لبنان: بداية مرتبكة جداً لتطبيق ضريبة أرباح الأسهم والسندات والفوائد المصرفية المحصّلة في الخارج

النشرة الدولية –

نداء الوطن – باتريسيا جلاد

ليست الضريبة على إيرادات رؤوس الأموال المنقولة الأجنبية، بالمادة الضريبية المستجدّة على باب ضريبة الدخل والمطروحة للتداول اليوم من باب زيادة إيرادات الدولة اللبنانية بالعملات الأجنبية. فتلك الضريبة، منصوص عليها في قانون ضريبة الدخل منذ العام 1959 وتحديداً في الباب الثالث منه، من المادة 77 الى المادة 82. ونصّت تلك المواد على أن كلّ مقيم على الأراضي اللبنانية، يستحصل على إيرادات من رؤوس أموال منقولة كعائدات الأسهم التي تأتيه من شركات اجنبية وسندات أجنبية أو فوائد عن حسابات مصرفية في الخارج، تخضع لقاعدة سنوية ضريبية بمعدّل 10%. أما التصريح عنها فمن المفترض أن يكون قبل بداية آذار من كل عام يتبع سنة التكليف على أن يكون التسديد قبل بداية نيسان، واذا لم يتمّ تسديد الضريبة تستتبعها غرامة التحصيل وغرامة التحقّق لغاية التسديد. والمفارقة أنه لم يُقدم يوماً المقيم والمكلّف اللبناني على تسديدها إلا في حالات نادرة، ودخلت طيّ النسيان.

إدراج ثم إعفاء ثم إدراج بعد حملة تنديد

أما اليوم فالدولة تفتّش عن ايرادات جديدة، فأعادت طرح الضريبة على رؤوس الأموال المنقولة الأجنبية والتي أثارت طوال الشهر الماضي ردود فعل سلبية خصوصاً عندما سحب مجلس الوزراء المادة الخاصة بتطبيقها من الموازنة في محاولة لوقف سريان الضريبة للفترة السابقة لسنة 2022، ليكون السياسيون والنافذون بمنأى عن تلك الضريبة، وعدم الكشف عن حساباتهم. وقام مجلس الوزراء عند إقرار مشروع قانون موازنة 2023 بالاعفاء من ضريبة ايرادات رؤوس الأموال المنقولة الأجنبية العائدة للسنوات 2021 وما قبل. فقامت حملة ساهمت فيها «نداء الوطن» تندد بذلك الاعفاء، فعادت الحكومة وأدخلت المادة الأساسية التي كانت موجودة في قانون موازنة 2023، والتي وضعتها وزارة المالية وتفرض بموجبها تسديد الضريبة على المكلفين بالنسبة لكل السنوات التي لم تسقط بعامل مرور السنة ولغاية سنة 2022،

وتمّ اعتماد النص الأساسي كما كان وارداً قبل تغييره وتعديله والذي نصّ على إعطاء الأشخاص الطبيعيين والمعنويين المقيمين في لبنان الذين يخضعون لأحكام المادة 82 من قانون ضريبة الدخل، مهلة لغاية 2023/12/31 للتصريح وتسديد الضريبة عن إيرادات رؤوس الأموال المنقولة على اختلاف أنواعها التي حصلوا عليها من الخارج، والتي لم تسقط بعامل مرور الزمن ولم يصرّحوا عنها ولم يسدّدوا الضريبة المتوجبة عليها ضمن المهل القانونية،… من دون أن تفرض عليهم أي غرامة تحقق أو تحصيل. على أن يتم التقيد بأحكام المادة 87 من القانون النافذ حكماً رقم 10 تاريخ 2022/11/15 (قانون الموازنة العامة 2022) لجهة تسديد الضرائب المتوجبة بنفس العملة التي تحققت فيها الإيرادات.

وأبدت مصادر معنية مخاوف على سرية المعلومات… فهناك هواجس من التسريب وسوء الاستخدام ضد هذا وذاك، وحذر من استنسابية ممكنة في التطبيق على غرار ضرائب اخرى كثيرة تجبى من جهات دون اخرى. الى ذلك هناك سيطرة لجهة معينة على وزارة المالية (حركة أمل) تثير شكوكاً سياسية كما مخاوف من سوء ادارة تطبيق هذه الضريبة. يضاف الى ذلك معوقات مثل النقص في الاجهزة التقنية وغياب ما يسمى الغرف السرية الخاصة بالمعلومات الآتية من الخارج. وهناك اسئلة مثل: هل ستتعاون المصارف الدولية وترسل المعلومات الى لبنان بوضعه الحالي وتعثر مصارفه واداراته؟ وماذا عن الازدواج الضريبي وكيف يمكن تفادي ذلك في ظل عدم تطابق الدول الموقع معها لبنان؟ هل في الوزارة اصحاب اختصاص CRS في الوقت الذي لا يأتي فيه موظفون الى الوزارة بسبب تدني الرواتب؟ فضلاً عن شكوك مشروعة حول ما اذا كانت الحكومة اعادت العمل بتلك الضريبة من باب «رفع العتب» فقط بعد تعرضها لحملة عندما حاولت الاعفاء.

