أخطر أسلحة أمريكا والصدام الكبير
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

الثائر –

إذا كانت الحرب هي امتداد للسياسة ونتيجة لفشل الدبلوماسية، فإن جوهر الحرب هو اقتصادي، والسباق في السيطرة على ثروات العالم.

نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في أن تصبح الاقتصاد الأول في العالم، وجعلت عملتها عملة عالمية، وركيزة لاحتساب باقي العملات وتبادل أهم السلع، خاصة النفط، ونجحت في تحريرها من التغطية الذهبية أيضاً، وباتت تطبع منها قدر ما تشاء، فأصبحت الدولة الأقوى والأغنى في العالم.

واليوم أكثر من 80% من التبادلات التجارية في دول العالم تتم بالدولار الأمريكي، وتبلغ التبادلات اليومية بالدولار أكثر من 8 ترليون دولار.

وبالإضافة إلى السيطرة الأمريكية على البنك الدولي وصندوق النقد، سيطر الدولار على الأسواق العالمية، ولم يتمكن اليورو من إزاحته عن عرشه، حتى داخل الاتحاد الأوروبي. أما التداول باليون الصيني، فلم يتجاوز 5,6% من حجم المبادلات الدولية.

كما أن دولاً مناهضة لأمريكا، كروسيا والصين والهند وإيران، كلها تحتفظ بكميات كبيرة من الدولار الورقي، ولديها احتياطات كبيرة بالدولار ، ويصعب عليها فكّ ارتباطها بهذه العملة.

أن تطبع قدر ما تشاء من الأوراق التي لا قيمة فعلية لها ،وتشتري بها قدر ما تشاء من خيرات الشعوب، فهذه عبقرية تفوق الخيال، لكنها من عقل شيطاني، وسرقة موصوفة تفوق الخيال أيضاً، تحوّلت بفضلها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى أكبر وأخطر إمبراطورية مُستعمِرة لدول العالم.

فإذا لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية الحاكم السياسي والعسكري للعالم، فهي بدون شك نجحت في أن تكون الحاكم المالي، وهذا جعلها طبعاً تمتلك أخطر الأسلحة على الاطلاق، وهو سياسة فرض العقوبات وتحطيم اقتصادات ونقد أي دولة، خاصة أنها تقود مجموعة دول السبع، التي كانت وما زالت من أقوى اقتصادات العالم، وتلتزم بشكل كامل بالقرار الأمريكي.

ما أن تغضب الولايات المتحدة الأمريكية على دولة ما، حتى تجعل قيمة عملتها تتهاوى، إما بفرض العقوبات الاقتصادية عليها، أو حتى بدون عقوبات، وبمجرد مضايقات في التعاملات البنكية، كتأخير السويفت الخاص بشركاتها وبنوكها، وإجراء التدقيق والتحريات على بنوكها، وشحِّ السيولة بالدولار، وهذا ما حدث للعملة الإيرانية والفنزويلية والروسية والسورية واللبنانية والمصرية والتركية وغيرها.

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أصبحت أمريكا الحاكم المطلق في العالم فتجاوزت الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتصرفت بعنجهية واستبداد، وفرضت عقوبات أحادية على عدّة دول، وأصبح سيف العقوبات سيفاً مسلطاً على رقاب شعوب العالم، وتحوّل فجأةً إلى أخطر أسلحة أمريكا.

لم تستخدم أمريكا الأسلوب التقليدي للاستعمار، لكنها تحولت إلى أكبر امبراطورية مالية ومستعمرة العالم، تبيع أوراق خضراء لا قيمة لها، وتشتري بها كل ثروات الشعوب، حتى أنها سيطرت على ذهب أوروبا ومعظم دول العالم.

للوهلة الأولى يبدو أن أمريكا لا تخسر شيئاً باستخدام سلاح العقوبات، لكن لاحقاً ظهر جلياً أنه سلاح ذو حدين، وتلك النشوة في الإدارة الأمريكية بفعالية العقوبات والإفراط في اللجوء إليها، بدأت تضرُّ بأمريكا وحلفائها، وبدرجة كبيرة.

لقد زادت النقمة العالمية على سياسة العقوبات الأمريكية، التي غالباً يدفع ثمنها الشعب وليس الحكام في الدول المعاقَبة، وبدأت دول عديدة تفكّر بالتخلص من هيمنة الدولار.

وإذا كانت الدول الصغيرة عاجزة عن فعل ذلك، لكن هذا لا ينطبق على الدول الكبرى، التي باتت تخوض الآن معركة شرسة للتخلص من الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي.

لقد فتحت العقوبات الأمريكية على روسيا والصين باب الصراع على مصراعيه، وبدأت معركة الدولار، فلجأت أكثر من 40 دولة إلى التعامل بالعملات المحلية في تبادلاتها التجارية، ولكن الصعوبات التجارية أصبحت تدفع باتجاه البحث عن عملة عالمية بديلة للدولار.

وهذا ما سيبحثه قادة دول البريكس في الاجتماع المقبل المقرر في ٢٢-٢٤ آب في جنوب أفريقيا، إضافة إلى طلبات من ٢٢ دولة للانضمام إلى التكتل الذي وفق تصريحات مندوب جنوب أفريقيا أنيل سوكلال: “أن بريكس ليست مجرد “قوة سياسية تحاول تغيير خطوط الصدع في مجال السياسة العالمية، بل تغيّر أيضا ما يحدث في الفضاء الاقتصادي على مستوى العالم”.

ليس من السهل الاستغناء عن الدولار، فهذه عملية معقّدة جداً، تحتاج إلى نظام عالمي جديد، وقوة اقتصادية هائلة، بدأت مع بنك التنمية الصيني، لكن ما زالت تحتاج إلى كثير من العمل والإجراءات.

لن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية بخسارة مصدر قوتها الأول، فهي تبيع للدول أوراقاً خضراء، وتشتري بها كل ثروات الدول، ولقد سخّرت ترسانة عسكرية هائلة لحماية هذا السلاح الناعم، المثالي في الهيمنة على العالم.

لكن يبدو أن شعوباً عديدة ودولاً قوية باتت رافضة لهذا الاستبداد الأمريكي، ومستعدة للتصدي له ولو باستخدام الأسلحة الفتاكة، ورغم أنها ما زالت تصارع وتتقبل الخسائر، كما يحصل مع الجيش الروسي في أوكرانيا اليوم، لكن لا ضمانات باستمرار تحمّل المزيد من الخسائر.

الغرب يضغط بكل طاقته على روسيا والصين، وإن كثرة الضغط قد تسبب الانفجار، ويبدو أن الصدام الكبير بين القوى العظمى بات قاب قوسين أو أدنى. فإمّا أن تتراجع أمريكا وتعقد صفقة مع روسيا والصين، لتشكيل عالم جديد متعدد الاقطاب، يحفظ مكانة أمريكا في الصدارة، ويضمن مصالح الكبار، أو أنها ستستمرّ في ضخ مزيد من الأسلحة في الحرب الأوكرانية، وربما قريباً إلى تايوان، وصولاً إلى الصدام المباشر، الذي قد يكون مدمراً أكثر بأضعاف مما شهد العالم من ويلات وحروب في القرن العشرين.

إنها الحرب دون محرمات، فلقد سقط النظام العالمي الذي أرسته الدول المنتصرة في عام 1945، وبتنا أمام أخطر مرحلة في تاريخ البشرية، تشبه الرقص على حافة الهاوية، واللهو والتهديد بأزرار ملونة حمراء، لكنها نووية هذه المرة، وقد لا تُبقي ولا تذر شيئاً من هذا العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى