السعودية وإيران: السلام البارد بالتعاون الدافئ
بقلم: سعد بن طفلة العجمي
هل تتخلى طهران عن خطاب وسياسة تصدير الثورة من أجل المصالح المشتركة مع جيرانها الخليجيين؟
النشرة الدولية –
يجمع مراقبون على أن السعودية تنتهج سياسة تنشد استقرار المنطقة التي ابتليت بحرب تلو حرب، فما تكاد حرب أن تضع أوزارها في منطقتنا حتى تندلع حرب أخرى تكون أكثر دماراً ودموية، ولنا في الحرب المفاجئة المدمرة العبثية في السودان والتي تدور رحاها منذ أكثر من شهرين دليل واضح، فقد صحا جنرالان على صدريهما كثير من الأوسمة يوم الـ 15 من أبريل (نيسان) الماضي، وقرر كل منهما أن يتغدى بالآخر قبل أن يتعشى به، واشتعل الحريق فاحترق العباد والبلاد.
تستمر جهود حثيثة تقودها السعودية لحقن دماء البشر في هذا البلد المنكوب، وتدخل البلاد هدنة تلو أخرى مليئة بثقوب الاختراقات والاتهامات المتبادلة بين الطرفين بارتكابها.
قام وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان السبت الماضي بزيارة تاريخية إلى طهران هي الأولى منذ عقد من الزمن، والزيارة في ظاهرها ناجحة دبلوماسياً، مصافحات ومجاملات وتصريحات متفائلة بمستقبل أفضل بالعلاقات بين البلدين الجارين والقوتين الإقليميتين، واتفاق على عودة العلاقات رسمياً وفتح السفارات وتبادل الزيارات وترتيب لأفواج الحجاج الإيرانيين، وحديث عن تنسيق أمني مشترك لضبط الحدود والممرات المائية والحد من تهريب المخدرات، وبدء صفحة جديدة من العلاقات تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي منهما.
وكانت المحادثات بين البلدين انطلقت من بغداد ومرت بالعاصمة العُمانية مسقط، ثم توجت باتفاق بين الطرفين برعاية صينية تم توقيعه في بكين مارس (آذار) الماضي.
تقول المصادر إن الصينيين كانوا حاضرين بجميع مراحل ترميم العلاقات بما في ذلك وجودهم خلف الأبواب بمحادثات طهران السبت الماضي، ولم تتسرب تفاصيل عن الاتفاق السعودي – الإيراني، لكن المعلومات تقول إن الصينيين مهتمون بأن تنجح وساطتهم التاريخية، لأن لهم مصلحة في استقرار المنطقة.
وتقول المعلومات إن الصين اشترطت التمرحل بالاتفاق وعدم الانتقال إلى مرحلة تالية حتى يثبت الطرفان التزامهما بالمرحلة التي سبقتها.
كثير من المتابعين يرون أن التفاهمات السعودية- الإيرانية والتعاون بين دول الإقليم بمجالات الاقتصاد والتجارة ستعود على شعوب المنطقة بالخير والازدهار، وقد كان هذا موقف أهم أصدقاء دول الخليج العربي، أي الولايات المتحدة الأميركية، منذ أكثر من عقد من الزمان، وخصوصاً في عهد الإدارات الديمقراطية، ففي مارس عام 2016 قال الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما خلال مقابلة صحافية ما نصه (وأقتبس مترجماً): “إن التنافس السعودي – الإيراني الذي يغذي الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن يتطلب منّا أن نقول لأصدقائنا وللإيرانيين كذلك أن عليهم أن يجدوا طريقة ناجعة لاقتسام المنطقة، وأن يؤسسوا لنوع من السلام البارد”، وهذا منطق مرفوض، فالاقتسام لا يكون على حساب شعوب ودول مستقلة، ربما لا تؤمن إيران “الثورية” باستقلالها، لكن السعودية وباقي دول الخليج ترى أن العراق وسوريا ولبنان واليمن دول عربية مستقلة لا شأن لأحد بالتدخل فيها أو اقتسامها مع أحد.
وعلى رغم التفاؤل الدبلوماسي والإعلامي لهذه التطورات التي إن استقرت فستأتي بالخير والاستقرار للمنطقة برمتها، إلا أن هناك تساؤلاً كبيراً حول كيف يمكن للنهج التنموي المصلحي السعودي أن يتماهى مع النهج الأيديولوجي الإيراني؟ وكيف لمن يريد تصدير مشاريع واستثمارات التنمية في المنطقة أن يتوافق مع من يريد تصدير الثورة للمنطقة برمتها؟ بل كيف لمن يؤمن بعلاقات حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الآخرين أن ينسق مع من جند الجيوش الطائفية في العراق ولبنان وسوريا واليمن؟
هذه التساؤلات هي بيت القصيد في نجاح أية توافقات وتفاهمات مستقبلية بين إيران والسعودية، وبالتالي مع كل دول الخليج العربية، وهي البوصلة التي ستحدد حسن النيات بين الطرفين، فهل تتخلى إيران عن خطاب وسياسة تصدير الثورة من أجل المصالح المشتركة بينها وبين جيرانها الخليجيين العرب؟ أم أنها ستناور مرحلياً وتمارس “التقية” السياسية حتى تخفف عزلتها الدولية وتقلل خسائرها الاقتصادية نتيجة الحصار الدولي عليها؟