دراسة قانونية: ترحيل النازحين السوريين من لبنان ممكن
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر
تتفاعل قضيّةُ النزوح السوري، وتأخذ منحًى أمنيًا خطيرًا، بدأت مؤشّراته تظهر في التوترات المتنقّلة التي شهدها عدد من المناطق اللبنانية، ما ينذر بانفجار اجتماعي وأمني وشيك. لبنان الرسمي يرفع الصوت ويُطلع دول القرار على خطورة تداعيات النزوح، وما يشكّله من أزمة وجوديّة، آخرها التحذير الذي أطلقه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، خلال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، مكررًا دعوته لوضع خارطة طريق، بغية إيجاد حلول مستدامة لأزمة النزوح السوري، قبل أن تتفاقم تداعياتها بشكلٍ يخرج عن السيطرة.
مؤخرّا برزت دعوة الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله لتسهيل هجرة النازحين إلى أوروبا، معتبرًا أنّ فتح البحر أمامهم يجعل الدول الأوروبية “تأتي خاضعة إلى بيروت، لتقول ماذا تريدون لإيقاف هجرة النازحين”.
من الناحية القانونية، هل يمكن للبنان فتح البحر أمام سفن النازحين باتجاه أوروبا؟ وما هي الإجراءات القانونية التي تتيح للبنان ترحيل النازحين وإعادتهم إلى بلدهم؟
يقرأ الدكتور بول مرقص رئيس مؤسسة (JUSTICIA) الحقوقيّة، موضحًا أنّ مقترح فتح المجال البحري للمهاجرين عبر البحار يتيح لأوروبا أن تواجهه بثلاثة خيارات: الأول أن تتعامل الدول الأوروبيّة وتحديدًا المتوسطية مع لبنان تعاملًا دبلوماسيًّا وسياسيًّا، من دون أن تتخذ إجراءات بحقّه. ثانيًّا أن تتشدد في تعاملها، فتطال الإجراءات التعاملات التجارية مع لبنان والتحويلات المالية، وصولًا إلى اتخاذ تدابير دبلوماسية تجيزها اتفاقيّة فيينا للعلاقات الدبلوماسية، من استدعاء السفراء وصولًا إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، وهذا يؤدي إلى شبه حصار. والمستوى الثالث يتمثّل في رفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي، بهدف اتخاذ قرار تحت الفصل السابع، وما يليه من تدابير، كفرض حصار اقتصادي أو اتخاذ تدابير عسكرية بحق لبنان.
يضيف مرقص “من المرجّح أن تقتصر الإجراءات الأوروبية على المستوى الأول، بحيث يكون تأثيرها محدودًا، لا يصل إلى قطع العلاقات مع لبنان، وفي هذه الحالة، ربّ ضارة نافعة، بحيث يفرض لبنان تحت وطأة الهواجس الأوروبية ما يناسب مصلحته، لجهة إعادة النازحين إلى بلادهم”.
امكانات الترحيل
بعيدًا عن مقترح تسهيل قوارب النزوح إلى أوروبا، يلفت الخبير الدستوري الدكتور انطوان صفير في اتصال مع “لبنان 24” إلى أطر ثلاثة تتيح التحرك بموجبها في معالجة أزمة النزوح، أولا إمكانيّة ترحيل من دخلوا خلسة، ولا يمتلكون إقامات شرعيّة فيه، وهؤلاء أعدادهم كبيرة، وهم أيضا مستمرّون في التسلل، في وقت يحاول الجيش اللبناني الحدّ من موجات النزوح المتجدّدة قدر الإمكان. ثانيًا عدم السماح للذين يزورون سوريا بدخول لبنان مجددًا، لأنه عندها تنتفي الأسباب المتعلقة بالمخاطر حيال هؤلاء. والإطار الثالث متعلّق بالمجتمع الدولي ووجوب تحميله مسؤوليته “كون لبنان لا يمكن له أن يستضيف أكثر من 5% من عدد سكانه، في حين أن عدد هؤلاء قد يصل إلى 50%، خلافًا لكل المعاهدات المتعلّقة باللاجئين. خصوصًا أنّ الموضوع بات ينذر بحرب، وبدأنا نشهد عينة من التوترات الأمنية، وقد يتفاقم الوضع في ساعات وأيام ويخرج عن السيطرة”.
