لماذا يلعب الأغنياء والساسة والمشاهير الغولف؟

النشرة الدولية –

الرأي الأردنية –

بينما أتصفح موقع “X”، صادفت مقطع فيديو للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وهو يلعب الغولف. كاد يمر المقطع مرور الكرام، لكن تقافزت في رأسي عدة أسئلة، أهمها: لماذا يلعب مشاهير وأغنياء العالم هذه الرياضة؟

وتساءلت أيضاً؛ لماذا لم أسمع يوماً عن قصة كفاح لاعب غولف، قهر صعوبات الحياة حتى عانق المجد؟

عزيزي القارئ، أنا على يقين أنك إذا شاهدت صورة أو مقطع فيديو للاعبي تلك الرياضة، فإنك ستشم رائحة الأموال والشهرة. لذلك، اعتقدت أنها رياضة استحدثت للترفيه عن رجال المال والسياسة حول العالم، ولكي يتنافسوا دون أن تتساقط منهم نقطة عرق واحدة. لكن بعد البحث والتدقيق اكتشفت أن العكس هو الصحيح.

جذور الغولف

رياضة الغولف واحدة من أقدم الرياضات في التاريخ البشري، تاريخها قديم قدم الحضارة البشرية تقريباً؛ إذ يُعتقد أن أصولها تعود إلى الحضارة المصرية القديمة، حملت حوائط جبانة “بني حسن” رسومات للمصريين القدماء وهم يلعبون لعبة بالعصا والكرة، واسمها “كولف”، قبل 4 آلاف سنة تقريباً.

ستختفي اللعبة من التاريخ، قبل أن يعاد اكتشافها وتطويرها خلال العصور الوسطى في أوروبا، وتحديداً اسكتلندا.

تطور اللعبة في اسكتلندا

في بدايات القرن الخامس عشر، شهدت اسكتلندا تطوراً كبيراً على مستوى اللعبة. استبدلت الكور الخشبية بأخرى جلدية، والشوارع وباحات الكنائس بالملاعب، وتم تأسيس بطولات أهلية.

لكن تأخرت عملية تأريخ اللعبة بضعة عقود، حيث ذكرت كلمة “غولف” لأول مرة في الوثائق الاسكتلندية الرسمية عام 1457.

ففي يوم السادس من مارس 1457، حرم الملك جيمس الثاني، الذي كان ملكاً للاسكتلنديين، بموجب قانون برلماني، المواطنين من لعب الغولف. زعم الملك أن الاسكتلنديين يلعبون الرياضة الجديدة أكثر من اللازم، وأن هوسهم باللعبة الجديدة جعلهم يتهربون من أداء التدريب العسكري الإلزامي.

وجاء في مرسوم الحظر: “لا يجوز لأي جزء من البلاد ممارسة كرة القدم أو الغولف أو غيرها من الرياضات التي لا طائل من ورائها”.

هذا الحظر هو أول ذكر مكتوب للعبة الغولف في التاريخ المعاصر.

بعد رحيل الملك جيمس، انصاع الملوك والأمراء لسطوة اللعبة، حتى أنهم بدؤوا يمارسونها في حدائقهم وقصورهم رفقة كبار القوم في اسكتلندا. شعبياً لم تستطع رياضة الغولف مجابهة كرة القدم التي أسرت قلوب وعقول البريطانيين. لكن داخل القصور الملكية كانت اللعبة تنتشر بسرعة كبيرة، حتى حازت لقب “لعبة الملوك”.

انتشار الغولف في العالم

مع مرور الوقت، انتشرت هذه الرياضة إلى أماكن أخرى حول العالم. في القرن الثامن عشر، بدأت الملاعب تظهر في إنجلترا وأمريكا. وفي القرن التاسع عشر، تم تطوير تكنولوجيا صناعة الكور والعصي، مما سهل زيادة شعبية اللعبة وجذب المزيد من اللاعبين.

تأسس أول اتحاد لرياضة الغولف في القرن التاسع عشر، وكان الاتحاد الملكي الاسكتلندي للغولف عام 1893 ثم جاء الاتحاد الأمريكي عام 1894. تطورت اللعبة بسرعة، وظهرت أولى البطولات الرسمية في عام 1860 بالأراضي البريطانية.