فتح حسابات بالعملة الأجنبية للدولة تمهيداً للتحصيل بالعملة نفسها

ويقول المحامي كريم ضاهر رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين «عدّلوا بعض النقاط التي كانت أشارت اليها الجمعية، من حيث المخالفات ووجوب ربط تدابير بقانون الإجراءات الضريبية…، وأخذوا بملاحظاتنا وبما اوصينا به أساساً عندما عدّلوا بالنص وأجروا المخالفة الكبيرة التي اعترضنا عليها كإتلاف للمحاسبة وضدّ التفلت من العقاب».

وأوضح المحامي كريم ضاهر لـ»نداء الوطن» أنه «في العام الماضي كانت تسدّد الضرائب بالليرة اللبنانية وكان التصريح عن الضريبة يتمّ ورقياً من دون أية معوّقات، أما للعام الجاري فتغيّرت الأمور مع صدور تشريع جديد يسمح لوزارة المالية بتحصيل بعض الإيرادات والضرائب بالعملة الأجنبية».

فقانون الموازنة العام الماضي رقم 10 تاريخ 15/11/2022 النافذ حكماً، سمح في المواد 19 و 87 منه، بفتح حسابات بالعملة الأجنبية للدولة اللبنانية وتحصيل بعض الإيرادات والضرائب بالعملة نفسها اي بالعملة الأجنبية، ومنها إيرادات رؤوس الأموال المنقولة في الخارج التي تشمل بما تشمله عائدات الأسهم والسندات والفوائد.

وبذلك اذا كان الربح على سبيل المثال بقيمة 100 ألف دولار ونسبة الضريبة 10%، أي ما قيمته 10 آلاف دولار، وبما أنه لا يمكن تحويل المبلغ الى ليرة لبنانية عملاً بالأحكام القانونية الجديدة، يترتّب تسديدها بالعملة الأجنبية أي بالدولار الأميركي.

ضاهر: عدم إنجاز البرنامج المعلوماتي وغياب التقنيات ذات الصلة

لكن المشكلة هذه السنة كما يقول ضاهر هي في «عدم وجود برنامج قبض بالعملة الأجنبية جاهز لتسديد المكلّف الضريبة بالعملة الأجنبية، فلم يستطيعوا إنجاز البرنامج المعلوماتي الخاص والتقنيات المعلوماتية ذات الصلة قبل بداية آذار ولغاية تاريخ اليوم، ناهيك عن مشكلة مستجدة في إحتساب الرسم المالي المتوجب وبالتالي لم يستطيعوا قبض تلك المستحقات، لذلك يتمّ التمديد لمهلة تقديم التصاريح كل شهر بشهره. وكان التمديد الأخير الأسبوع الماضي اذ أصدر وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، قراراً مدّد بموجبه «لغاية 31/10/2023 ضمناً، مهلة تقديم التصريح عن إيرادات الأسهم وسندات الدين الأجنبية ومختلف إيرادات رؤوس الأموال المنقولة الأجنبية الأخرى العائدة لسنة 2022، التي يتوجب على أصحابها أو المستفيدين من ريعها المقيمين في لبنان التصريح عنها إلكترونياً بموجب النموذج «ث4/ج»، عملاً بأحكام المادة 82 من قانون ضريبة الدخل وتسديد الضريبة».

يوسف الخليل ليس جاهزاً بعد للإصلاح الضريبي الحقيقي

مهلة التصريح والدفع لضريبة إيرادات رؤوس الأموال

فمن بداية آذار ولغاية اليوم تصدر وزارة المالية قرارات تمدّد بموجبها مهلة دفع الضريبة، وهذا الإجراء يفتح الطريق أمام إجراء مقاربة كاملة لهذا الموضوع. علماً أنه استناداً الى ضاهر فإن «فترة التصريح عن الضريبة تبدأ قبل أول آذار من كل سنة بالنسبة الى إيرادات السنة التي سبقتها، وبالنسبة الى مهلة الدفع فهي قبل أول نيسان. وبذلك يكون الحدّ الأقصى للتصريح تحديداً في 28 شباط والحدّ الأقصى للدفع قبل 31 آذار، تمدّد دائماً المهل بعد التغيير الذي حصل العام الماضي بقانون موازنة 2022، الا ان هذا الأمر يتطلب نظاماً جديداً للدفع بالعملة الأجنبية».

واستناداً دائماً الى المادة 87 المعطوفة على المادة 19من قانون موازنة 2022 النافذ حكماً، فقد سُمح للمكلّفين تسديد الضرائب والرسوم بالدولار أو بأي عملة أجنبية، فتودع بالعملة نفسها نقداً في الحساب الخاص لدى مصرف لبنان. ويقول ضاهر، يعني ذلك أنه يمكن للدولة استيفاء الضريبة بعملة الإيراد التي قد تكون بالدولار أو باليورو، ولكن يتطلب ذلك نظاماً معيناً للدفع والتصريح على منصة وزارة المالية، ولغاية الساعة هناك صعوبة بإدخال ذلك النظام حيّز التطبيق. والصعوبة التي استجدت ليس من حيث التسديد بالعملة الأجنبية فحسب، وإنما بالنسبة للطابع المالي، ومن غير المعلوم وفق أي سعر صرف سيسدد»، وهذا الأمر خلق مشكلة كبيرة عرقلت آلية التنفيذ، لذلك يؤجلون بدء العمل بضريبة رؤوس الأموال المنقولة بالعملة الأجنبية من حين الى حين ومن شهر الى شهر، هذا موضوع تقني وليس موضوعاً مبدئياً».

CRS وضريبة رؤوس الأموال المنقولة

حول ذلك يقول ضاهر إن ضريبة رؤوس الأموال المنقولة الأجنبية والمحقّقة من المقيمين اللبنانيين في الخارج، ليست CRS. فالـ CRS ترتبط بتبادل المعلومات الضريبية بين الدول الأعضاء على اساس قاعدة سنوية ومعايير موحدة للبيانات المالية ويتمّ الإلتزام بها تبعاً للإتفاقية المتعلّقة بالسلطات المختصّة، وهي تعني بالإنكليزية Common Reporting Standard.

وأضاف: وقّع لبنان في العام 2017 على معاهدة تسمح له وفقاً للقانون 55 في 27/10/2016 بتبادل المعلومات غبّ الطلب وتبادل المعلومات الأوتوماتيكية التلقائية. الأمر الذي يسمح للبنان اذا التزم كل المعايير، أن يتلقى على القاعدة السنوية التلقائية في مهلة لا تتعدى 30 أيلول من كل سنة كل المعلومات عن حسابات تتعلق بالمقيمين في لبنان من قبل الدول المتواجدة فيها تلك الحسابات والمتعاقدة معه وهي 67 دولة اليوم.

ولمزيد من المعلومات حول التعاون الدولي في المجال الضريبي ومدى انعكاساته على الساحة المحلية، والـCRS التي تثير لغطاً من قبل حتىّ المشرّعين ونواب الأمة، أعد المحامي ضاهر الدراسة التالية التي تعرضها «نداء الوطن»، ليكون الرأي العام على بيّنة من مسألة تبادل المعلومات مع سائر الدول وهي نقطة أساسية في تحصيل الضريبة على رؤوس الأموال المنقولة الأجنبية.

كريم ضاهر

دراسة كريم ضاهر

لعب كل من التبادل التجاري الدولي والعولمة دوراً مهماً على صعيد تمكين العديد من الأفراد والشركات من تحقيق وحيازة ثروات وإدارة ذمم مالية مهمة خارج النطاق الإقليمي لدولة الإقامة، من خلال مصارف ومؤسسات مالية متواجدة في بلدان مصنفة أغلبها على انها جنات ضريبية؛ مما سمح لهؤلاء ولعقود بإبقاء تلك الأرصدة مكتومة والأرباح المحققة والمتراكمة غير خاضعة لأي ضريبة بسبب التناقضات التي كانت تعتري الأنظمة الضريبية الدولية والتباينات بين معايير الإقامة والإقليمية وسواهما.

ولم تفلح مساعي الدول للتقارب والتعاون التقني في المجال الضريبي للحدّ من هذه الظواهر إلا بعيد الأزمة المالية لسنة 2008 وتطبيق الولايات المتحدة بصورة أحادية نظام الإمتثال الضريبي FATCA الذي يفرض على المصارف والمؤسسات المالية تزويدها بالمعلومات المالية العائدة إلى رعاياها والمقيمين لديها، وذلك دون أي موجب من قبلها للتعامل بالمثل. وهذا ما حمل بقية الدول وسيما منها الأوروبية إلى السعي الحثيث لتوحيد جهودها وحذو حذو الولايات المتحدة لجهة تطبيق أنظمة إمتثال وتبادل وشفافية مماثلة وإنما مع فارق اساسي، وهو التبادل المباشر (direct) والمتبادل (réciproque) بين الحكومات.

مع الإشارة إذا لزم، إلى أن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) كان قد سبق لها ووسعت نطاق مفهوم التهرب الضريبي بحيث اعتبرته «ناتجاً عن كل عمل يقوم به المكلف بخلاف القانون عندما يمكن إثبات أن هذا الأخير كان هدفه التهرب من الضريبة».

أ‌- الإتفاقية المتعددة الأطراف للتعاون التقني في المجال الضريبي

بعد تفعيل التعاون الدولي لمحاربة التهرب الضريبي في العقدين الماضيين، جرى، سنة 2010، تطوير وتعديل المعاهدة القديمة المتعددة الأطراف للتعاون التقني في المجال الضريبي والمعروفة باسم:

Multilateral Convention on Mutual Administrative Assistance in Tax Matters (the “Convention” ‘MAC”)”

وقد هدف هذا التعديل بصورة رئيسية، إلى إدخال المعايير الجديدة المعتمدة من قبل منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية (OECD) وسيما ما يعرف بمعايير الترقب (foreseeably relevant standard) كما والسماح للدول غير المنضوية في منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية بتطبيق تلك المعاهدة بصفة عضو.

وقد أوجبت هذه المعاهدة على الأعضاء تزويد المعلومات الضريبية والمالية، العائدة لمقيمي ورعايا الدول الأعضاء الأخرى المستقصية، غب الطلب (upon request) دون قيد أو شرط (وسيما لجهة السرية المصرفية)، وأحياناً بصورة عفوية (spontaneous) في حال توفرّ الظروف لذلك، لكي تتمكن الدولة مقدمة الطلب من تطبيق قوانينها الضريبية بصورة فعالة والحدّ من التهرب الضريبي. كما أن المعاهدة تتضمن أيضاً أحكاماً وشروطاً تحفظ سرية المعلومات وضوابط عدم إستعمالها بصورة غير مشروعة للتهديد أو التوعد.

أما التبادل التلقائي (automatic exchange) فهو يفترض وفقاً للمادة 6 من المعاهدة عينها توقيع اتفاق خطي ثنائي أو متعدد الأطراف بين دولتين أو أكثر أعضاء في المعاهدة مع الآلية والإجراءات التي يحددانها. وعليه، ومنذ ذلك الحين أصبح هناك آليتان للتبادل والتعاون:

– الأولى: ناتجة عن تطبيق أحكام المعاهدات الدولية الثنائية لتبادل المعلومات الضريبية (TIEA) أو لتفادي الإزدواج الضريبي (DTT) وسيما احكام المادة 26 النموذجية. ومن المعروف أن لبنان مرتبط لغاية اليوم بأربعة وثلاثين (34) معاهدة لتفادي الإزدواج الضريبي أهمها مع فرنسا وإيطاليا والإمارات وقبرص.

– الآلية الثانية: هي التي تحددها وتسمح بها المعاهدة أعلاه (MAC) التي تلعب دور المعاهدة المتعددة الأطراف والتي تجيز للدول الأعضاء تبادل المعلومات في ما بينها غب الطلب وعفوياً وفقاً للآلية التي تحددها. أما تاريخ دخولها حيز التطبيق فهو في بداية الشهر الذي يلي إنقضاء ثلاثة أشهر من تاريخ توقيع الإتفاقية وتقديم مستند قبول وتصديق العضوية موقعاً من الجهة المفوضة أصولاً. وقد أصبحت نافذة بالنسبة إلى لبنان منذ تاريخ 12/5/2017 بعد توقيعه الإتفاقية التي أجازها القانون رقم 55 تاريخ 27/10/2016 لتبادل المعلومات الضريبية.

