ماذا تعني تخفيضات النفط الإضافية؟
بقلم: أنس بن فيصل الحجي
برهنت المؤشرات على أن رؤية السعودية في شأن انخفاض الطلب كانت صائبة
النشرة الدولية –
أعلنت السعودية أمس تمديد الخفض الطوعي للنفط البالغ قدره مليون برميل يومياً إلى أغسطس (آب)، على أن تقرر لاحقاً ما إذا كانت ستستمر بالخفض أم لا، كما أعلنت روسيا أنها ستخفض صادراتها طوعاً بمقدار 500 ألف برميل يومياً خلال أغسطس، بينما أعلنت الجزائر تضامنها مع الدولتين بخفض طوعي قدره 20 ألف برميل يومياً.
الأسعار ارتفعت بعد انتشار هذه الأخبار، ثم انخفضت، ثم ارتفعت، وعند كتابة هذه المقالة كانت منخفضة بنحو 40 سنتاً للبرميل. هذا الانخفاض أثار تساؤلات عديدة من فئات متعددة من الناس: كيف تعلن مثل هذه التخفيضات الكبيرة وتنخفض الأسعار؟ وبما أن هذا الإعلان جاء قبل إعلان “أرامكو” لأسعارها للشهر المقبل بيومين، فماذا سيكون قرار أرامكو؟ هل تخفض أم ترفع أم تبقي الأسعار على حالها؟
إجابة السؤال الأول مرتبطة بتأطير الموضوع:
من يقول بفشل السياسات النفطية السعودية لا يدرك أنه يؤيد الموقف السعودي من دون أن يدري: التخفيضات السعودية خلال الأشهر الأخيرة تؤيد موقفها بأن الطلب على النفط أقل من المتوقع ويجب اتخاذ إجراءات استباقية لمنع انهيار الأسعار. ويعني عدم انهيار الأسعار نجاح هذه السياسات الاستباقية، ومن ثم فمن ينظر إلى ارتفاع الأسعار فقط ينظر إلى نصف الكوب الفارغ، ويتجاهل النصف المليء.
2- هل تريد السعودية رفع أسعار النفط أم سحب البساط من تحت المضاربين ووسائل الإعلام؟ مسك زمام الأمور يتطلب أن يغير النتاج بشكل مفاجئ من شهر إلى شهر، وهذا ما تقوم به السعودية إلا أن مسك زمام الأمور لا يعني بالضرورة رفع الأسعار.
جاء الإعلان السعودية والروسي ليؤكد خطأ ما ورد في وسائل الإعلام عن منافسة سعودية – روسية في آسيا، ولكن هناك أدلة قوية على أن التعاون الروسي جاء خوفاً من تكرار ما حدث في مارس (آذار) 2020 عندما رفضت روسيا خفض الإنتاج وقررت أن تنتج بكامل طاقتها، فقررت السعودية أن تقوم بذلك أيضاً، فانهارت الأسعار، ورجع الروس إلى رشدهم وشاركوا في الخفض الذي أعلن في أبريل (نيسان) 2020.
ويبدو أن التهديد السعودي كان جدياً بدليل وجود أكثر من 10 ناقلات نفط ضخمة متوقفة قرب عين السخنة في مصر عند مدخل قناة السويس بحمولة تتجاوز 20 مليون برميل، وهي كافية لخفض سعر خام برنت بشكل كبير، خصوصاً إذا قرنت بخفض كبير للسعر المعلن لنفط “أرامكو”.
4- إعلان روسيا جاء مرتبطاً بالتصدير وليس الإنتاج، وهذا يؤكد فكرة الضغوط السعودية لأن التصريحات السعودية كانت واضحة تماماً: هناك ضبابية في البيانات الروسية وعلى روسيا أن تقدم بياناتها بشفافية مدعومة بأطراف مستقلة لتأكيد هذه البيانات. لهذا نجد أن روسيا تحاول أن تركز على المخارج التي يمكن من خلالها تأكيد صحة الخفض، مثل أنبوب الصداقة إلى أوروبا، وبعض موانئ التصدير. أما غير ذلك مثل الإنتاج، أو التصدير عبر موانئ وسفن لا يمكن مراقبتها، فلا يمكن للسعودية معرفة ما يجري.
أسعار النفط الروسية
توضح أحدث البيانات أن خام برنت انخفض بمقدار 24 في المئة خلال النضف الأول من العام الحالي مقارنة بالنصف الأول من نظيره الماضي. كما توضح أن سعر خام أورال الروسي انخفض في الفترة نفسها بنسبة 38 في المئة، وأن سعر خام أورال بلغ 52.15 دولار للبرميل في الأشهر الستة الأولى من هذا العام، وبلغ 55.28 دولار للبرميل خلال يونيو (حزيران) الماضي. كما تشير البيانات إلى انخفاض الخصم على نفط أورال خلال الفترات الأخيرة.
