تعقيب على رد «الصندوق الكويتي» ووقف مساعدات لبنان
بقلم: بدر خالد البحر

النشرة الدولية –

القبس –

في العاصمة البريطانية بمنتصف السبعينيات، أقام مدير الصندوق الكويتي للتنمية حفل استقبال لشخصيات بريطانية بحضور السفير ومرافقيه. وبين هدير الأحاديث وقرقعة الأواني، قال لبعض الحضور: «الصندوق مستقل عن الخارجية، وسياساتنا وقراراتنا نتخذها وحدنا، وسفيرنا معزوم بالحفل كصديق، ولو سألني ماذا تفعل هنا سأقول له هذا لا يعنيك»، ثم تعالت الضحكات! عبارة رسخت في ذاكرة أحد الدبلوماسيين المرموقين في الحفل وظلت عالقة بذهنه لنصف قرن، حتى نقلها لنا ونحن جالسون على مائدة مستديرة اتفقنا فيها على أن العبارة كانت خاطئة من حيث المبدأ، فالصندوق يجب ألا يكون مستقلاً، بل ذراع للدبلوماسية والسياسة الخارجية الكويتية، على أن تشكل مساعداته عامل ضغط تستجيب له الدول المستفيدة، وقد أشرنا إلى ذلك في مقال منتصف العام الماضي، بعنوان «الصندوق الكويتي والإرهاب وميشيل بيك»، حين انتقدنا مدير الصندوق آنذاك لقوله «إن مساعدات الكويت لا ترتبط بفرض سياسات معينة»، واعتبرناه خطأ جسيماً وكلاماً غير حصيف لا تفعله الدول العظمى، فالصندوق ليس جمعية خيرية، واقترحنا لذلك حظر تمويل الدول التي تضم قوى سياسية وعسكرية ارتكبت أعمالاً إرهابية ضد الكويت، ويأتي في مقدمتها بعد العراق، لبنان، لوجود «حزب الله» فيه كأكبر مسيطر على قراره السياسي والحليف الرئيسي لإيران، اللذين يتشاركان بتاريخ من عشرات العمليات الإرهابية ضد الكويت منذ الثمانينيات، بتفجير مواقع ومصارف وسفارات واختطاف طائرات، ومحاولة اغتيال الأمير وقتل وإعدام كويتيين بأيادي قياداتهم، إرهاب استمر ليومنا هذا، كالعملية الإجرامية الأخيرة التي أدينت بها خلية العبدلي! كما تعد قوى لبنانية المصدر الأول لمخدرات الكبتاغون، بحسب آخر إحصائيات، في سعيها لتدمير شباب الخليج!

***

جاء رد الصندوق الكويتي للتنمية على مقالنا الأسبوع الماضي بكل مهنية، متضمناً دعوة كريمة يشكر عليها المدير العام بالوكالة، كما نشكر الأخ وزير الخارجية على هذه الاستجابة السريعة لتساؤلاتنا، حين أوضح الصندوق أن مبالغ إعادة بناء الإهراءات وأضرار انفجار مرفأ بيروت جاءت من إعادة تخصيص ما تبقى من منحة سابقة قدرها ثلاثون مليون دولار لبناء متحف بيروت التاريخي، بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية، وأنها مساهمات معلنة في الصحف وموقع الصندوق ووكالات الأنباء. وعليه، فنحن نغلق هذا الملف بغض النظر عن وجهة نظرنا بعودة محمد الصباح.

وتثبيتاً لما ذكره الصندوق في رده مشكوراً بأن قيمة المساعدات هي معلومات منشورة، فنحن نؤكد ذلك لعلمنا المسبق بها منذ ثلاث سنوات لورودها بتصريح المدير السابق للصندوق في أغسطس 2020، وكنا قد كتبنا عنها العام الماضي، إلا أن ما ورد في مقالنا الأسبوع الفائت من تساؤلات كان عما أثاره تصريح وزير الاقتصاد اللبناني الذي على الإخوة بالخارجية التدقيق فيه جيداً مرة أخرى لقوله: «عرفت أن في صندوق التنمية الكويتي في أموال موجودة يمكن بشخطة قلم اليوم يؤخذ قرار أن ابنوا إهراءات لبنان، بيروت وطرابلس»!! أي أنه طالب ببناء إهراءات بيروت وطرابلس، بينما كان رد الصندوق واضحاً بأن الثلاثين مليوناً مخصصة لإعادة بناء الإهراءات بمرفأ بيروت فقط، ولكن الوزير بتصريحه يؤكد علمه بوجود أموال إضافية تكفي لبناء إهراءات طرابلس أيضاً والتي تفوق تكلفتها وحدها عشرين مليون دولار! فكيف ادعى معرفته شخصياً بوجود أكثر من خمسين مليون دولار بينما كان المخصص ثلاثين فقط؟! مما يجعلنا نعود إلى المربع الأول بتوجيه أسئلتنا هذه المرة إلى الوزير اللبناني ليشرح كيفية معرفته بوجود مبالغ تفوق ما تم تخصيصه؟!

ومن المضحك أنه طالب أيضاً بجزء من حصة مخزون مصر الإستراتيجي للقمح، فأثار غضب المصريين، لنلفت انتباه رئيس وزرائهم القادم إلى ضرورة عدم عودة هذا الوزير للحكومة بعد تأجيجه الشارع العربي وإحداثه شرخاً بالعلاقة مع الكويت وإساءته لوزارة خارجيتنا، مما يجعلنا نطالب البرلمان والحكومة بوقف هذه المنحة لما تشكله الأحزاب اللبنانية المعادية من خطر على الكويت، كما ذكرنا آنفاً، وضرورة تجميد المساعدات لوصولها إلى قرابة المليار دولار، إضافة إلى وقف الازدواجية حين يساعد الصندوق الكويتي لبنان بمئات الملايين، ثم يقوم الصندوق العربي للإنماء، الذي تساهم فيه الكويت بالحصة الأعلى بنحو %26، بتقديم المساعدات للبنان أيضاً!

ونقولها مرة أخرى إن علينا عدم جعل ملايين الكويت كالأكسجين الذي يبقي الإرهاب في لبنان على قيد الحياة ليعود فيضربنا مرة أخرى، وحتى يجيب وزير الاقتصاد عن أسئلتنا، وحتى يُنزع سلاح «حزب الله» ويكبح الإرهاب، فعلى الكويت وقف مساعداتها للبنان.

***

انتهت جلستنا على المائدة المستديرة بقناعة عدم جدوى استمرار الصندوق في هدر أصول بستة مليارات دينار، ونحن في ذيل ركب التنمية، لننفقها على بعض الدول التي هي الأكثر عداء لبقائنا على الخريطة.

****

إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي.

زر الذهاب إلى الأعلى