الأديبة سناء الشعلان: الكتابة هي أداتي الحقيقيّة للخلود والاستمراريّة والتّحدّي والثّورة

النشرة الدولية –

الدستور الأردنية – حاورها: نضال برقان –

«حوارات ثقافية»، نطل من خلالها على عوالم مبدعينا الأردنيين والعرب، ونتأمل جانبًا رؤاهم الخاصة، الصغيرة منها والكبيرة، ونتجول في مشاغلهم الإبداعية، ونتعرف من خلالها إلى أبرز شجونهم وشؤونهم.

في الحوار الآتي نضيء على جوانب من تجربة الأديبة الدكتورة سناء الشعلان، وهي ناقدة وقاصة وروائية، وكاتبة مسرحية، حاصلة على شهادة الدكتوراة في اللغة العربية، نقد حديث، من الجامعة الأردنية- 2006، لها 52 مؤلفاً منشوراً بين كتاب نقدي متخصص ورواية ومجموعة قصصية وقصة أطفال إلى جانب الدراسات والمقالات والأبحاث المنشورة، وتشمل أعمالها القصصية والروائية: وحشة اسمها وطن، قافلة العطش، حدث ذات جدار، الذي سرق نجمة، تقاسيم الفلسطيني، عام النمل، تراتيل الماء، في العشق، رسالة إلى الإله، قافلة العطش، الكابوس، مذكرات رضيعة، الجدار الزجاجي، أعشقني، السقوط في الشمس. ولها في قصص الأطفال: زرياب: معلّم الناس والمروءة، هارون الرّشيد: الخليفة العابد المجاهد، الخليل بن أحمد الفراهيدي: أبو العروض والنّحو العربيّ، ابن تيمية: شيخ الإسلام ومحيي السّنّة، الليث بن سعد: الإمام المتصدّق.

https://www.addustour.com/file.php?fileid=569704&width=800&height=450

وهي حاصلة على نحو 60 جائزة دولية وعربية ومحلية في حقول الأدب والتأليف. حصلت سناء على لقب واحدة من أنجح 60 امرأة عربيّة في عام 2008 ضمن الاستفتاء العربيّ الذي أجرته مجلة سيدتي. كما أنها حصلت على نجمة السّلام للعام 2014 من منظمّة السّلام والصداقة الدولية في الدنمارك. حاصلة على درع الأستاذ الجامعي المتميز في الجامعة الأردنية لعامين.

 

تظلّ الكتابة وأسئلتها حاضرة في وجدان الكاتب، وهي أسئلة، لعلّها، تعيد ترتيب المشغل الإبداعي لصاحبها، وتؤكّد صحة، أو تعيد تصحيح، مذهبه الإبداعي، وعليه أسأل: لماذا تكتبين؟ ولمن؟

 

– أكتبُ لأنّ الكتابة هي أداتي الحقيقيّة للخلود والاستمراريّة والتّحدّي والثّورة، أنا أكتب ابتداءً إكراماً لفكرتي عن الخلود والبقاء والمنجز الذي يتجلّى في موروث الحضارة الإنسانيّة، وعلى رأس ذلك المنجز المكتوب؛ فلولا التّوثيق المكتوب لضاع التّراكم الحضاريّ للإنسانيّة قاطبة؛ لذلك عندما أكتبُ فأنا أكتب لي وللحضارة وللخلود وللمشهد الإنسانيّ كاملاً الذي ألتقي معه وبه في مواقفنا الإنسانيّة والفكريّة التي أعبّر عنها بصراحة في كتاباتي، وعلى رأسها قيم الحريّة والعدالة والخير والجمال ومدائح الثّورة والرّفض والتّأبّي على كلّ ما ينتقص من إنسانيّة الإنسان.

 

هل ثمّة، في العالم العربي، جِنس أدبيّ منغمس في شجون النّاس وشجونهم، والنّاس ملتفّون حوله، بحيث نطمئن إليه بوصفه «ديوان العرب الجديد»؟

 

– جوابي النّقديّ والأكاديميّ على سؤالك هذا، فضلاً عن رأيي الأدبيّ والجماليّ يجعلني هو: أقول باطمئنان اتّكاءً على الشّواهد الإحصائيّة المرئيّة بسهولة في المشهد العربيّ والعالميّ كذلك هو أنّ السّرديّات النّثريّة هي سيّدة الموقف الآن، وأنّ غيرها من الفنون وعلى رأسها الشّعر قد أفل نجمها في إزاء مشهد سرديّ إنسانيّ عملاق يمتدّ في تفاصيل الحياة جميعها، ولعلّ الرّواية هي الأقوى كلمة وتأثيراً فيه على ما في هذا المشهد من تزاحم وتخبّط وتدافع والكثير ليقال في شأنه.