فيما يلي أهم الملاحظات على هذه البيانات:
1- انخفاض سعر خام أورال بشكل كبير مقارنة ببرنت وكونه أقل من السقف السعر الذي أقرته دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي لا يعني أن الانخفاض كان نتيجة السقف السعري لأسباب عدة أهمها أن الانخفاض وجد قبل تطبيق العقوبات والسقف السعري بأشهر، وأن الانخفاض بعد العقوبات والسقف السعري تحسن وأصبح أقل، وأن أنواع النفط الروسية الأخرى بخاصة من حقل سخالين كانت تباع وما زالت بأسعار فوق السقف السعري بكثير.
2 – نحو 24 في المئة من الانخفاض في سعر خام أورال يعود إلى انخفاض أسعار النفط بشكل عام. الباقي 14 في المئة، نحو 10 في المئة منها تعود إلى زيادة تكاليف الشحن، والباقي بحدود أربعة في المئة، وهو الخفض الذي يغري الصين والهند وغيرها بشراء النفط الروسي. طبعاً بعض الشركات تحقق أرباحاً إضافية إذا كانت تملك حاملات النفط الناقلة للنفط الروسي.
أسعار أرامكو المعلنة
نشرت وكالة “رويترز” تقريراً يلخص نتائج استبانة يتوقع فيها الخبراء أن تقوم “أرامكو” بخفض أسعارها خلال أغسطس التي ستعلنها الثلاثاء أو الأربعاء، هذه التوقعات فشلت خلال الأشهر الماضية إذ أعلنت أرامكو رفع أسعارها.
ليس هناك أي سبب الآن لخفض أرامكو للأسعار بشكل ملحوظ، خصوصاً بعد تحسن أسعار النفط الروسي في آسيا. وكان الإعلام الغربي ركز على فكرة التنافس بين السعودية وروسيا وكيف أن الأولى تخسر حصتها السوقية لصالح الأخيرة، ولكن لنوضح بعض الأمور:
1- البيانات تشير إلى أن صادرات السعودية وبعض دول الخليج إلى الصين والهند لم تتغير كثيراً خلال الأشهر الماضية، ومن ثم فليس هناك خسارة للحصة السوقية كما تدعي وسائل الإعلام الغربية. وتبدو نوايا الإعلام الغربي واضحة من التركيز على النسب وتجاهل الأرقام كما فعلت جريدة “وول ستريت” أخيراً، وهو خطأ مهني. فيما يلي مثلاً يوضح الخطأ: إذا كانت الصين تستورد 5 ملايين برميل، منها مليون برميل من السعودية، فحصة الأخيرة 20 في المئة من الواردات النفطية الصينية.
الآن لنفرض أن الصين ضاعفت وارداتها إلى 10 ملايين، وكل الزيادة جاءت من روسيا. هنا تبقى صادرات السعودية للصين نفسها: مليون برميل يومياً. السعودية لم تخسر شيئاً، ولكن النسبة الآن 1 إلى 10، ومن ثم فهي 10 في المئة. الإعلام ركز على هذا وقال إن الحصة انخفضت موحياً بخسارة للسعودية وتنافس مع روسيا، مع أنه لو ركز على الرقم، لاكتشف أن الأمر غير ذلك.
2- الإعلام تجاهل تماماً حقيقة أن الولايات المتحدة أكبر خاسر لحصتها السوقية في الهند لصالح الروس. لماذا لم يذكر الإعلام ذلك؟
3- الإعلام ركز على استيراد السعودية و11 دولة عربية أخرى للمنتجات النفطية الروسية، وتجاهل أن أوروبا وأميركا تستورد أضعاف تلك الكميات من دول تقوم بتكرير النفط الروسي!
خلاصة القول إن التخفيضات الطوعية منعت أسعار النفط من الانخفاض، وأن السعودية كانت أدرى بموضوع انخفاض الطلب من غيرها، وأن التعاون ضمن دول “أوبك+” ما زال قائماً، وأنه ليس من صالح أرامكو الآن أن تخفض أسعارها المعلنة. المشكلة الآن ما يلي: إذا اقتنعت كقارئ بهذه الخلاصة، فكيف نوفق بينها وبين توقعات “أوبك” في تقريرها الشهري الأخير المتفائل بنمو الطلب على النفط بشكل كبير؟