صفير يطرح علامة استفهام حيال عمل مفوضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويسأل: هل دورها يكمن في توطين النازحين في لبنان وتأمين إقامة جيدة لهم؟
دراسة قانونية
وكان مرقص قدّ أنجز دراسة قانونيّة مفصّلة، ضمّنها الإجراءات القانونيّة التي يمكن للبنان القيام بها لترحيل النازحين، استناداً إلى قوانينه الداخلية وإلى الاتفاقيات والمعاهدات الدوليّة، منها: قانون تنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه الصادر في 10 تموز 1962، والذي ينصّ في المادة 17 على “صلاحية المدير العام للأمن العام بإصدار قرارات بترحيل الأجانب في حالات استثنائيّة، حيث يشكّل الأجنبي خطراً على السلامة والأمن العام”. والمادة 32 منه التي نصّت على “معاقبة الأجانب الذين يدخلون الأراضي اللبنانية بطرق غير قانونيّة، بعقوبة الحبس من شهر إلى ثلاث سنوات والغرامة والإخراج من لبنان، فمن يدخل إلى لبنان بصفة غير قانونيّة سعياً للجوء من الاضطهاد أو بصفة غير قانونية للغرض ذاته، ويبقى في البلاد لفترات أطول من المسموح بها في تأشيرات الدخول، تتم معاملتهم على أنّهم مهاجرون غير شرعيين، ويتعرّضون للاعتقال والسجن والغرامات والإخراج أي الترحيل”.
من ضمن الإجراءات القانونية المتاحة أيضًا، قرار المجلس الأعلى للدفاع في 15 نيسان 2019 الذي قضى بترحيل المواطنين السوريين الداخلين إلى لبنان من دون المرور بالمعابر الرسمية. كما يشير مرقص في دراسته إلى أنّ لبنان لم يوقّع على اتفاقية اللاجئين الصادرة عام 1951، وليس هناك من قانون داخلي مطبّق للاجئين، الأمر الذي يحرّره من أي التزامات لمعاملتهم كلاجئين، مع إلتزامه الحفاظ على حقوقهم الإنسانية. يضاف إلى ذلك مذكّرة التفاهم التي أبرمها لبنان مع مفوضيّة الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين عام 2003، وما تضمّنته لجهة التأكيد أنّ لبنان ليس بلد لجوء، والفقرة “ط” من مقدّمة الدستور التي نصّت على رفض التوطين. في الإطار نفسه يمكن للبنان أن يستعين بما أكدّت عليه المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، لجهة حقّ الدول بموجب القانون الدولي، بطرد الأشخاص الذين يتبيّن أنّهم ليسوا بحاجة إلى حماية دوليّة، وأن من واجب بلدان الأصل أن تسترد مواطنيها بطريقة إنسانيّة تراعي كامل حقوقهم.
بالمقابل يلفت مرقص في دراسته، إلى أنّ السلطات اللبنانية ملزمة قانونًا بمنح أي مواطن سوري ترغب بترحيله الوقت الكافي للإعتراض على قرار ترحيله، وتوضيح أسباب عدم رغبته بالعودة إلى سوريا ومراجعة القضاء أو البحث عن بلد آخر للانتقال إليه. فضلًا عن وجوب الإلتزام باتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لعام 1948، والتي تنصّ على عدم جواز طرد أيّ شخص إذا توافرت لديها أسباب حقيقة تدعو إلى الإعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب.
يدرك المجتمع الدولي أنّ ملف النازحين السوريين وأعدادهم المليونيّة ومخاطر بقائهم ديمغرافيًا واجتماعيًا وأمنيًا، أكبر من قدرة لبنان على تحمّله، رغم ذلك يوصي ممثلو المجتمع الدولي بوجوب بقائهم ودمجهم في المجتمعات المضيفة، إلى حين تبلور حلّ شامل في سوريا، قد تنقضي عقود من الزمن قبل تحقيقه. بالمقابل تفعل دول القرار ما بوسعها لإبقاء النازحين بعيدًا عن حدودها، مقاربة كافية ليدرك اللبنانيون وجوب وضع خلافاتهم جانبًا والتوحّد لمواجهة خطر النزوح، لا مطالبة الحكومة بمعالجة ملف النازحين ومقاطعة أيّ جلسة تدعو إليها لهذا الغرض.