حقائق وخفايا معركة غزة وهذا ما سيحدث في الأيام القادمة
بقلم: اكرم كمال سريوي
النشرة الدولية –
بعد أسبوع على عملية “طوفان الأقصى” أسئلة عديدة طرحت، وخبايا عديدة تكشفت وسنعرض أهمها:
أثبتت تقارير أمريكية أن المخابرات الإسرائيلية كان لديها مؤشرات عديدة على تحضير حماس للعملية العسكرية، وأن نتنياهو إطّلع عليها، وانه تستر على الأمر لأهداف شخصية، فهو لم يكن يعرف حجم وتوقيت العملية، واعتقد رجال الموساد أنها ستكون عملية صغيرة مع قصف محدود بالصواريخ.
تحدثت معلومات إسرائيلية أن قادة العدو يعتقدون أن حماس ما كانت لتتمكن من تنفيذ هذه العملية النوعية بهذا الشكل، لو لم تحصل على مساعدة من الداخل، وهم الآن يبحثون عن عملاء لحماس داخل الجيش.
أمّا نتنياهو فأراد استغلال العملية لإنقاذ حكومته والنجاة بنفسه من السقوط والمحاكمة، وتوحيد الصف الإسرائيلي خلفه، ومن الواضح أنه نجح في ذلك ،ولذا هو لم يلتفت إلى تحرك أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، وحتى أنه يريد التضحية بهم، وهو غير مهتم بالدم الإسرائيلي ولا بالدم الفلسطيني الذي يُسفك، وكل ما يهم نتنياهو الآن هو أن يظهر بصورة البطل والمنتصر، ولذا هو لا يتحدث سوى عن الانتقام من غزة، في حين يواجهه ضباط الجيش ويقولون له :”انت كاذب”
نجحت حماس في توجيه ضربة مؤلمة إلى الجيش الإسرائيلي، الذي تبين أن قادته غير كفوئين ومهملين فهم وعلى الرغم من معرفتهم بخطورة الوضع على الجبهة مع غزة، سمحوا بترك العسكريين للثكنات وإقامة حفل راقص على بعد مئات الأمتار من غزة، مما سمح لمقاتلي حماس بمهاجمة ٢٢ نقطة في غلاف غزة، بما فيهم مركز قيادة الفرقة العسكرية الإسرائيلية “رعيم” وثلاث قواعد عسكرية أخرى في؛ نحال عوز، وكرم ابو سالم، وزكيم، وقتل وأسر هذا عدد كبير من الاسرائيليين.
اعتقد نتنياهو أنها فرصة سانحة لتحويل غزة من مشكلة لإسرائيل إلى مشكلة لمصر، عن طريق تهجير أهالي غزة إلى سيناء، وتنفيذ المشروع القديم بترحيلهم مقابل إعفاء مصر من ديونها، وطلب من جيشه وضع خطة شاملة لمهاجمة القطاع وتدميره بالكامل.
رفض الرئيس السيسي بشكل حاسم هذا المشروع الصهيوني، وابلغ الأميركيين بذلك وأغلق معبر رفح، واسقط خطة ترحيل الفلسطينيين. واليوم يعود وزير الخارجية الأمريكية بلينكن ليبلغ نتنياهو بأنه لا مجال لترحيل الفلسطينيين، ولا يمكن لأمريكا تغطية العقاب الجماعي والابادة لسكان القطاع، و الجرائم ضد الإنسانية كقطع الماء والكهرباء ومنع الغذاء عنهم، وبالتالي على إسرائيل السماح بدخول المساعدات الإنسانية.
لقد باتت إسرائيل في مأزق حقيقي، فصورة الجندي الذي لا يُقهر، والجيش الذي لا يُهزم، وجهاز المخابرات (الموساد) الأبرع، سقطت وتكسّرت كلوح زجاج منثور، وأصبح لا يمكن ترميمه، مهما فعلت إسرائيل من قتل ودمار في غزة.
أجّلت اسرائيل الدخول البري إلى غزة، بعد أن تبدّل المشهد، وتم تعديل الخطة من اجتياح بري لكامل القطاع، إلى عملية تشمل شمال القطاع فقط، ولكن إسرائيل المتفوقة في كافة صنوف الأسلحة تعاني من أمرين:
-الأول أن الجندي الإسرائيلي أصبح لا يرغب بالقتال ولا يريد الموت، وتم تسجيل عدة حالات هروب من الخدمة، ومنذ يومين تم قتل ضابط برصاص الجيش الإسرائيلي وهو يهرب.
-الثاني هو أن إسرائيل لا يمكنها تجاوز معادلة الدم في حرب المدن، حين تصبح قدرة تدخل الطيران والمدفعية محدودة، ويضطر جنودها إلى مواجهة مقاتلي حماس داخل الأزقة الضيقة في غزة، فحماس تملك شبكة أنفاق ضخمة تمتد لحوالي ٥٠٠ كلم، ومنها ما هو بعمق ٣٠ متراً، لا تطاله القنابل الفراغية التي تمتلكها إسرائيل، كما أن مقاتلي حماس سيقاتلون على أرض يعرفونها جيداً، وهم طلاب شهادة، وأكثر شراسة وكفاءة من الجندي الإسرائيلي، هذا إضافة إلى ميزة أن المعركة تكون دائما في صالح المدافع، بحيث يجب أن يخصص المهاجم قوة تعادل ثلاثة أضعاف القوة المدافعة.
