ميناء ومرسى ومرفأ بيروت
بقلم: سعد بن طفلة العجمي
على من يريد المساعدة أن يساعد نفسه أولاً بالشفافية والمحاسبة
النشرة الدولية –
كلمات ثلاث تلفظ جميعاً بالألف من دون الهمزة على رغم ظهورها كتابة، مينا ومرسى ومرفا، يعتبر الميناء أكبرها وربما أكثرها انتشاراً. كانت الكلمة الأكثر انتشاراً في الخليج العربي هي كلمة “بندر”، وهي فارسية مثل بندر عباس وبندر بوشهر على الساحل الإيراني للخليج العربي.
وعربت كلمة بندر واشتق منها الفعل “بندرنا” بمعنى رسينا بسفننا، وفي الكويت ضاحية على البحر اسمها بنيدر القار، وهي تصغير بندر وكان يظهر فيه القار على سطح الأرض. وتستخدم كلمة “بندر” في صعيد مصر بمعنى السوق أو المدينة التي على النهر- النيل، فيقولون “هنزل ع البندر”.
كلمة يرسي أو يرسو هي الأكثر استعمالاً وانتشاراً بمعنى رسو المراكب أو السفن، وهي الأكثر شيوعاً في مصر حيث ينتشر اسم مرسي، ولا أعرف اسم علم مشتقاً من ميناء أو من مرفأ. ويقول المصريون “إرسي لك على بر”، أي حدد موقفك، وغنى عبدالمجيد عبدالله “مراسي الشوق” وعبدالكريم عبدالقادر “وين مرساك”.
الميناء هو الأكبر، فقد يضم أكثر من مرفأ ترسو عليه السفن بأحجام مختلفة، وفي مصر أيضاً يسمون المطار “ميناء جوي”. وأظن أصل التسمية من الترجمة الحرفية لـ AIRPORT!وفي الإمارات تقع قرية “المرفأ” على بعد 150 كيلومتراً غرب أبو ظبي.
في الرابع من أغسطس (آب) 2020، انفجرت صوامع القمح التي بمرفأ، أي ميناء، بيروت وتسبب الانفجار بمقتل مئات الضحايا وآلاف الجرحى ودمار هائل ما زالت بيروت تعاني آثاره على رغم مرور ثلاثة أعوام على الانفجار المروع. وبالطبع فإن الانفجار الهائل لم يتسبب به القمح، فقد اتضح أن المرفأ والصوامع كانت مخازن لمواد نيترات الأمونيوم التي تستخدم في الأسمدة الكيماوية وفي صناعة المتفجرات.
مضت ثلاث سنوات على الحدث الرهيب الدامي ولم يقدم حتى الآن أحد للمساءلة ناهيك بالمحاكمة العادلة، اللبنانيون يعرفون المسؤول لكنهم لا يجرؤون على تسميته، وإن سموه، فلن يقدروا على معاقبته، والضحايا ذهبت دماؤهم من دون محاسبة أو انتصار عادل لهم.
كانت الكويت بنت الصوامع والميناء بمساعدة للبنان عام 1969 بمبلغ يصل إلى 8 ملايين دولار، لذا صرح قبل أيام وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام بأن الكويت يمكنها أن تعيد بناء مرفأ بيروت “بشخطة قلم”، التصريح أثار الكويتيين واحتجوا على أسلوب الاستهتار بالأموال العامة الكويتية التي لا تتم إلا وفق قنوات ومعايير محددة، صحيح أن هناك خروقات وفساداً يطاول الأموال العامة الكويتية لكن هذا ليس من شأن أحد غير الكويتيين.
ذكرني تصريح الوزير سلام بقول لمسؤول خليجي رفيع بلقاء خاص قال فيه، متى سيتعلم بعض إخوتنا العرب بأننا لسنا آلة صرافة مالية وقالها بالإنجليزية (ATM)؟ حاول الوزير سلام أن يرفأ (يرقع) التصريح ولم يعتذر أو يقنع أحداً بالتوضيح، فقد “اتسع الخرق على الراقع”.
ورقع هي إحدى معاني رفا، فيقال رفأ الشق. وقال الشاعر صقر النصافي:
من شق شق يا اريش العين يرفاه… وأنت الذي شقيت خافي ضميري
تصريح الوزير سلام يعكس عقلية كثير من المسؤولين في لبنان وبعض الدول العربية التي لا ترى في دول الخليج سوى حصالات مالية لا أكثر، ناسية أو متناسية الكم الهائل للمساعدات والهبات والقروض الخليجية لمعظم الدول العربية من دون منة، فالواجب يتطلب من دول الخليج ذلك، ولكن حين تنهب المساعدات وتسرق الهبات وتختلس القروض مع مشاعر سلبية من الجحود والنكران، فإن دول الخليج لن تستمر في تغذية الفساد والنهب في هذه الدول، فقد ولى عهد وجاء عهد جديد، وعلى من يريد المساعدة أن يساعد نفسه أولاً بالشفافية والمحاسبة والجدوى لقنوات صرف المساعدات، يعني “لازم يرسو على بر”.