الإتفاقية المتعلقة بالسلطات المختصة

بالرغم من التقدم الكبير في التعاون والتنسيق، لم يُكتفَ بذلك من قبل كل من مجموعة دول العشرين (G20) ومنظمة التعاون والتنمية الإقتصادية (OECD) اللتين بعيد إقرار قانون الإمتثال الضريبي الأميركي FATCA وتحت ضغط الدول الأوروبية الخمس الكبرى (G5)، أقرّت واعتمدت سنة 2014، عن طريق ما يسمى بالمنتدى الدولي للشفافية وتبادل المعلومات (Global Forum)، معاهدة جديدة عُرفت بالإتفاقية المتعلقة بالسلطات المختصة Multilateral Competent Authority Agreements (MCAA) التي اعتمدت مبدأ التبادل التلقائي للمعلومات (automatic exchange) بين الدول الأعضاء على أساس قاعدة سنوية ومعايير موحدّة للبيانات المالية Common Reporting Standard (CRS).

غير أن تطبيق هذه المعايير وإجراء التبادل كان يستلزم مقدماً اتخاذ تدابير ناجعة من قبل بعض الدول الأعضاء لتعديل قوانينها وأنظمتها حيث تدعو الحاجة لكي تتلاءم مع هذا المعطى الجديد، سيما لجهة تأمين الشفافية التامة للولوج إلى المعلومات وتطبيق ما يسمى بالنظر من خلال (look through) الذي يسمح بالاستقصاء المعمّق لمعرفة من هم المستفيدون الفعليون من الحقوق الاقتصادية والإدارية (Controling Persons) في المؤسسات والشركات والذمم الائتمانية (Trusts) وتفنيد عدد كبير من المداخيل. وقد تجلى ذلك، وبغرض ضمان التنفيذ، باعتماد آلية للرصد والتقويم (Peer Reviews) تمتد على ثلاثة مراحل (Phases) من حيث التأكد في المرحلة الأولى بأن الدولة العضو لديها القوانين والآليات اللازمة للشفافية والتبادل الفعّال. وبالتالي، في حال المطابقة، يمكن الانتقال إلى المرحلة الثانية حيث يتم التأكد من أن التطبيق العملي يسمح من خلال تلك الأنظمة والقوانين تأمين الشفافية وتنفيذ التبادل الفعّال (وقد نجح لبنان في تخطي هاتين المرحلتين مما سمح له بتفادي العقوبات). وفي حال المطابقة (Largely Compliant) سيما لجهة موجب تأمين موجبي السرية وحماية المعلومات المتبادلة، يمكن عندها الإنتقال إلى المرحلة الثالثة وطلب تطبيق المعايير الموحدّة للبيانات المالية (CRS) بعد أن يكون قد تم تقديم طلب بهذا الخصوص من قبل البلد المختص للأمانة العامة لمنظمة التعاون والتنمية الإقتصادية (OECD)، مرفقاً به عدد من الملاحق التي تؤكد إلتزامه بالمعايير والشروط كما وقائمة بأسماء الدول التي يوافق على أن يجري التبادل التلقائي معها وتوافق على التعامل بالمثل (reciprocal).

أما في حال عدم الإلتزام بأحد معياري المطابقة الأول والثاني وعدم إرسال المعلومات المطلوبة عن غير المقيمين إلى الدول المخصوصة، فمن شأن ذلك أن يعرّض الدول الممانعة للإدراج على القائمة السوداء للجنات الضريبية أو القائمة الرمادية للدول غير المتعاونة، مع حتمية تطبيق عقوبات كالإقتطاعات الضريبية لدى المنبع على التحويلات وتخفيض التصنيف الائتماني للبلد وحظر الاستثمارات كما وتقييد للتحويلات وصولاً إلى منعها.

ب‌- المعايير المطبقة (CRS) بالنسبة للإتفاقية المتعلقة بالسلطات المختصة

عند دخول الإتفاقية المتعلقة بالسلطات المختصة (MCAA) حيز التنفيذ (التاريخ المقترح بالنسبة للبنان هو مبدئياً ايلول 2018)، يصار عندها إلى تبادل المعلومات تلقائياً بموجب المعايير الموحدّة للبيانات المالية (CRS) وفقاً لما يسمى بـ Documentary Evidence (إثباتات مستندية) التي تثبت إقامة صاحب الحساب أو الحق ومنها إفادة سكن رسمية صادرة عن سلطة مختصة (وزارة، إدارة رسمية، بلدية، وإلخ.) تفيد بالشيء ومقتضاه؛ إنما مع التمييز في الآلية بين الحسابات القديمة والحسابات الجديدة كما وتلك المتدنية القيمة أو المترفعة القيمة. غير أنه يبقى متاحاً أو حتى مطلوباً متابعة عملية الرصد والتتبع لجهة التأكد الدورية من توفّر شروط الإقامة (permanent residence address test) التي يجريها نظام المعايير الموحّدة للبيانات المالية (CRS) لتبيان وفقاً للأدلة الواردة أو المتوفرة ما إذا كان هنالك من محل أو مركز إقامة آخر مشبوه غير مقرّ الإقامة المقدم إلى المصرف (indicia search).

