بين «العاملية» و«الكنيسة»… لبنان كما نعرفه
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

هل تعددية الأديان والطوائف في بلد مثل لبنان نعمة أم نقمة؟

عدد من الباحثين اعتبروا أن مشروع الدولة اللبنانية كان النموذج الأقرب إلى العلمانية، والذي يعالج إشكاليات الطوائف والقبائل والانتماءات الضيقة والبديلة عن «الدولة الأم» وفي الوقت نفسه النقيض تماماً للمشروع الصهيوني بفلسطين بإقامة دولة يهودية تسمى إسرائيل.

آخرون ألقوا باللوم على الطبقة السياسية في لبنان، التي لم تستطع أن تطور وتحصّن هذا النموذج بل دمرته على يد منظومة فاسدة من الزعامات الطائفية، والبعض اختصر الطريق وعلّق شماعة الإخفاق والسقوط على «نظرية المؤامرة» التي يقف وراءها «الغرب وأعوانه».

كنت وما زلت أرى في النموذج اللبناني صوراً مشرقة بالرغم من الأوساخ التي علقت به، والنكبات التي لاحقت الصيغة التي اعتمدها بدءاً من ميثاق 1943 إلى اتفاق الدوحة، مروراً باتفاق الطائف، ولذلك لن يكون هناك خلاص من هذه التركيبة الطائفية إلا بالخروج النهائي منها لأننا سنصطدم في كل مرة بالسواتر والحوائط والسدود، وندخل في متاهات الصراعات المدمرة والحروب الأهلية، ونعود إلى نقطة الصفر.

عدت إلى أجواء التعايش وإلى تلك الصورة التي نرى فيها بلدنا وذاك الاندماج والتميز بالخصوصية اللبنانية التي تقدم لنا كل يوم قصصاً وحكايات من الواقع، تنتهي بنا إلى أن نفتح صفحات جديدة ملهمة بدلاً من السقوط المتواصل في المستنقع المليء بالفساد والانحطاط الأخلاقي.

أمامي نموذجان خرجا من التعددية للأديان والطوائف، أردت أن أستعرضهما وباختصار شديد، لما يحملانه من ثقافة التعددية وتقبل الآخر دون أن يتجرأ أحدهما على تهميش أو إلغاء الآخر.

الأول، كتاب أهداني إياه الصديق والزميل نزيه كركي، نقيب أصحاب المطابع الأسبق وابن المهنة الذي ما زال يعمل ويكافح دون توقف، الكتاب يحكي قصة المدرسة العاملية بمناسبة مرور 100 عام من العطاء، فكرة التأسيس تعود بالدرجة الأولى لمكافحة الأمية ومعالجة التخلف الاجتماعي والتربوي لفئة واسعة من اللبنانيين الشيعة الذين هجروا الأرياف باتجاه العاصمة بيروت، وكان ذلك عام 1923، الهدف تأمين التعليم لهؤلاء مما دفع المؤسس رشيد بيضون إلى افتتاح مدرسة العاملية وتفرع منها فيما بعد، الكشافة والطلائع والمهنية العاملية، وصرح كبير تعاقب عليه خمسة رؤساء آخرهم يوسف محمد بيضون، سبقه والده النائب المعروف محمد يوسف بيضون.

المشروع الثاني يتمثل بوجه إنساني وموسيقي وتبشيري، خرج من رحم الكنيسة المارونية، استوقفني بعد أن تنادى إلى مسامعي عن طريق الزميل نبيل إسماعيل، المحترف بصنع الصورة واللاقط للأشياء الجميلة بقوله، إذا أردت الاستمتاع بالموسيقى والأداء الأوبرالي فعليك بالذهاب إلى «ديرة زيارة» في بلدة «عينطورة» بكسروان، هناك ستكتشف الوجه الرائع للبنان من خلال الراهبة «مارانا سعد» مؤسسة ورئيسة معهد وجمعية «فيلوكاليا».

«المايسترو» مارانا، تخصصت بالعلوم الموسيقية ونالت الدكتوراه باللاهوت من روما، ربع قرن وهي تعمل داخل الرهبانية المارونية والألحان السريانية، قادت فرقة «القديسة رفقة» الموسيقية 8 سنوات ثم انتقلت إلى قيادة فرقة «فيلوكاليا» وتعني الحب والجمال، تأسست عام 2010، وانطلقت بأصوات المرنمين تجمع بين الموسيقى والصلوات الدينية في الكنائس، تعد أن «الفن كأداة خلاص» لديها رسالة تبشيرية والعمل بالفنون الموسيقية من داخل الكنيسة لتعلم الناس «المحبة» الممزوجة بالموسيقى.

تقيم كل سنة مهرجانات للموسيقى، تعزف أجمل المقطوعات العالمية، تضبط الإيقاعات وتحرك عصاها على المسرح بأريحية غير عادية.

 

هل هناك أجمل من أن يستثمر بالتعليم كما تفعل الكلية العاملية ويبدع في الموسيقى والمحبة ومن رحم الكنيسة؟ هذا هو لبنان الذي نحبه.

زر الذهاب إلى الأعلى