السودنة بالسودان والمسودن بالعراق!
بقلم: سعد بن طفلة العجمي

تفاصيل كثيرة حول القتال وأسباب اندلاعه لكن مختصرها وجوهرها في وجود جيشين بدولة واحدة

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

ثمة مصطلحات أبدعت أدبياتنا العربية السياسية باختلاقها وابتداعها، اللبننة والأفغنة والصوملة إلخ. واليوم دخل مصطلح جديد عمره شهران تقريباً اسمه “السودنة” بعد أن اندلعت حرب تدمير السودان الحالية في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي.

تدمير عشوائي وفوضى وقتال واقتتال لا يستثني المواطنين والبيوت والمؤسسات وحتى المدارس والمستشفيات، قتل ونهب وسلب واغتصاب وتهجير ونزوح جماعي للسكان.

تقدر بعض المصادر عدد النازحين والمهجرين حتى الآن بمليون إنسان منكوب، ناهيك عن مليوني نازح من جمهورية جنوب السودان الذين وجدوا أنفسهم “كالمستجير من الرمضاء بالنار”، وتجتاح هذا البلد المنكوب فوضى عارمة دفعت حتى الهلال الأحمر السوداني إلى إطلاق صرخة يائسة من عدم قدرته على نقل الجثث ودفنها في مقابر جماعية.

وبانهيار المباحثات بين الطرفين المتقاتلين في جدة برعاية سعودية وأميركية وإعلان “الحكومة السودانية” أن مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس شخص غير مرغوب فيه، يكون السودان دخل في ليل طويل حالك الظلام ودمار لن يبقي ولن يذر.

تفاصيل كثيرة حول القتال وأسباب اندلاعه في السودان، لكن مختصرها وجوهرها في وجود جيشين بدولة واحدة، فقوات الدعم السريع التي يقودها “حميدتي” ليست ميليشيات أو فصيل حربي أو قوات خاصة تابعة للقوات المسلحة، بل هي جيش بالمعنى الحرفي والعسكري لكلمة “جيش”، فهو مدجج بجميع أنواع الأسلحة التي ربما لا يمتلك بعضها الجيش السوداني نفسه.

قد أوجد هذا الجيش النظام السابق للرئيس المخلوع عمر البشير الذي حكم السودان بانقلاب عسكري على حكومة الصادق المهدي المنتخبة عام 1989 بمعاونة “الكيزان”، أي الإخوان المسلمين، كما يسمونهم في السودان، وبقي يحكم السودان بالحديد والنار حتى أطاحته ثورة شعبية عام 2019. إن وجود جيشين في بلد واحد يعني حتمية الصراع والصدام عاجلاً أم آجلاً، وهو ما جرى ويجري في السودان اليوم.

يحذر مراقبون من أن ما يجري في السودان يمكن له أن يتكرر في بلدان عربية أخرى، فليبيا بلد بجيوش متعددة واليمن بجيشين أحدهما رسمي والآخر حوثي انقلابي وفي لبنان جيش لبناني وميليشيات “حزب الله” التي يقول أمينها العام حسن نصرالله إنه يستطيع أن يجيش 100 ألف مقاتل ضد إسرائيل، لكنه الآن مشغول بحرب سوريا الأهلية التي توغل فيها من دون الرجوع إلى الدولة اللبنانية، وها هو “حزب الله” يعطل انتخاب رئيس لبناني بالبرلمان على مدى 12 جلسة فاشلة.

لعل أكثر الدول العربية انزلاقاً للسودنة هي جمهورية العراق، فمنذ سقوط ديكتاتورية صدام حسين عام 2003 وهذا البلد المنكوب يدخل من حرب داخلية إلى أخرى، ومن اقتتال إلى آخر، ومن جيش إلى حشد شعبي تتماوجه المصالح والارتباطات، يتشكل من فصائل عدة بينها “ما صنع الحداد” تقتتل على خيرات البلاد وثروات العباد، والجيش العراقي موزع الولاءات كذلك، والخوف كل الخوف من أن تصطدم مصالح قادة فصائل الحشد وتصل إلى طريق مسدود يؤدي إلى مزيد من الاقتتال بينها.

صحيح أن إيران تلعب دوراً فاعلاً وحاسماً في “ترتيب البيت الشيعي”، لكن الأصح هو أن الشيعة وليس فصائل الحشد الشيعية، في ضجر وضيق وعداء دموي مع هذه الفصائل التي تتحكم بالشيعة اليوم وتسومهم الخسف وتمتص خيرات العراق جهاراً نهاراً.

وفوق هذا وذاك، يطلق قادتها التصريحات النارية والتهديدات الميكروفونية ضد دول الجوار من دون أدنى مراعاة للدولة وعلاقاتها ومصالحها.

ينتشر مصطلح “السودنة” اليوم بأدبياتنا ولغتنا السياسية في إشارة إلى ثنائية الجيوش في البلد الواحد، مما يعني اصطدامهما الحتمي الدامي، وهو سيناريو سيكون أكثر دموية وفوضوية في العراق الذي تتحكم به فصائل وجيوش مجيشة بعضها يقوده “مسودنون” يقول أحد أشهرهم في خطبة عصماء إن الموساد الإسرائيلي وراء اغتيال علي بن أبي طالب! و”المسودن” باللهجة العراقية لا تعني “السودنة” التي اشتقت من دموية السودان اليوم، لكنها تعني المعتوه الأهبل المجنون، ولعلها مشتقة من مرض السويداء النفسي الذي يؤدي إلى الجنون، وما بين “سودنة” السودان و”مسودنين” العراق، تكون الكوارث والمآسي ضد الأبرياء العزل.

زر الذهاب إلى الأعلى