لماذا يلعب الأغنياء الغولف؟

• التقاليد والثقافة

الغولف الرياضة الأكثر شعبية بين الأغنياء والمشاهير حول العالم منذ مدة ليست بالقصيرة. جذور ارتباطها بالطبقات العليا تعود إلى عصور الملكية كما أشرنا، وأحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك، سهولتها من الناحية البدنية مقارنة بالألعاب الأخرى، لم يفضل الملوك عادة السقوط في الوحل، والاحتكاكات العنيفة.

هذه التقاليد القديمة ما زالت تؤثر على انتشار اللعبة بين الأغنياء اليوم، حيث بعض اللاعبين منحدرين من عائلات ملكية أو أمراء ونبلاء. للثقافة والتقاليد قوة لا تقهر. فها هم رجال الأعمال الأشهر في العالم يلعبون الغولف؛ لأنها لعبة مرتبطة بالأغنياء منذ قرون.

• رمز الرفاهية

يُمكن تفسير لعب الغولف كعلامة ورمز على الرفاهية والنجاح المادي. كونك ممارس لهذه الرياضة يعني بالضرورة أنك من علية القوم وأنك ناجح بشكل فائق على المستوى الاقتصادي. اشتراكات تلك الأندية قد تصل إلى 500 ألف دولار سنوياً بالإضافة إلى متطلبات اللعبة من كرات وعصي وخلافه والتي قد تصل إلى أكثر من ألف دولار.

• الوقت والمرونة

يتطلب لعب الغولف وقتاً كبيراً، وهو أمر لا يمكن لمعظم البشر الكادحين توفيره في رحلتهم خلف لقمة العيش. لكن الأغنياء يمتلكون وقتهم، لذا يمكنهم بسهولة ويسر توفير الوقت اللازم للعب الغولف.

• عقد الصفقات

يمكن للأغنياء والمشاهير استخدام اللعبة وسيلة للتواصل والتعرف مع أشخاص آخرين من داخل وخارج دائرتهم الاجتماعية أو مجالاتهم العملية. وفي بعض الأحيان، تستخدم الملاعب كمركز للاجتماعات وعقد الصفقات.

التحدي والمهارة:يُعتبر رياضة تحتاج إلى تقنية دقيقة وتركيز عالٍ. لكنها لا تحتاج بالضرورة إلى أداء بدني قوي، لذلك يستمتع بها رجال الأعمال من كبار السن؛ خاصة أولئك الذين كونوا ثرواتهم، ولم يرثوها.

• المناطق الخاصة والمرافق الفاخرة

تتوفر الأندية على مرافق فاخرة، تتيح للأغنياء اللعب في بيئة مريحة وممتعة.

أشهر أندية الغولف

هناك العديد من الأندية الشهيرة في العالم، والتي تحظى بشهرة كبيرة بين عشاق هذه الرياضة، من بين هذه الأندية:

• نادي أوغوستا ناشونال: يقع في ولاية جورجيا بالولايات المتحدة، وهي معروفة بتنظيم بطولة الأساتذة، والتي تُعد واحدة من أكبر وأشهر البطولات في عالم الغولف.
• نادي سانت أندروز: يقع في منطقة سانت أندروز باسكتلندا، وهو واحد من أقدم أندية الغولف في العالم. تعد منطقة ست أندروز مقدسة لعشاق الغولف، وتستضيف بطولة بريطانيا المفتوحة.
• نادي بيبيل بيتش: يقع في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة، وهي معروفة بمناظرها الخلابة على الساحل وتنظيمها لبطولات مهمة مثل بطولة فنكوفر المفتوحة.

هذه مجرد بعض الأمثلة على أشهر أندية الغولف في العالم، وهناك العديد من الأندية الأخرى التي تحظى بشهرة كبيرة بين عشاق هذه الرياضة.

أشهر لاعبي الغولف

عبر تاريخها، شهدت الرياضة بزوغ لاعبين أفذاذ تركوا بصماتهم على “لعبة الملوك” وحققوا إنجازات لا تُنسى.. أشهر هؤلاء في التاريخ هم:

جاك نيكولوس: يُعتبر واحداً من أعظم اللاعبين في التاريخ، فقد فاز بـ18 بطولة كبرى، وهو رقم قياسي لا يزال قائماً حتى تاريخ كتابة هذه الإجابة. ولقبه هو “الدب الذهبي” نسبة إلى بشرته ناصعة البياض وشعره الذهبي.

تايغر وودز: يعتبر وودز أشهر لاعب معاصر.

حقق تايغر 15 بطولة كبيرة وهو أحد أكثر اللاعبين شهرةً وتأثيراً في اللعبة بما قدمه للعبة من ترويج حول العالم.