منتدى”سياسة للشباب وليس عنهم”: حضر الشباب وغابت الدولة
النشرة الدولية –
المدن – بتول يزبك –
إن سألت أي شابة أو شابٍ لبنانيّ، عما يُريده حقًا، ما الذي يسعى له في حياته الشخصيّة والمهنيّة، تتلقفك دائمًا لائحة مطالب طويلة، أقل ما يُقال عنها، أنها مطالب بديهيّة تَبعد أشواطًا لامتناهيّة عن ركب الحداثة والتطور الحاصلين في العالم كلّه. والمفارقة أنه اليوم، وأكثر من أي وقتٍ مضى، تتكشف هذه الهوة الواسعة بين صورة الشباب اللبناني المتعلم، الخارج عن ولاءاته الطائفية المتظاهر والغاضب، التّي سيطرت على مشهدية 17 تشرين الأول 2019 ، الرافضة للسلطة القائمة ، وبين صورة الشباب المُحبط، المُفقر، محدود الأفق، المُتعلم من دون عمل، المُهاجر، والمحمول في تابوت.
السّياسات الشبابية
ولا تزال السّلطات اللبنانية ترفض الاعتراف بهذه الهوّة كواقعٍ ألمَّ بالشباب اللبناني، بل تعمد للتعاطي مع مآسيه وهمومه، كمادةٍ نظريّة غير مرتبطة بالواقع، وتسعى بسياساتها “الشبابية” لتخفيف المعاناة بحلول مبتورة، وفي غالبية الأحيان، انشائية.
تجلى ذلك اليوم، في المنتدى “الشبابي” الذي نظّمته الحملة الشبابية “أنا هون: سياسة للشباب وليس عنهم” الذي أُقيم صباح اليوم السبت 8 تموز في أحد فنادق فرادن، برعاية وزير الشباب والرياضة جورج كلّاس، وحضره العشرات من الشباب والشابات، بُغية طرح واقع الشباب اللبناني في ظلّ السّياسات الشبابية الحاليّة.
اللافت، في المنتدى الذي أقيم برعاية الوزير المذكور، هو تخلف الأخير عن الحضور، ليحضر نيابة عنه ممثلين من الوزارة. الأمر الذي أثار استياء عدد لا يُستهان به من الحضور، مُعبرين عن قلقهم من تخلف الوزير المعنيّ بشؤون الشباب والمُشرف على الحملة من مُتابعة أولى الأنشطة اللازمة التّي تندرج في إطار هذه الحملة التّي تدعي طرحها لمسائل تتعلق بضعف السياسات الشبابيّة الحاليّة، واستخفاف السّلطات الرسميّة بها، وبدورها في انتشال لبنان من أزمته.
في بداية المنتدى، وبعد كلمات التّرحيب، وكلمة ممثلي الوزير، تمّ عرض مقطع فيديو مصور من أمام كل من الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانيّة الأميركيّة، استعرض فيه الإجابات المتعثرة لثلة من الشباب والشابات الجامعيين، غير المُطلعين أو المدركين لوجود خطة عمل سياسة الشباب الوطنية، ولا يعرفون الجهة الرسميّة المشرفة عليها (وهي وزارة الشباب والرياضة). وقد رمى المقطع المصور إلى اثبات الضعف في التّطبيق الفعليّ وضعف إشراك الشباب لهذه الخطة التّي أُطلقت في أيار 2022 بالشراكة مع عدد من المنظمات الدوليّة، مُتضمنةً عشرين توصيّة تم التخطيط لها من خلال 179 من التدخلات، على شكل مشاريع ومبادرات تمتد على فترة ثلاث سنوات، وتتماشى مع الأولويات الخمس لـ”وثيقة السياسة الشبابية في لبنان 2012″ مُغطيةً القطاعات السّياسية الخمسة ذات الأولويّة:
– الخصائص الديموغرافية والهجرة
– العمالة والمشاركة الاقتصاديّة
– الاندماج الاجتماعي والمشاركة السّياسيّة
– التعليم والثقافة
– الصحة والسّلوكيات البالغة الخطورة
نقاش بغياب الوزير
بعد عرض المقطع، أقيمت حلقة نقاش حول: كيف نقرأ أولويات الشباب وما هي سُبل العمل سويًّا؟ ضمّت كل من الباحث والمُحلّل السّياسي محمد شمس الدين، وإحدى الناشطات بالحملة وعضوة تجمع مدى كريستيل عزيز، ورئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، والحقوقيّة سيرينا قدوم.
وفي بداية الحلقة، استنكر الباحث شمس الدين، تغيب الوزير عن الحضور، معتبرًا “أن لا موعد أهم من حضور الوزير لمثل هذا المنتدى، الذي حضره العشرات تلبيةً لدعوته” ما أثار بلبلة مؤقتة، ليعود وينتهز شمس الدين، تغيب الوزير، في طرحه مثال على استهتار الحكومات المُتعاقبة بهذا الملف المهم والبنيويّ، وهو قضية الشباب اللبنانيّ. منذ إقرار مجلس الوزراء، سياسة الشباب الوطنيّة عام 2012.
وتبعته الناشطة عزيز، التّي شدّدت على أن ضعف السّياسات أوصلت الشباب اللبناني اليوم لهذا الدرك من التفقير والعجز، طارحةً التحديات التّي تطال الشباب من الصحة مرورًا بالتعليم والنقل، وصولاً للطموح بالهجرة والتخوف من الموت المجاني، والنزعة الانتحاريّة لدى شطر واسع من الشباب.
واستعرضت الحقوقيّة قدوم، مكامن الضعف في هذه السّياسات وفي تطبيقها أيضًا، وتوقف الخبير مارديني عند استهتار السّلطات بالسياسات ومن ثم رفضها للحلول المطروحة وتمسكها بالحلول الجزئية التّي تراعي مصالح البعض الفرديّة، مشيرًا إلى أن الاستفادة من الشباب اللبناني، هو حتمًا ضمن الحلول المطروحة للنهوض بلبنان اقتصاديًا، إلا أن التخلف في مواكبة الحداثة وفتح الأفاق المتّجددة هو الذي جعل الشبان يهاجرون ويساهمون في النهوض بالبلدان التّي يقصدونها. وفتح النقاش مع الحاضرين حول هذا الموضوع. وعرض فيديو آخر متعلق بالموضوع.
ضعف السّياسات العامة
الإحصاءات والأرقام والأدلة الدامغة، التّي تكشف تورط المنظومة الحاكمة بمشروع نكبة الشباب اللبناني، من معدلات الانتحار ومعدلات الهجرة ومعدلات البطالة تثبت أن أي خطة أو سياسة في طور التّطبيق تفقد المصداقيّة ناهيك بالواقعية. وعليه، وانطلاقًا من هذه الحقيقة، تبرز الحاجة لوضع خطط عملانيّة، من منظور شبابي، ومن خلال ديناميكية مُتجدّدة. الأمر الذي ثبت في الجهود الشبابية الحثيثة التّي برزت في 17 تشرين وما لحقه (أكان في النوادي العلمانيّة والتجمعات ذات الطابع المؤسساتي والتنظيمي) وكانت الوحيدة التّي بالإمكان التعويل عليها في تلك اللحظة المفصليّة، كما اليوم، خصوصاً أن انفصال هذه الجهود عن المنظومة الحاكمة وفسادها تجعل الهامش التّغييريّ أوسع وأكثر صدقًا.