 

هل لدينا، في الرّاهن والمعيش، (مشروع ثقافيّ وحضاريّ عربيّ) قادرٌ على معالجة القضايا المصيريّة التي تواجه أمّتنا العربيّة، من جانب، ونستطيع التواصل من خلاله مع العالم بكفاءة من جانب آخر؟ – السّؤال الأعظم والأهمّ، هل عندنا أساساً مشروع وجوديّ عربيّ مشترك لينبثق من رحمه مشروع ثقافيّ قويم؟! وهل عندنا آلة حقيقيّة لصنع مشروع ثقافيّ أيّاً كان حجمه؟!

 

أنا شخصيّاً لا علم لي بوجود ذلك كلّه، ولا أعوّل على ذلك أبداً، لا سيما أنّ الأديب العربيّ بالتّحديد بات يصنع وجوده وحالته بذاته وجهده وسعيه أيّاً كان شكله، ولا يعتمد على المشروع الثّقافيّ الذي نسمع عنه، ولا نراه، وإن رأينا بركاته المزعومة فيكون فريسة لمن يتقاسمون وليمة الثّقافة لأسباب متعدّدة جميعنا نعرفها، ليس منها الإبداع والموهبة والرّؤية بأيّ شكل من الأشكال.

 

أعرف أنّ الحديث عن أبرز التّحديات التي تواجه الثّقافة العربيّة الرّاهنة قد يطول، لكن من منظوركِ الشّخصيّ، ما هي أبرز تلك التّحديات برأيكِ؟

 

– أعتقد أنّ المشهد الثّقافيّ العربيّ كاملاً موبوء وساحة للاغتيال والإغارة والمشاحنات والمحسوبيّات والشّلليّة والعصابات؛ وبذلك يصبح المشهد كلّه عدوّاً للثقافة والإبداع الحقيقيّ؛ وهنا يظلّ أمام المبدع الحقيقيّ الملتزم درب واحد آمن ومحترم، وهو أن يعتزل هذا المشهد، ولا يتوقّع منه عوناً في مشروعه الثّقافيّ الذّاتيّ، وأن يعتمد على نفسه لحمل مشروعه وتقديمه، ليلاقي حظوظه الشّخصيّة من النّجاح والتّوفيق.

 

هل تحرصين على شراء الكتب بين حين وآخر، أم تكتفين بما يتمّ إهداؤه لكِ من الكتّاب؟ ولماذا؟ وماذا عن قراءاتكِ الرّاهنة؟

 

– دائماً أحرصُ على شراء الكتب التي تروق لي بنفسي وبإرادتي الشّخصيّة وببحثي الخاصّ عنها، وقلّما ما تنال الكتب المهداة لي اهتمامي؛ لأنّها في كثير من الأحيان هدايا غير مفرحة بالنّسبة لي لما فيها من خيبة أمل لي وتضيع وقت عندما أقرأها، وأفجع بما فيها من ضعف وتساقط؛ إنّها تزحم مكتبتي الشّخصيّة دون أدنى حاجة إليها.

 

ماذا عن انشغالاتكِ الرّاهنة؟ ماذا تقرئين؟ ماذا تكتبين؟

 

– أنا شخصيّة متشعّبة جدّاً في اهتماماتي بين عملي الأكاديميّ بوصفي أستاذة للأدب الحديث، وبين مهامي الأدبيّة والاعتباريّة في المؤسسّات الحقوقيّة التي أمثّلها، وعلى رأسها رئاستي لمنظّمة السّلام والصّداقة الدّوليّة الدّنماركيّة العالميّة، إلى جانب كتاباتي الخاصّة ومشروعي الأدبيّ والنّقديّ والبحثيّ المتخصّص الذي لا يمكن أن يستوي قويماً دون القراءة المستمرّة، لكنّ في الأحوال جميعها يظلّ قلمي الأدبيّ هو الأهمّ عندي، وهو ما أحرص على أن يظلّ نابضاً، حتى لو كان ذلك على حساب وقتي وراحتي وصحتي.

