النفط بين إيران والصين
بقلم: أنس بن فيصل الحجي
الولايات المتحدة تتجاهل تطبيق العقوبات في فترات ارتفاع الأسعار
النشرة الدولية –
تلاشى مخزون النفط الإيراني العائم بعد شحن أغلبه إلى الصين، ولهذا انعكاسات سياسية واقتصادية، ومن يظن أن بيع المخزون الإيراني تم على رغم العقوبات وغصباً عن الأميركيين، سيتفاجأ بأنه بيع وتم شحن جزء من صادرات النفط الإيراني إلى أوروبا بتنسيق مع إدارة بايدن!
وهناك عُرف في الصناعة أن أي مادة نفطية تكون موجودة في حاملة نفط وتبقى الناقلة في مكانها لفترة تتجاوز الأسبوع، يتم تصنيف النفط على أنه “مخزون عائم”.
اشتهرت إيران في السنوات الماضية بأن لديها أكبر مخزون نفطي عائم في العالم، وتفيد البيانات أن أغلب هذا المخزون من المكثفات، وهي سوائل غازية. وارتفع هذا المخزون في بعض الفترات ليتجاوز 80 مليون برميل. هذه ليست المرة الأولى التي تملك فيه إيران مخزوناً عائماً، بل تشير البيانات إلى ارتفاعه في أوقات معينة وانخفاضه وتلاشيه في فترات أخرى. وهناك أربع حقائق في هذا المجال:
1- عندما يزيد إنتاج إيران من الغاز بسبب زيادة الطلب الداخلي وزيادة الطلب في الدول المجاورة، بخاصة في فصل الشتاء، يتم إنتاج كميات كبيرة من المكثفات لا سوق لها، فتلجأ إيران إلى تخزينها في سفن ضخمة قديمة.
2- تشير البيانات إلى وجود علاقة عكسية بين المخزون العائم وأسعار النفط، فإذا انخفضت الأسعار ارتفع المخزون، ما يوحي بأنه ليس لدى الإيرانيين الرغبة في بيع نفطهم بسعر رخيص، وإذا ارتفعت الأسعار باعوا المخزون، ما يوحي بأنهم يحاولون الاستفادة من الأسعار المرتفعة، ولكن يمكن النظر لهذه العلاقة من منظور آخر: انخفاض الأسعار يعني انخفاض الطلب، ومن ثم لا يوجد سوق لهذه الكميات، فيتم تخزينها. وارتفاع الأسعار يعني زيادة الطلب على النفط، فيتم بيع المخزون.
3- تشير البيانات إلى وجود علاقة بين ارتفاع المخزون وتشديد العقوبات على إيران، وانخفاض المخزون مع إرخاء العقوبات، سواء كان ذلك رسمياً أو غير رسمي، ولكن حتى هذه النقطة يمكن النظر لها من وجهة نظر أخرى: الولايات المتحدة لا ترغب في أسعار نفط عالية، ومن ثم تتجاهل تطبيق العقوبات في فترات ارتفاع الأسعار!
4- تحاول إيران البيع لمن يعطيها مقابلاً نقدياً أو عينياً، وليس لدولة تحجز الأموال في بنوكها التزاماً بالعقوبات، ومن ثم لا تحصل الحكومة الإيرانية على الأموال مباشرة، وإنما تحصل عليها في المستقبل بعد انتهاء العقوبات. لهذا تفضل التعامل مع الصين، ولا تفضله مع الهند، مثلاً.
كيف تلاشى المخزون العائم على رغم العقوبات؟
تشير البيانات إلى أن المخزون العائم بدأ ينخفض في مارس (آذار) 2022 حتى تلاشى أخيراً، هذا يعني أن إيران بدأت ببيع مخزونها تزامناً مع بيع الرئيس الأميركي جو بايدن للمخزون النفطي الاستراتيجي، على رغم رفض دول “أوبك”، بخاصة دول الخليج، طلبات الإدارة الأميركية بزيادة الإنتاج. باختصار، رفضت الدول العربية الاستجابة لطلبات الحكومة الأميركية واستجابت لها الحكومة الإيرانية!
