خريطة طريق لتنفيذ القرار 1559 والمنطقة الحرة في لبنان (1)
بقلم: وليد فارس
في بيروت اتجاهان يقرران مصيرها لا ثالث لهما إما أن يستكمل "حزب الله" سيطرته الكاملة على الدولة وإما ألا يحدث هذا
النشرة الدولية –
تتكلم واشنطن عن لبنان وكأنه مستقر ولديه فقط “بعض المشكلات” وتسعى باريس إلى إقناع النواب بانتخاب رئيس مقبول من كل اللبنانيين ليبدأ ضخ الغاز ويتأسف معظم العرب على عدم قدرة اللبنانيين على إيجاد حلول تعيد بلادهم إلى زمن الفرح والازدهار، أما إسرائيل، فتحمل كل اللبنانيين مسؤولية وجود ميليشيات “حزب الله” وتعد بمعاقبة كل لبنان إذا دخلت في حرب مع الحزب.
إيران من ناحيتها لا تجادل أحداً في ما يختص بمن يدير تلك البلاد، فبالنسبة إلى طهران “حزب الله” هو لبنان، وهذا الأخير جزء من محور الممانعة الذي يقوده آية الله خامنئي وانتهى الموضوع، ومن يعارض ذلك هو “حليف للصهيونية أو عميل لها”.
وإذا انتقلنا إلى الاستماع لآراء اللبنانيين أنفسهم، نرى انقساماً عمودياً عميقاً بين معسكر يستعمل لغة خشبية واحدة هي الخطاب العقائدي لـ”الميليشيات الخمينية” التي فرضته على شركائها ومحورها بشكل ثابت ويصف لبنان بقلعة تقف بوجه “الصهيونية والاستكبار”، وفي المقابل هناك أصوات من كل حدب وصوب تعارض “حزب الله” من منطلقات مختلفة وبتفسيرات متباينة ولها اقتراحات متناقضة وتواريخ وسيرات متواجهة وما يجمعها هو معارضة المعسكر الإيراني، ومن بين أعضائها من هو مستعد لصفقات مع الحزب على رغم انتقاده له، وبكلام آخر يشكل فوضى في المعارضة.
وفي ظل التعقيدات والمواجهات الإقليمية الدائمة التطور، ما هي السيناريوهات الممكنة أو المطلوبة للبنان؟
اتجاهان وسيناريوهات متعددة
من يتابع الصراعات في لبنان منذ انتهاء الحرب الباردة وحسم الحرب اللبنانية في (1990 – 1991)، وإن التهى بسراديبها اللامتناهية والمعقدة، يفهم أن هناك اتجاهين أساسيين يقرران مصير هذا البلد، لا ثالث لهما. إما أن يستكمل “حزب الله” سيطرته الكاملة على الدولة اللبنانية، أرضاً وشعباً ومؤسسات، وإما ألا يسيطر.
بين الاتجاهين عالم من الـ”ستاتيكو” المتبدل، فاتجاه الميليشيات الإيرانية للسيطرة تطور وتمدد لأكثر من ثلاثة عقود، أي منذ “انتهاء” حرب لبنان وانطلاقة حكومة اتفاق الطائف وانكسار الجيش اللبناني في 1990 ونزع سلاح القوات اللبنانية وسائر الميليشيات الحزبية في 1991، وأدى ذلك عملياً إلى انتصار المحور الإيراني – السوري في لبنان، فالجيش السوري لم ينسحب كما نص اتفاق الطائف وميليشيات “حزب الله” لم تسلم سلاحها وباتت الجمهورية اللبنانية تحت احتلال عسكري لـ15 سنة، وبات السيناريو عملياً إقامة مستعمرة خمينية في لبنان.
أما في المقابل الآخر، فكانت أشلاء المعارضة مبعثرة وغير قادرة على التصدي لمشروع إيران حتى عام 2004، عندما تمكن لبنانيو الخارج من الاستحصال على قرار بسحب قوات الأسد ونزع سلاح الميليشيات.
وبات السيناريو المضاد لقوى المحور هو الانتفاضة على الاحتلال السوري ونزع سلاح الحزب بين 2005 و2008، إلا أن ما عرف “بحركة 14 آذار” فشلت في مسعاها لإلغاء الميليشيا الإيرانية، معتمدة فقط على “تدخل خارجي” من دون عمل داخلي، إذ إن “ثورة الأرز” التي انطلقت بعد صدور القرار الدولي وانفجرت شعبياً بعد اغتيال (رئيس الحكومة السابق رفيق) الحريري لم تصل إلى حد الإعلان عن منطقة حرة تسمح بحشد الطاقات لتحرير كل لبنان في ما بعد.
أدى ذلك إلى شن حملة عسكرية لـ”حزب الله” عبر احتلال الجزء السني من بيروت والهجوم على المناطق الدرزية في الشوف، وتبع ذلك خطأ كبير من “14 آذار”، لا سيما قياداتها المسيحية التي سارعت إلى مؤتمر الدوحة حيث تنازلت الطبقة السياسية لـ”حزب الله”.
ومنذ 2008، سقطت الدولة نهائياً بيد المحور لأكثر من عقد.
مبادرة “المنطقة الحرة“
بعد فشل الثورة الشعبية الثانية ضد المنظومة الحاكمة في لبنان خريف 2019 بسبب فوضوية الحراك ورفضه التحرك دولياً واختراق المحور له، لم يعد هناك خيار عملي للخروج من مأزق حكم “الحزب” إلا خياراً واحداً، وهو الاتكال على الذات لتحقيق هدف محدود ومرحلي عبر مطالبة المجتمع الدولي بالعمل على دعم اللبنانيين “السياديين” في إقامة منطقة خالية من الميليشيات تحت مظلة القرار الدولي 1559 وبحماية الجيش اللبناني وربما وجود لوحدات دولية.
في مذكرة تقدمت بها هيئات غير حكومية في الاغتراب إلى أعضاء في الكونغرس الأميركي خلال أبريل (نيسان) 2021، تم توضيح للمجموعة النيابية للبنان في مجلس النواب الأميركي أن هناك خريطة جغرافية سياسية لما قد سمي “المنطقة الحرة” المقبلة، وهي بتلخيص شديد ستضم كل المناطق الخارجة عن مربعات الحزب الأمنية، وبالتالي مرشحة لتضم بيروت الإدارية والجبال من جزين إلى عكار والساحل من العاصمة إلى الحدود السورية بما في ذلك طرابلس.
كما قد تضم المنطقة الآمنة أجزاء من البقاع الجنوبي والأوسط والجزء الغربي من شمال البقاع، وإذا حسبت مساحاتها، فقد تخرج 68 إلى 70 في المئة من الأراضي اللبنانية من سلطة الميليشيات إلى حماية الجيش، كما أنها شكل من أشكال الحرس الوطني المحلي تحت وزارة الدفاع.
وبالأهمية نفسها ربما ستقع رئاسة الجمهورية والحكومة والوزارات الأساسية بما فيها الدفاع والخارجية والمالية والداخلية والمصرف المركزي في المنطقة الحرة، وكذلك مرفآن أساسيان ومطاران، وفي الأقل 150 كلم من ساحل لبنان وطوله 210.
هذا يعني أن المناطق التي لا يملك فيها الحزب قواعد شعبية أو قتالية، هي أكبر مناطق لبنان، وإذا قامت منطقة حرة ضمن الجمهورية اللبنانية، فلن تخرج من هذه الجمهورية بل ستتحول إلى قلبها بانتظار الحل النهائي للأزمة اللبنانية، ومنطقة كهذه لن تكون صعبة التنفيذ ولكنها ليست مستحيلة إذا طبقت شروطاً معينة، وأهمها قرارات سياسية حازمة للمعارضة اللبنانية. وهنا لب الموضوع، فإذا لم تثِب المعارضة بكل مكوناتها باتجاه كهذا، فالحزب في طريقه للإطباق على معارضيه. وليست الصدامات الأخيرة في الشوف وخلدة وعين الرمانة وجرود بشري بين الأهالي والميليشيات إلا مؤشرات على الآتي، وهو الأعظم.
فالميليشيات تنخر في الجبال وتتمدد في الأحياء والبلدات، لذا فإن فإقامة منطقة حرة في لبنان لم يعد خياراً يتم التفاوض عليه، أو اعتباره “أحد” الحلول المبقية لإنقاذ لبنان من الاضمحلال، فهذا الخيار بات “الوحيد الممكن” على رغم صعوباته قبل الانحلال النهائي.
إنه الدواء النهائي وطعمه مر بسبب تقدم الداء بالعمق وفشل المعارضة في حسم خياراتها منذ 2005 على رغم ظروف مواتية وثغرات واسعة لدى المحور لـ18 عاماً.
لكن يسأل السائلون، لو افترضنا أن لا خيار إلا هذا، فمن أين يبدأ اللبنانيون؟ وكيف يردعون “حزب الله” من ضربة كهذه؟ ومن سيقف معهم ومن سيتخلى عنهم؟ وما هي خريطة الطريق التنفيذية الناجحة؟
والحقيقة أن أسئلة كهذه واقعية ومشروعة، والإجابة عنها ضروري، ولكن السؤال الأكبر يبقى حول قرار السياديين أنفسهم، هل توصلوا إلى حسم أمرهم؟ هل يعتقدون بأن الانتظار “لتتحسن الظروف” خيار أفضل؟ هل أن لسياسييهم حسابات مختلفة؟
فأية خريطة طريق تبدأ بقرار الخروج من الـ”ستاتيكو” أولاً، وإذا تم اتخاذ القرار عندها لا بد من الإجابة عن الأسئلة أعلاه، وهو ما سنعرض له في مقالة تالية.