وإذا تبين للمصرف أن هناك تبايناً أو شكّاً في صلاحية المستندات المقدمة له، وعجز صاحب الحساب في إثبات العكس ضمن مهلة معينة (90 يوماً) عن طريق ما يسمى بعملية الـself-certification، أجيز له عندها تحويل المعلومات للدول (Reportable Jurisdiction) التي تنطبق عليها إحدى المعايير الواردة في الإختبار (indicia test). وهذا ما من شأنه أن يسمح لتلك الدول عن طريق عملية المطابقة من كشف أي محاولة للتهرب أو التملص من التصريح عن المداخيل ودفع الضرائب.

ت‌- المعوقات في لبنان… ما هي؟

بالرغم من المحاولات الجدية والسعي الصادق لتبييض صفحة لبنان الدولية وركوبه قطار التنسيق والتبادل الفعّال والبناء، إلا أنه لا يزال هناك معوقات تعتري حسن التطبيق وسيما لجهة موجب تأمين موجبي السرية وحماية المعلومات المتبادلة لتمكين لبنان الإنتقال إلى المرحلة الثالثة من آلية الرصد والتقويم (Peer Reviews) التي تتيح التبادل التلقائي للمعلومات (automatic exchange) مع الدول الأعضاء الشريكة (Partner States) التي وقع معها والتي يبلغ عددها 67 حسب آخر قرار لوزارة المالية بهذا الخصوص رقم 391/1 تاريخ 14/6/2021، وتلقي المعلومات منها على أساس قاعدة سنوية ومعايير موحّدة للبيانات المالية (CRS). علماً أنه يقوم بانتظام منذ سنة 2018 بتزويد تلك الدولة الشريكة (ومنها فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة وسويسرا وسواها) بالمعلومات المفصلة عن المقيمين على أراضيها الذين لديهم حسابات مصرفية ومصالح ذات صلة.

ومن المفيد إيضاحه، أن عدم تمكن لبنان من بلوغ المرحلة الثالثة وتلقي المعلومات عن المقيمين على أرضه بدوره من تلك الدول الشريكة مردّه عدم إنجاز خطة العمل المطلوبة من قبل المنتدى الدولي للشفافية بموضوع أمن وسلامة المعلومات. مع الإشارة إلى أن السبب المتذرع به هو التبرير التقني والمالي (كعدم توفر مبلغ زهيد لشراء برنامج إلكتروني). أما السبب الحقيقي فهو سياسي ويعود إلى عدم رغبة المسؤولين بأن تكشف حساباتهم وحسابات أزلامهم المملوكة بالمباشر أو بالواسطة والتخفي بالخارج لكي لا يُسألوا عنها ويُحاسبوا.

مع العلم والتأكيد إذا لزم، أن آلية تبادل المعلومات الضريبية أمر بالغ الأهمية، إذ إنه يتعلق من جهة بزيادة إيرادات الدولة من خلال فرض ضريبة على الإيرادات المتأتية من توظيف الأموال المنقولة في الخارج للمقيمين في لبنان، التي هي خاضعة للضريبة على الدخل بنسبة 10% سنوياً عملاً بأحكام المواد 77 إلى 82 من قانون ضريبة الدخل (المرسوم الإشتراعي رقم 144 تاريخ 12/6/1959 مع تعديلاته)، وتسدد منذ هذا العام بالعملة الصعبة بعد التعديلات الحاصلة بموجب المادتين 19 و87 من قانون موازنة سنة 2022.

ومن جهة أخرى، يتعلق الأمر بالملاحقة الجزائية لأولئك الذين يتهربون من تأدية موجباتهم الضريبية. ناهيك عن أنها قد تسمح للمتطاولين على المال العام والفاسدين من التواري والإفلات من الملاحقة في الداخل والخارج؛ وتُبرّأ، بالتالي، ذمتهم من أي مسؤولية أو ملاحقة.

Back to top button