجتماعية وسياسية عديدة سلطت الأضواء عليها بهذا الشكل عبر تصاميم حملت رسائل هادفة، ابتكرها مصممون واعتمدها مشاهير ومؤثرون في مهرجانات ومناسبات، علها تلعب دوراً تغييرياً. 

في النسخة السادسة والسبعين من مهرجان كان للأفلام السينمائية لعام 2023، أطلت العارضة الإيرانية مهلاغا جابري على السجادة الحمراء بتصميم، الهدف منه تسجيل اعتراض على عمليات الإعدام المتزايدة في إيران. أثيرت ضجة حول تصميمها وسلطت الأضواء عليه لما فيه من جرأة، خصوصاً أن التعليقات السياسية والتصريحات لا تعتبر مسموحة في مهرجان كان. حتى إن المنظمين حاولوا منع تصويره من الخلف حتى لا يظهر حبل المشنقة واضحاً، وفق ما صرحت. إلا أنها استطاعت لفت الأنظار إلى التصميم الذي اعتمدته، وحكماً إلى القضية التي أرادت طرحها من خلاله عندما قامت بهذا الاختيار الجريء الذي اعتبر بمثابة بيان صارخ، فأحدث جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.

علماً أن إيران تعتبر ثاني الدول في العالم بعد الصين تنفيذاً لأحكام الإعدام، بحسب منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات غير الحكومية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان. وكانت الإعدامات قد زادت أخيراً بوتيرة متسارعة بعد موجة الاحتجاجات التي انطلقت على أثر وفاة مهسا أميني. وكان تصميم جابري عبارة عن فستان أسود يربط على العنق بما يشبه حبل المشنقة، كما حمل الفستان من الأسفل عبارة “أوقفوا الإعدامات”.

تعددت المواقف التوعوية وتصريحات المصممين والمشاهير عبر تصاميمهم. فإذا بدا للبعض أن الموضة والسياسة لا تلتقيان، في الواقع كثرت المواقف التي أكدت الرابط الوثيق بينهما وعلى أن الموضة يمكن أن تلعب دوراً مهماً في التعبير عن مواقف سياسية معينة، فقد تساعد التصاميم على رفع الصوت وإيصال رسالة بمزيد من الفاعلية دعماً لقضية معينة، أياً كان نوعها.

سياسيات ونجمات أميركيات

من الإطلالات اللافتة ذات الخلفية السياسية، تلك التي اختارتها بيونسيه في عام 2016 في حفل Super Bowl. أرادت من خلالها تكريم حزب الفهود السود، الحزب الثوري للأميركيين السود والذي اعتمد أعضاؤه قبعة البيريه مع زيهم الرسمي الشهير. وغالباً ما تكون المهرجانات من المناسبات التي يستغلها المشاهير أو المصممون للتعبير عن مواقفهم في مختلف المجالات، وإن كانت السياسة تأخذ حيزاً مهماً من المواقف التي يعبرون عنها من خلال الموضة. ويعتبر مهرجان MetGala من المناسبات التي تتكثف فيها الرسائل حول قضايا معينة، خصوصاً أن المجال يكون مفتوحاً للتعبير بحرية من النواحي كافة. حتى إنه شكل مناسبة لسياسيين أحياناً للإدلاء بتصريحات من خلال تصاميمهم، كما حصل عندما أطلت عضو الكونغرس الأميركي كارولين مالوني في عام 2019 بتصميم تؤكد فيه المساواة بين الجنسين من خلال عبارات كتبت عليه بشكل متكرر. أرادت بذلك استخدام الموضة كقوة من أجل التغيير والمطالبة بحقوق المرأة والمساواة بينها وبين الرجل.