إدارة بايدن تجاهلت العقوبات التي أعادها الرئيس السابق دونالد ترمب على إيران في أواخر عام 2018 لثلاثة أسباب، أذكرها حسب تسلسلها الزمني:
1- إبقاء الحكومة الإيرانية على طاولة المفاوضات في محاولة للتوصل لاتفاق بشأن برنامج إيران النووي، هذا أمر مهم بالنسبة إلى الرئيس بايدن، لأن العودة لاتفاق 2014 كان من أساسيات برنامجه الانتخابي عندما كان مرشحاً رئاسياً ضد الرئيس ترمب.
2- الحاجة للنفط الإيراني في أوروبا بعد فرض الحظر النفطي على روسيا ورفض دول الخليج زيادة الإنتاج.
3- التفاوض بشأن السجناء الأميركيين الخمسة في السجون الإيرانية.
مع ارتفاع أسعار النفط بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، بدأت إيران ببيع مخزونها العائم، وكانت ستبيعه سواء حصلت على ضوء أخضر من حكومة بايدن أم لا، ولكن وجود ضوء أخضر سهل أموراً كثيرة، منها تحويل شحنات لدول أوروبية عدة، ومع ارتفاع أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة تسارعت وتيرة البيع.
أغلب صادرات إيران تذهب إلى الصين بطرق مباشرة وغير مباشرة، وما تعلنه الصين رسمياً من ورادات نفطية من إيران هي الواردات المباشرة، وهي أقل من نصف ما تستورده الصين فعلاً من إيران، واردات الصين الرسمية لا تشمل ما يمر عبر دول أخرى، ولا يشمل النفط الذي يتم نقله من سفينة إلى أخرى في وسط البحر. وكانت شركة “إنرجي أوتلووك أدفايزرز” الاستشارية قد نشرت تقريراً من فترة، شرحت فيه كيف يتم شحن النفط الإيراني إلى المياه الماليزية، ثم ينقل النفط من سفينة إلى أخرى، حيث تقوم السفينة الثانية بنقله إلى الصين على أنه نفط ماليزي، ويسجل في ملفات الجمارك الصينية على أنه واردات من ماليزيا.
وبناء على ذلك قامت شركة “كبلر”، وهي شركة متخصصة بمتابعة السفن عالمياً، بتجميع كافة المعلومات عن واردات الصين من إيران بشكل مباشر وغير مباشر، واستنتجت أن واردات الصين من إيران زادت بشكل كبير في الفترات الأخيرة، ووصلت إلى أكثر من 1.5 مليون برميل يومياً.
وبالنظر إلى بيانات “كبلر” للواردات النفطية والمخزون، يتضح أن هناك علاقة عكسية بين مستويات المخزون العائم في إيران وواردات الصين من إيران، وبين ارتفاع الواردات وزيادة المخزونات في الصين، هذا يعني، نظرياً، أنه تم نقل المخزون الإيراني العائم إلى مخزونات الصين بشكل مباشر أو غير مباشر، ويقصد بغير مباشر هنا أنه تم استهلاك النفط الإيراني بينما تم تخزين نفط دول أخرى.
أخيراً، ما النتائج الاقتصادية والسياسية لتلاشي مخزون النفط العائم في إيران؟ أهم النتائج أن أثر أي زيادات في صادرات إيران النفطية في أسواق النفط انتهى تماماً، وبهذا فإن أي اتفاق أميركي مع إيراني بشأن برنامجها النووي لن يؤثر في أسواق النفط، ومن ثم فإن الرئيس بايدن لن يحصل على أي فوائد “نفطية” من توقيع اتفاق نووي مع إيران، إلا أنه حقق ما يريد من طريق اتفاق غير مباشر بشأن أمور أخرى، منها زيادة الصادرات الإيرانية تزامناً مع السحب من المخزون الاستراتيجي الأميركي للتعويض عن خسائر النفط الروسي، ومنع أسعار النفط من الارتفاع وقت الانتخابات الأميركية، وفي محاولة لتخفيض التضخم في الولايات المتحدة.