يُقدر عدد مقاتلي الفصائل الفلسطينية ب ٤٠ الف مقاتل، ويمكن أن ينضم إليهم عدد كبير من المدنيين، وهذا يعني أنه على إسرائيل أن تخصص أكثر من ١٥٠ الف جندي لمهاجمة القطاع، وهذا يفوق عدد المقاتلين الفعليين لديها، حيث يُقدر عدد جيشها النظامي ب ١٧٣ الف جندي، يضاف إليهم ٣٠٠ الف من الاحتياط، لكن هؤلاء لا يتمتعون بالكفاءة القتالية اللازمة لخوض حرب شوارع في غزة.
أمام هذه المعطيات يضغط نتنياهو على الجيش، الذي وضع خطة هجوم محدودة على غزة، بحيث تتوغل قوات النخبة من الوسط وتتجه لمحاصرة مدينة غزة، في حين تساندها فرقة مدرعة وفرقة مشاة من جهة الشمال، ومن قاعدة نحال عوز، وتتوغل قدر المستطاع، معتمدة على أسلوب الأرض المحروقة.
يعتقد نتنياهو أن هذا الأمر سيجعله يظهر منتصراً، لكنه يخشى أيضاً أن يكون ثمن ذلك باهظاً، خاصة أنه بات على يقين أنه لا يمكن ابادة غزة وتهجير سكانها، ولا بد له في نهاية المطاف من التفاوض مع حماس، ولو على جثث الأسرى.
أما على جبهة لبنان فحزب الله يدرك حجم مسؤوليته الوطنية في هذه الظروف الصعبة، وهو لم يدخل في حرب شاملة مع إسرائيل، لكنه بعث برسائل بالنار:
أولاً لإشغال الجيش الإسرائيلي وإرباكه لتخفيف الضغط عن غزة ،
وثانياً للقول بأنه إذا تجاوزتم الخطوط الحمراء في غزة، فالمقاومة لن تقف متفرجة على إبادة الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، خاصة أن العدو سيتجرأّ بعدها على لبنان، وتصحُّ بها مقولة “لقد أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”.
الآن بات واضحاً أن معركة غزة ستكون ضمن ضوابط، ولن تتجاوز الخطوط الحمراء، وبالتالي لبنان لن يدخل في حرب شاملة.
لقد غيّرت معركة غزة المعادلات، وغير صحيح أنها مأتم الحلول، بل على العكس ستكون أول خطوة على طريق حل القضية الفلسطينية، فهناك جملة حقائق فرضت نفسها:
أولها أن الفلسطينيين ليسوا كالهنود الحمر، ولا يمكن ابادتهم وإنهاء قضيتهم، بل على العكس فهذا شعب متمسك بأرضه، وسيدافع عنها في وجه المحتل حتى تحريرها وبناء دولته وفق قرارات الشرعية الدولية.
النقطة الثانية المهمة أيضاً هي أن إسرائيل التي قامت على معادلة، تهجير الفلسطينيين واستقدام المستوطنين، وصلت الآن إلى معادلة جديدة، هي أن المئتي الف فلسطيني الذين بقوا في فلسطين عام ١٩٤٨ أصبحوا اليوم أكثر من مليونين ونصف، في حين لم يعد هناك من يهود في دول العالم يرغبون بالهجرة إلى فلسطين.
والأخطر من ذلك هو تزايد الهجرة اليهودية المعاكسة، فاليهودي يرغب العيش بسلام، وإذا لم توفّر له دولة إسرائيل ذلك فسيبحث عنه في مكان آخر.
والأهم أن الجميع يُدرك الآن أن السلام للإسرائيليين غير ممكن من دون إعطاء الفلسطينيين حقهم بإقامة دولة، ووقف لغة التحريض والكراهية عليهم، ومن المستحيل تحقيق ذلك بقوة الجيش الاسرائيلي والقتل وارتكاب المجازر اليومية.
فهذا يجعل إسرائيل، التي لم تتم إقامتها حباً باليهود بل لاستغلال فقراء اليهود في خدمة المصالح الاستعمارية للغرب، هي الآن أصبحت وبالاً عليهم، ومع استمرار سياسة القمع والعنصرية وانتهاك حقوق الإنسان،باتت تتزايد الكراهية لهم، ليس بين جيرانهم العرب وحسب، بل في مختلف دول العالم.
لذا لا بد من إنجاز السلام العادل والشامل، وبغير ذلك سيستمر هذا الصراع لعشرات السنين، وستتكرر جولة العنف و “طوفان الأقصى” مرات ومرات، لكن بانتظار تبلور الحلول وحتى تبرد الرؤوس الصهيونية الحامية، سيدفع آلاف الأطفال والنساء والشيوخ في غزة، ثمناً باهظاً، وسترتكب الآلة الحربية الفتاكة الإسرائيلية الأمريكية، مزيداً من الفضائع والجرائم بحقهم.
وفق القانون الجنائي الدولي فإن من يقدم المساعدة والتسهيلات للمجرم ويشجعه على ارتكاب الجرم، يُعتبر شريكًا في الجريمة، ويجب معاقبته. ومن هذا المنطلق يجب على المحكمة الجنائية الدولية أن تُصدر حكماً باعتقال نتنياهو وشركائه الغربيين أمثال بايدن وغيره، فهؤلاء جميعهم شركاء في قتل الأطفال وإراقة دم المدنيين الفلسطينيين العزل في الضفة والقطاع، ويشاركون ويتسترون على أبشع جرائم إسرائيل ضد الإنسانية، هذا إذا كانت فعلاً محكمة لتحقيق العدالة الدولية، وليست محكمة للاقتصاص من أعداء أمريكا فقط، وإصدار مذكرات توقيف بحق رؤساء الدول المخاصمة للغرب