لبنان يختنق بلاجئيه السوريين
بقلم: طوني فرنسيس

الدولة الممنوعة تجعل معالجة الكارثة مستحيلة

النشرة الدولية –

احتلت سوريا المرتبة الأولى عالمياً في تصدير اللاجئين، وبحسب أحدث أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، الصادرة في يونيو (حزيران) الماضي، فقد بلغ عدد السوريين الهاربين من بلادهم 6.8 مليون مواطن، يليهم الأوكرانيون (5.8 مليون)، ثم أفغانستان في المرتبة الثالثة (5.7 مليون).

ليس في التقرير الدولي ما يفاجئ، لجهة تعيين سوريا كأكثر الدول تصديراً للهاربين، لكن المفاجئ والمفزع في التقرير نفسه إقراره أن لبنان الدولة التي تعاني أزمات عدة، احتل المرتبة الثانية عالمياً في عدد اللاجئين على أرضه، نسبة إلى عدد سكانه، بمعدل لاجئ لكل سبعة مواطنين في آخر عام 2022، علماً أن هذه النسبة شهدت ارتفاعاً مع موجات النزوح السوري الكثيفة المتلاحقة خصوصاً في خريف 2023.

وبحسب التقرير المذكور، تستضيف تركيا العدد الأكبر من اللاجئين، أي نحو 3.6 مليون لاجئ، تليها إيران مع 3.4 مليون، ثم كولومبيا (2.5 مليون) فألمانيا (2.1 مليون لاجئ).

 

في لبنان ارتفع عدد الوافدين السوريين إلى أكثر من مليوني شخص، وفي إحصاءات أجراها الجيش والأمن العام جاء أن هؤلاء باتوا يشكلون نصف عدد السكان اللبنانيين.

وفي الآونة الأخيرة بينت تقارير لمسؤولي المحافظات والأقضية في لبنان، أن أعداد السوريين باتت تفوق أعداد السكان المحليين بأشواط في بعض المناطق، كما في محافظة بعلبك- الهرمل المحاذية لمنطقتي حمص والقلمون السوريتين.

يتندر لبنانيون أنه في إحدى قرى جبل لبنان، ونتيجة إحصاء جمعية نسائية لعدد النساء الحوامل، تبين أن بين المقيمين 38 امرأة سورية حامل مقابل امرأة لبنانية واحدة، وفي بلدة أخرى أحصي حصول عشر حالات زواج بين سوريين وسوريات مقابل حالتي زواج بين لبنانيين ولبنانيات.

والواقع أن لبنان يعاني نزوحاً وهجرة لأبنائه إلى الخارج منذ زمن طويل، وتزايدت أعداد المهاجرين اللبنانيين تزامناً مع اندلاع الحرب السورية وبدء تدفق السوريين إلى لبنان، وتفاقم إفراغ لبنان من شبابه في الوقت الذي احتدمت فيه الصدامات في سوريا، وكانت مؤسسات الدولة في لبنان تنهزم إزاء سياسات القوى المحلية.

عشية انفجار الأزمة السورية ارتأى “حزب الله” وحلفاؤه تفجير حكومة سعد الحريري لدى دخوله البيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما، الحزب المذكور جاء بنجيب ميقاتي رئيساً لحكومة ستواكب الانفجار السوري في بداياته، وستتخذ من “النأي بالنفس” شعاراً لحكومته يغطي في الواقع انخراط الحزب المذكور في معارك يخوضها بقرار إيراني في سوريا.

كانت تلك المحطة حلقة جديدة في إنهاء اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية وبنى مؤسسات الدولة الجديدة، وهي مرحلة ستؤسس لابتلاع المؤسسات نهائياً مع فرض انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية.

كان عهد عون غطاء لولاية “حزب الله” في الجمهورية، وطوال سنوات كان النزوح السوري إلى لبنان يتعاظم، الحزب يسهم في تعزيزه بسبب قتاله السوريين المعارضين في سوريا، والدولة اللبنانية المفككة على يد “حزب الله” تعجز عن وضع الخطط الملائمة للتعامل مع دفق المواطنين الجدد.

لم تعد الدولة موجودة في لبنان عندما تضخم سيل اللاجئين، كان الحزب المذكور وحده في الساحة يعرض المحروقات والدواء الإيرانيين والقرض الحسن بديلاً عن مؤسسات عاجزة.

خلال السنوات التي أعقبت الانهيار العام في 2019، لم يعد سراً حجم المسؤولية التي يتحملها “حزب الله” في قمع الاحتجاجات ضد السلطات في 17 أكتوبر (تشرين الأول) ثم في دعمه، كشريك، بقايا ممثلي سلطة بائدة ومدانة.

ربما يبدو ضرورياً الجزم بأن العمل لانهيار الدولة والفضاء اللبناني العام، كان متلازماً مع تصاعد النزوح السوري إلى لبنان، ومع ما فعله ويفعله “حزب الله” في تعطيل تجديد المؤسسات الدستورية، ومنع قيام سلطة لبنانية واحدة تتولى التعامل مع قضية كبرى طارئة كقضية النزوح السوري.

لقد استمرت قضية النزوح عامل خلاف ونقاش لبناني داخلي طوال سنوات الأزمة في سوريا، اللاجئون السوريون كانوا يتدفقون إلى لبنان في ما كان “حزب الله” يتوغل كحاكم في سوريا، هو في سوريا وسوريا تنتقل إلى لبنان، وبقي الأمر طبيعياً لدى الحزب إلى أن تفاقمت الأمور أخيراً، وعلت صرخة من تبقى من لبنانيين إزاء اجتياح سبل عيشهم وحياتهم اليومية.

كان رد العقلاء في دعوة السلطات السورية لتحمل مسؤولياتها، وتسهيل عودة مواطنيها، لكن تلك السلطات بدت غير معنية، وجعلت من “لاجئيها” أداة تستعملها في المساومة مع المجتمع الدولي، وهو ما فعلته مع لبنان نفسه في ما مضى، فلماذا الاستغراب؟

خرج الأمين العام لـ”حزب الله” عن صمته في هذه المسألة المصيرية ليطالب بفتح الطريق أمام السوريين إلى أوروبا، وإلا فلتتم مفاوضة أوروبا وأميركا على إعمار سوريا وإلغاء قانون قيصر، لم يقنع حسن نصر الله أحداً بنظريته الجديدة، وتابعت قوى الأمن مهامها بتوقيف عشرات اللاجئين الذين خططوا للذهاب إلى أوروبا.

اعتقد نصر الله أنه بدعوته فتح البحر أمام اللاجئين إلى أوروبا سيقبض ثمناً ما لقاء استضافة السوريين في لبنان، حاول أن يقلد الرئيس التركي في تهديده بفتح الحدود أمام سيل الهاربين ليصل إلى اتفاقات محددة مع الاتحاد الأوروبي، لكن نصر الله ليس أردوغان ولبنان ليس تركيا.

في تركيا دولة وحكومة ومؤسسات، أما في لبنان فدولة قضى عليها من يدعي حمايتها ويرغب بإرسال السوريين اللاجئين إليها، إلى الغرب تهديداً وابتزازاً.

ربما لم يكن منع قيام المؤسسات بدورها منذ أكثر من عقد، سوى إشارة إلى ما وصل إليه البلد اليوم، أرض رهينة في مشاريع تتناسل ولا علاقة لسكانها بها.

زر الذهاب إلى الأعلى