 

باختصار هذه الأيّام أنا مشغولة بكثير من المشاريع البحثيّة والإبداعيّة، وأتمنّى أن أنجح في إنجاز ما آمله من ذلك كلّه في الآجال الزّمنيّة التي حدّدتها لذلك.

 

كيف تقيّمين تجربتكِ الإبداعية في علاقتها بالحركة النّقديّة؟

 

– يصعب أن أقيّم نفسي لما يعرفه الجميع من أدبيّات الإحجام عن ذلك؛ لكنّني فخورة بما قدّمتْ، وراضية عن نشاطي ودأبي واستمراريّتي، وأجد أنّني استطعتُ أن أقدّم لنفسي حياةً بعد مماتي بما أترك خلفي من كتابات تجاوزت حتى الآن 75 عملاً، وأترك للنّقد والنّقاد والمتلقين والزّمن أن يحكموا على ما قدّمتُ من أدب ونقد.

 

إلّا أنّني أعتقد أنّ أدبي حاز حصّة عملاقة في الدّراسات الأدبيّة والبحثيّة والمقالات ورسائل الماجستير والدّكتوراه والأوراق البحثيّة في المجلاّت البحثيّة المتخصّصة وفي المؤتمرات العلميّة، وهذه حصّة عملاقة أعتزّ بها، وهي -لا شكّ- تحسب لمشواري ومشروع الأدبيّ والنّقديّ والبحثيّ.

 

ما الجنس الإبداعيّ الذي تجدين نفسكِ محلّقة فيه وقادرة على أن تعبري عن نفسكِ ورؤيتكِ من خلاله؟ ولماذا؟

 

– تقريباً أنا أكتب في الفنون السّرديّة كاملة، مثل الرّواية والقصّة القصيرة وأدب الأطفال والبحث العلميّ والمسرح وأدب الرّحلات، إلّا أنّني أعشق عالم الرّواية، وأرى نفسي فيه كما أحتاج أن أكون، وكما أحبّ أن أكون، على أن لا يمنعني ذلك من أكتب في الأجناس السّرديّة الأخرى إن كانت الدّفقة الإبداعيّة عندي تستدعي ذلك.

 

هل تقرئين لمبدعين شباب؟ وكيف تنظرين إلى كتاباتهم؟

 

– نعم، اقرأ كثيراً، وأتابع كثيراً، وتُعرض عليّ الكثير من الأعمال الأولى قبل طباعتها، وأجد الكثير من الغثّ الضّعيف المتهالك الذي يخيّب الآمال، لكن ذلك لا يمنع أن أجد –نادراً- بعض الأقلام الشّابة الواعدة بحقّ إنْ هي تعّهدتْ نفسها بما يجب من تنمية موهبة، وهذه الأقلام هي الأقلّ عدداً وسط فوضى محاولات الجميع واعتلاء الجميع لمنبر القلم الذي بات متاحاً إلى حدّ الفوضى في زمن التّواصل الإلكترونيّ العملاق.

 

قمتِ بخطوة جريئة عندما جعلتِ اسمكِ الأدبيّ هو: سناء الشعلان (بنت نعيمة). ما سبب هذه الخطوة؟

 

– باختصار شديد أنا أخلّد أمّي الحبيبة الرّاحلة (نعيمة المشايخ) بخلود قلمي؛ اعترافاً منّي لدورها في صناعتي ودعمي، وتشّرفاً منّي بربط اسمي باسم أمّي الحبيبة التي أنحني تقديراً لذكراها المغروسة في روحي.

 

الكتاب النّقديّ الجديد عن أدبكِ السّرديّ «الكثافة الشّعريّة وتفاصيل السّرد في أدب سناء شعلان» بقلم عبّاس داخل حسن. كيف تنظرين إليه؟

 

– أعتزّ به كثيراً؛ فهو تجربة نقديّة جريئة في النّقد الجماليّ الانطباعيّ بعيداً عن القصّ واللّصق، ثم هو يقّدم رؤية جديدة وجريئة في أدبي، وهو بذلك السّبّاق في هذا المضمار، فضلاً أنّه صاحب السّبق المعلّى في الكتابة عن أعمال أدبيّة لي لم يسبقه أحدٌ إلى الكتابة عنها، فضلاً عن أنّه قد قدّم سيرة ببيلوغرافيّة دقيقة عن حياتي وأدبي؛ لذلك كلّه أعتقد أنّ هذا الكتاب سوف يكون مرجعاً مهمّاً لكلّ باحث في أدبي.

زر الذهاب إلى الأعلى