ومن التصاميم التي أثيرت ضجة حولها في Met Gala لعام 2021، ذاك الذي أطلت فيه النائبة الأميركية الديمقراطية ألكسندرا أوكاسيو كورتيز. ارتدت آنذاك تصميماً أبيض كتبت عليه عبارة “افرضوا ضريبة على الأثرياء” باللون الأحمر، لتنقل رسالة سياسية في أول ظهور لها في الحفل مستغلة عنوانه للعام “الاستقلال الأميركي”، ولتجدد الرسالة التي كانت قد نقلتها عبر “تويتر”. وفي حفل ميتروبوليتان السنوي لعام 2022 أرادت سارة جيسيكا باركر أن توجه تحية إلى أول مصممة أزياء سوداء البشرة دخلت البيت الأبيض وهي إليزابيث هوبس كيكلي في أواخر القرن التاسع عشر، فارتدت تصميماً باللون الأسود والأبيض في حفل Met Gala لعام 2022، هذا فيما أطلت هيلاري كلينتون بفستان حمل اسم 60 امرأة ألهمتها. وفيما اعتمد المشاهير أحياناً على إطلالاتهم للتعبير عن آرائهم، نقلت تصاميم البعض تفاصيل تتعلق بحياتهم الخاصة كما فعلت جوليا روبرتس في العرض الأول لفيلمها Ticket To Paradise حين أطلت بفستان أسود تزين برسومات وأحرف رمزت إلى حبها الكبير لعائلتها. فحمل الأحرف الأولى من اسمها واسم زوجها وأسماء أولادها وتواريخ ميلادهم. وفي حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 2020، اعتمدت الممثلة ناتالي بورتمان إطلالة اعتبرت جريئة على السجادة الحمراء. فارتدت عباءة سوداء طرزت عليها أسماء مخرجات عدة لم يرشحن ظلماً لجوائز الأوسكار لعام 2020، تقديراً منها لأعمال هؤلاء المخرجات.

تمكين المرأة

حقوق المرأة وتمكينها من القضايا التي تبناها كثر من المصممين والمشاهير في إطلالاتهم. وغالباً ما حملت التصاميم، سواء كانت خاصة بمناسبة معينة أو من تلك العملية والمريحة في إطلالات يومية، عبارات تهدف إلى تمكين المرأة وتطالب بالمساواة بينها وبين الرجل. وينطبق ذلك على القضايا المتعلقة بالبيئة، فمع ترسيخ مبدأ الموضة المستدامة في السنوات الأخيرة، تزايد الاهتمام بها وكانت هناك مساع جدية لتسليط الأضواء عليها، بطريقة تصنيع التصاميم والمواد المستخدمة فيها الصديقة للبيئة، أو حتى من خلال رسائل أيضاً نقلتها هذه التصاميم. إنما أيضاً كانت لكثير من المشاهير طريقة خاصة في دعم مبدأ الاستدامة عبر اعتماد الإطلالة ذاتها في مناسبات عدة. فاعتبرت خطوة جريئة من الممثلة كيت بلانشيت أن تعتمد إطلالة كانت قد ارتدتها قبل خمس سنوات في عام 2023 عمداً. فكان هدفها توجيه رسالة لدعم مبدأ الاستدامة في عالم الموضة حفاظاً على الموارد الطبيعية وعلى كوكب الأرض.

حتى إن الإطلالات التي تبدو غريبة أحياناً في مناسبات معينة، تحمل في الواقع رسائل مبطنة يسعى المشاهير إلى إيصالها بطريقة غير مباشرة عبر أزيائهم، وذلك من دون التصريح علناً أو التفوه بكلمة. ينجحون بذلك في إثارة ضجة حولها وفي إيصال الرسالة التي يرغبون بنقلها.

رسائل على المنصات أيضاً

كثير من المصممين استغلوا العروض التي قدموها لينقلوا أيضاً رسائل معينة في قضايا تهمهم. وفي كثير من الأحيان كان “التي شيرت” غالباً من القطع المستخدمة لتحمل عبارات معينة تسلط الضوء على قضية معينة، مثل “تي شيرت” الذي حمل عبارة “جميعنا بشر” للمطالبة بالوحدة والمساواة في أحد العروض، وتي شيرت في أحد العروض للمطالبة بالمساواة بين الناس بغض النظر عن عوامل كالمظهر والعرق والانتماء، كما ظهرت الدعوة إلى قبول الآخر والشمولية من خلال قمصان “أحب الكل” في أحد العروض أيضاً. وفي عرض Tommy Hilfiger أطلت العارضات مع أوشحة بيضاء نسوية تدعو إلى المساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين الجنسين، كما كانت لدار ديور تصريحات مماثلة من خلال تصاميمها مع “تي شيرت” طبعت عليه عبارة “يجب أن نكون كلنا نسويين” و”ثورة ديور” لمكافحة الفقر والظلم وانعدام المساواة في العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى