مؤامرة ديبريل: الكويت بين سفيرتين
بقلم: سعد بن طفلة العجمي
هل خدعت السفيرة الأميركية أبريل غلاسبي صدام حسين و"أعطته الضوء الأخضر" لغزو جاره الشقيق؟
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
بعد ثلاثة أيام من نشر هذه المقالة، وتحديداً يوم الثاني من أغسطس (آب) المقبل، تمر الذكرى الـ33 لأكبر حدث زلزالي هز المنطقة العربية وغير كل الآليات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط برمتها، إذ غزا العراق في ذلك اليوم المشؤوم جاره الكويت تحت ذرائع أوهى من بيت العنكبوت، ودمر الكويت وقتل أهلها وشردهم واعتقل آلافاً منهم ونهب البلد “فرهودا” مخزياً يندى له الجبين من أخ عربي جار مسلم ضد أخيه العربي الجار المسلم.
باستذكار هذه الأحداث الأليمة ومنذ ذلك التاريخ عاشت الكويت آثاراً ما زالت تعانيها، وحوادث وأحداث وتطورات وقصص عجاب. ولعل من عجائب آثار احتلال الكويت الفكرية هو مؤامرتا “ديبريل”، وديبريل اسم نحته من الاسمين الأولين للسفيرتين الأميركيتين بالكويت والعراق ديبرا جونز وأبريل غلاسبي على التوالي.
عام 2010 نشر “ويكيليكس” برقية للسفيرة الأميركية لدى الكويت آنذاك – ديبرا جونز – موجهة للخارجية بواشنطن حول لقاء لها مع نشطاء كويتيين، وفي اللقاء تشاءم أحدهم بأن الكويت “لن تبقى لها باقية إن استمر الفساد بها على ما هو عليه، وبأنها ستنتهي عام 2020”.
نفت السفيرة أن تكون قالت ذلك شخصياً، وحاولت وغيري من العقلاء شرح أن السفيرة لم تقل أن الكويت ستنتهي عام 2020، وجادلت بالمنطق أن من المستحيل أن يحدد سفير دولة ما نهاية الدولة التي يمثل بلاده لديها، وبينت أن السفيرة نقلت ولم تقل شيئاً، وترجمت الرسالة التي سربها “ويكيليكس” ترجمة حرفية بحكم اختصاصي، لكن من دون جدوى، فقد أصر بعضهم إصراراً بإلحاح بأنها قالت إن الكويت ستنتهي عام 2020، وأن كلامها يعني مؤامرة على الكويت وأن بلادها تخطط لإنهاء الكويت وإزالتها من الخريطة!
قبل أسبوع من اجتياح الكويت، أي في الأسبوع الأخير من يوليو (تموز) 1990، استدعى صدام حسين السفيرة الأميركية لدى بغداد آنذاك أبريل غلاسبي للقاء هو الأول والأخير معها، وفي اللقاء تذمر صدام حسين من الكويت بشكل عام، وكان رد السفيرة الأميركية بحسب روايتها أنها قالت له بوضوح إن: الولايات المتحدة الأميركية لا تتدخل بالخلافات الحدودية بين الدول الأصدقاء، لكن بلادها لن تقبل بالتعدي على الكويت، وبأنها نقلت هذا الموقف لبلادها لوزارة الخارجية العراقية خمس مرات قبل لقائها بصدام حسين.
أما الرواية التي استسهلها وتداولها العقل العربي الإعلامي المؤامراتي فهي رواية وزير الخارجية العراقي – وزير الإعلام السابق – طارق عزيز، إذ يقول في مقابلة له مع تلفزيون “فرونت لاين” عام 1996 وكرر فحوى كلامه بمقابلة مع القناة نفسها عام 2000، بأنه لم تكن هناك إشارات متضاربة من السفيرة، وبأن كلامها كان كلاماً دبلوماسياً “روتينياً كلاسيكياً” – هكذا. وعلى مثل هذا الكلام بنيت نظرية المؤامرة بأن السفيرة الأميركية أبريل غلاسبي خدعت صدام حسين و”أعطته الضوء الأخضر” بغزو الكويت.
يبحث مروجو هذا التفسير المؤامراتي عن عذر لتبرئة صدام حسين من جريمة الغزو، وكأنما لسانهم يقول لم يكن صدام حسين مجرم حرب غزا جيرانه وإخوانه وشردهم وقتلهم شر قتلة، لكنه استدرج بكل براءة – كالحمل الوديع – لذلك العمل من سفيرة الولايات المتحدة الأميركية التي لم تلتق به سوى مرة واحدة!
ولنسلم جدلاً بتصديق رواية طارق عزيز وليس السفيرة غلاسبي بأنها “خدعت صدام حسين” وورطته بارتكاب جريمة الغزو، وبأن صدام كان ضحية تلك الخديعة و”الضوء الأخضر”!
لكن هذا يطرح تساؤلات لكل من يؤمن بهذه الرواية – المؤامرة، وليسمح لي القارئ بطرح هذه التساؤلات بلغة ذكورية ولهجة تمييزية “ميساجونية” (misogynist)، وهي لغة لا أؤمن بها شخصياً، لكني سأستخدمها كمحاولة يائسة لاختراق عقل المؤامرة:
أفا يا بوعداي! أفا يا راعي الملحا! تضحك عليك مره؟ يا حيف يا خو هدله: “تقص” عليك مره من لقاء واحد فقط؟ شلون يا حامي البوابة الشرقية، تضحك عليك وحده أميركية من أول لقاء؟ وكيف وأنت القائد الضرورة، والمهيب الركن (طبعاً لا يوجد بالتسلسل العسكري للجيوش رتبة مهيب كما أن صدام حسين لم يخدم بالجيش يوماً واحداً) تستدرجك امرأة لغزو جارك العربي الشقيق؟ كيف وأنت بطل العروبة تستغفلك “وحدة ست”؟
لا أظن بأن أصحاب العقل التآمري سيفكرون بطرح مثل هذه التساؤلات، ولا يمكن لعقلهم الكسول أن يغوص في تفاصيل التساؤلات العقلانية، ويستحيل لهم أن يقتنعوا بأن صدام حسين كان مجرماً بكل المقاييس، وجباناً بمعايير الشجاعة والجبن (ألقي عليه القبض مختبئاً بحفرة تحت الأرض)، وبأنه أغبى من الغباء إن كان لقاء واحداً مع السفيرة الأميركية يكفي لاستغفاله واستدراجه لجريمة ما زالت المنطقة تئن من ويلاتها وآثارها.
من يحاول أن يغير عقلية “مؤامرة الاستدراج لغزو الكويت”، كمن يحاول أن يقنع من صدق أن السفيرة الأميركية بالكويت قالت إن الكويت ستنتهي عام 2020، فنحن اليوم بعام 2023 وما زال بيننا من يؤمن موقناً بأن نهاية الكويت ستكون عام 2020!
الكويت “باق وأعمار الطغاة قصار”.