لبنان لا يموت
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
إذا توجهت نحو جونية وحالفك الحظ بأن تجد لك حجزاً في مطعم «السلطان إبراهيم» فستكون من الفائزين، هنا وفي محيط مدينة جونية وتحت «كازينو لبنان» والإطلالة الجميلة على البحر سترى لبنان آخر لا علاقة له بنكبة الليرة اللبنانية والأزمة الاقتصادية الطاحنة، ففي هذه البقعة وغيرها من لبنان ليس لديهم علم أو خبر بما يحدث في المناطق الأخرى، والمكتوبة بنار الفقر وغلاء الأسعار والمعاناة بصعوبة العيش الكريم.
وكما راح يشرح أحد الزملاء الصحافيين المخضرمين أن لبنان فيه الشيء ونقيضه، وليس هناك عنصر مشترك يوحد جميع أبنائه حتى بالكوارث والأزمات.
«لبنان لا يموت» ليس شعاراً فضفاضاً بل حقيقة تلمسها عندما تزوره، ستفاجأ أن هذا الشعب يستحق الحياة، وأنه قادر على البقاء والتجديد والاستمرار، ولديه قدرات خارقة ليس على التكيف مع المصاعب التي تواجهه فقط، بل يعطيك درساً في الحياة، ويبهرك بالمسرح والمهرجانات والفن وإظهار محاسن الإنسان اللبناني الذي استطاع أن يتجاوز كل المحن والحروب، وها هو اليوم في قلب الحدث.
في موسم الصيف تكثر الحكايات المشوقة، أحد الشباب اللبنانيين المغتربين جاء لبيروت وذهب للمشاركة في عرس صديق له في «بيت مري» بالجبل، استمرت السهرة حتى الساعة الثانية فجر اليوم التالي، نزل إلى بيروت ليكمل السهرة، قاصداً «الفلمنك» (مطعم ومقهى) بمنطقة السوديكو، لم يجد كرسياً يجلس عليه!
تساءل: كيف حال السياحة والمغتربين اللبنانيين الذين يتدفقون عليه بمئات الآلاف يومياً، يأتون من أقاصي الدنيا كي يقضوا عطلتهم في قراهم ويمضون بعض الوقت كسياح؟
الإجابة لا تحتاج إلى تصريح من وزير السياحة وليد نصار الذي أسقط عليهم بشرى سعيدة بأنه من المنتظر أن تبلغ الأموال التي سيتم إنفاقها في الأشهر الثلاثة نحو عشرة مليارات دولار، والمتوقع أن يصل إليه نحو مليون سائح خليجي وعربي ومغترب لبناني.
اذهب إلى مسرح (كركلا) ذائع الصيت تدرك أن هذا البلد ما زال بخير وطوال أيام الأسبوع الحجوزات فيه مكتملة، وتوجه نحو «شارع مونو» واستعرض المسرحيات التي تقدم فيه وفي غيره من المناطق ستفاجأ أن هذا الإنتاج الفني يملأ الساحة ويعطيها الغنى الثقافي والفكري، وإن لم يكن فسماع أشهر المعزوفات الموسيقية في العالم، تجدها في «الأسمبلي هول» بالجامعة الأميركية في بيروت.
يعني لبنان لم يمت بفنه ومسرحه وشعره وتراثه الثقافي، وهذا وجه مضيء يبقى ملاذاً آمناً لمن يرى فيه الجانب الآخر، حيث تجد سيدة سويسرية من أصل لبناني أحبت البلد حد العشق ترد على سؤال لمواطنة خليجية جمعتهما جلسة في أحد المطاعم «ما رأيته هنا لم أجده في مكان آخر، أطيب المأكولات، وأكثر الأنشطة الفنية عايشتها، وهذا ما يسعدني فعلاً، بعكس ما تتحدثون فيه عن وجود أزمة بالدولار أو بالاقتصاد، أتعجب منكم قول ذلك».
الصيف في لبنان له طعم مختلف، لا سيما فكرة المهرجانات المقامة والمعلن عنها، فتحتار أيهما تختار، تزور بعلبك وتستمتع بأحد أكثر عازفي الإيقاع في موسيقى الفلامنكو بإسبانيا أم «بيت الدين» وشعاره «رسالة أمل»، أم تقصد البترون أم زحلة وعاليه، أم تصل إلى حصرون أم تنتقل إلى مدينة صور الساحلية في الجنوب، أم تعود إلى مدينة جبيل في الشمال ومهرجانها القادم.
الوجه الآخر ربما تعثر عليه إذا زرت «حي ستاركو» في بيروت والقريب من فنادق الـ«سان جورج» و«فينيسيا»، هنا سيأخذك المشهد إلى أرقى المناطق في أوروبا، فيه أفخم المطاعم ودور الأزياء والرواد الذين يرسمون لك لوحة بأحدث الموديلات تجعل عينك لا تصدق ما تراه، نعم صيف لبنان «غير شكل» كما يقول اللبنانيون وباللهجة العامية، فالحجوزات بالفنادق بلغت 95% والأسعار ارتفعت 35%.
حاولت أن أنقل صورة عن هذا البلد الجميل، ابتعدت فيها عن المماحكات السياسية وما يحيط به من أزمات طاحنة وغليان اقتصادي، لعل في ذلك دعوة للتفاؤل والأم، وقبل أن أختم هذا المقال، هناك خبر عن إطلاق أول سيارة تعمل بالكهرباء صنعت في لبنان وندوة «بدار الحوار» عن رسام كاريكاتير صحيفة «النهار» بيار صادق وليلة بيروتية صاخبة أشعلها الفنان المصري تامر حسني، بلد يتحدى الصعاب، وصدق من قال «البلد لا يموت وهذا الشعب يستحق الحياة».