نحو تجديد العمل الثقافى فى العالم الإسلامى.. رؤية أردنية حققتها هيفاء النجار
بقلم: حسين دعسة

النشرة الدولية –

الدستور –

بكل وعي وفكر استراتيجي، منفتح ومتنور، كانت وزيرة الثقافة الأردنية، هيفاء النجار،  تضع أمام صناع القرار في العمل الثقافي العربي والإسلامي، في المؤتمر الثاني عشر لوزراء الثقافة في العالم الإسلامي، الذي عقد في قطر، بعنوان مؤثر وحضاري وتجدد، باحثًا في إشكالية فكرية: “نحو تجديد العمل الثقافي في العالم الإسلامي”، تضع تحديات ومتغيرات  الواقع الثقافي في ظلال العديد من الإشارات والتنبيهات الدولية حول الأثر الثقافي وقوة التغيير في هذا العالم ثقافيًا وفكريًا وفنيًا واقتصاديًا.

* اهتزازات وتناقضات فكرية خطيرة

 

تقول الوزيرة الأردنية هيفاء النجار: إن المتتبع لأحوال أمتنا؛ يلحظ بوضوح ما يتعرض له العالم بأجمعه من اهتزازات وتناقضات فكرية خطيرة، تتجلى في شتى مظاهر الحياة السياسية والفكرية والثقافية، جاء ذلك بحضور الشيخ عبدالرحمن بن حمد بن جاسم آل ثاني، وزير الثقافة في دولة قطر، والأستاذ الدكتور سالم بن محمد بن مالك، مدير عام منظمة الإيسيسكو، والوزراء من العالم الإسلامي، والعديد من النخب الفكرية والثقافية، والمنظمات الدولية والإسلامية والأممية.

وفي التفاتة مقدرة مثمنة، العنوان المهم والذي يتصل بمفهوم مُلِح، ونحن أحوج ما نكون إليه في الألفية الثالثة، وهو الأمر الاستراتيجي، الذي يمنح الهوية الثقافية ومدى أصالتها مع وجود خطر الاهتزازات والتناقضات الفكرية والحضارية الخطيرة بحق.

* أبعاد التغيرات وحولها

ارتقت الأستاذة الوزيرة النجار، في خطابها لتبيان تلك الأبعاد والتغيرات وفق  مفهوم أساسي، هو أن: لم يأخذ هذا التغـير بعدًا واحدًا أو حقلًا واحـدًا، وإنما تعددت أبعاد التغيرات وحقولها، وهو ما يدعو إلى:

* أولًا:

ضرورة التنسيق المشترك، وبناء الرؤى الموحدة واجتراح المبادرات.

 

* ثانيًا:

التفكير خارج الصندوق للإفادة من التطورات التكنولوجية واستخداماتها الإيجابية، وهي التي تتيح فهم متغيرات العصر ومميزات الواقع وخصائص الحياة الحضارية.

* ثالثًا:

مدى ما تنعكس عليه هذه الأبعاد على الأجيال والمجتمعات.

* عن تجديد العمل الثقافي

في المجتمعات الثقافية وعبر الإرث والتراث البشري، كانت الرؤى الثقافية تنبع من أصالة حضارية وفكر إنساني وعمل إبداعي متواصل، ومن المؤكد، تنبه وزيرة الثقافة في الأردن، إلى أن المدخل الرئيسي لعملية الإصلاح لا بد أن يمر بتجديد العمل الثقافي، حيث إن الثقافة تمثل الرابط الخفي بين كل الأبعاد الإنتاجية، وهي التي توازن بين المنتج المادي والروحي/ الروحاني، وتصوغ قيمنا وتعيد إحياء معارفنا بما يتحقق في تجديد شرط إنتاجنا الثقافي.

وتقرأ بوعي، وحوار بناء “أبرز العوامل التي تستدعي تجديد العمل الثقافي في العالم الإسلامي”- كظاهرة – تسارع التحولات الفكرية والتغيرات التي طرأت على مفهوم الثقافة نفسها.

.. كيف تم ذلك؟!.

تجيب الأستاذة النجار، من واقع خبرة ثقافية وعمل متواصل، أن الأمر، يفهم – عمليًا وحضاريًا وتنمويًا- نتيجة للتحولات التكنولوجية والمؤسسات الإعلامية وفضاءات الميديا وشبكات التواصل الاجتماعي، وتنوع مصادر المعرفة وتعدد أطياف النسيج الذي يتكون منه العالم الإسلامي والذي يشكل قوة لمجتمعاتها.

* الرؤية والتشخيص والحوار المطلوب

جوانب الكلمة التاريخية التي خصصتها وزيرة الثقافة هيفاء النجار، أمام مؤتمر وزراء الثقافة في العالم الإسلامي، تركز على أن على صناع القرار  وعى الدور المأمول لتشخيص حقيقة واقع العمل الثقافي الإسلامي الذي سيقودنا نحو تلمس التحديات الداخلية والخارجية التي يمكن أن تواجهنا، ووضع الحلول اللازمة وصولًا إلى عملية تجديد شاملة مبنية على أسس ومفاهيم تتماشى مع العصر الحديث، ولا تتقاطع مع الخطاب المبني على القيم الفاضلة والأخلاق الرفيعة.

.. وتؤشر: فالتجديد الثقافي يمثل مشروعًا حضاريًا رائدًا يحتاج في صياغته إلى المراجعة النقدية والحوارات المعمقة والانحياز للعقل والعقلانية.

.. وبالتالي يمكن بيان أهم قضايا التجديد الثقافي على النحو الآتي:

1- الإيمان التام بثوابت الأمة وقيمها وتراثها ومنتجها المعرفي.

2- التركيز على القيم الأخلاقية الإسلامية والعودة بفهم جديد ومعاصر في إطارها العربي والإسلامي.

3- ضرورة العمل على الإصلاح الشامل (السياسي، والاقتصادي، والإداري والتعليمي، والاجتماعي).

4- مواجهة التيارات الفكرية المتطرفة.

5- بلورة مشروع إسلامي ثقافي حضاري إنساني متكامل ليكون قادرًا على الحفاظ على هوية الأمة، ويستفيد من وسائل العولمة وتقنيات الحداثة.

 

* بعث الحياة الثقافية العربية والإسلامية.

ما جاء في خصوصية الخطاب المطلوب، تعامل الوزيرة النجار مع حقيقة، لا بد من تأصيلها تقوم على:

أن التجديد الثقافي المطلوب، لا يعني خلق منظومة فكرية جديدة لا تمت بصلة إلى قيمنا الأصيلة، وإنما يعني إزالة ركام الشوائب التي لحقت بها، والعمل على بعث الحياة الثقافية العربية والإسلامية من جديد، وإعادة صياغة منظومتها المعرفية، بأمل تأسيس خريطة ثقافية جديدة، يشترك الجميع على قاعدة الوطن والأمة في رسمها، مستندين في سبيل تحقيق ذلك إلى لغة الحوار والتفاهم والانفتاح وقبول الآخر وجودًا وفكرًا، فلا بعث حضاريًا، بدون تجديد ثقافي وفكري مثلما أن التجديد هو شرط البعث الحضاري وطريقه.

.. وتابعت، بلغة ذكية، تلفت إلى حقيقة وطنية وسيادية إذ: لا شك في أن اعتزازنا بهويتنا التاريخية والجغرافية يجب أن تترجم إلى رؤى ومنجزات على أرض الواقع، فالإرث الثقافي والفكري الذي نمتلكه جدير بأن يضعنا في مصاف الدول المقدرة لتراثها العريق.

* الأمن الثقافي

في دعوتها الفكرية والثقافية، كان هم الأمن الثقافي، يتسيد رؤيتها في حاضر ومستقبل العمل الثقافي في العالم العربي والإسلامي، وقالت:

علينا التعامل مع مختلف المستجدات والتحديات الثقافية والفكرية الداخلية منها والخارجية خاصة تلك التي تمثل خطرًا على الأمة ووحدتها وحاضرها ومستقبلها وهويتها الدينية والحضارية وتشكل تهديدًا لأمنها الثقافي والروحي والفكري والاجتماعي ورصيدها القيمي وتقدمها وإسهاماتها الحضارية.

في الفهم التنموي الحضاري الأصالة والتفاعل الثقافي مع الآخر، ومع الإبداع ومع الواقع المُعاش، ركزت الوزيرة هيفاء النجار إلى حاجتنا الأساسية، التي تبرز في هذا العصر، وهي: الحاجة الملحة لبلورة رؤية شمولية لحماية التراث الثقافي العربي والإسلامي، وفي المقدمة منها التراث المقدسي في إطار المحافظة على التراث الإنساني ومكافحة التطرف والطائفية والإرهاب، ومواجهة التحديات التي تعيق التنمية لا سيما الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، الذي يعد آخر الاحتلالات التي لا تزال باقية في عالمنا هذا حتى اليوم.

* مبادرات  التسامح الوسطية والتشاركية

 

لقد كانت للأردن تجربة مهمة في بث قيم التسامح والوسطية والتوازن والتشاركية  من خلال رسالة عمان التي صدرت في بيان التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر 2004 (27 رمضان 1425 هـ) من قبل الملك عبدالله الثاني بن الحسين من الأردن، والتي تشكل مرتكزًا لمنظومة قيمية إنسانية جامعة، وبحسب نصوص كلمة الوزيرة النجار، هناك “مبادرة “كلمة سواء” التي تجلت في الرسالة المفتوحة التي وجهها مجموعة من دعاة الإسلام إلى كبار رجال الدين المسيحي بعد خطاب لبابا الفاتيكان، وحظيت المبادرة برعاية مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي بالأردن بالتنسيق مع مؤسسة طابة بأبوظبي، وهي المبادرة التي تدعو للسلام والتعايش بين المسلمين والمسيحيين، وتدعو لإيجاد أرضية مشتركة بين المعتقدين قائمة على وصيتين: حب الله وحب الجوار”.

وقالت إن الأردن؛ الذي واجه الكثير من التحديات بشجاعة وصبر ونبل ووعي ومسئولية، سيبقي مخلصًا لينبوع قيمه وثقافته العربية الإسلامية بانتمائه الأصيل، ومخلصًا لقضايا أمته، وفيًا لأمانة الوصاية الهاشمية على المقدسات العربية الإسلامية والمسيحية في بيت المقدس وتاريخه وتراثه المعماري ورمزيته القدسية، التي حملها سليل الدوحة الهاشمية  الملك عبدالله الثاني.

في الأثر والخلاصة:

يحتاج عالمنا العربي والإسلامي، إلى مفاهيم جيوسياسية  ثقافية، تعزز التشاركية والرؤى الحضارية وتعيد مجدها الثقافي ودورها في التنمية ونشر السلام والتسامح والحوار، ما يصل لثقافتنا نحو هوية لها حضورها ومكانتها بين الأمم والشعوب.

زر الذهاب إلى الأعلى