“أوبك+” وأسواق النفط أمام مزيد من التحديات في 2024
بقلم: أنس بن فيصل الحجي

تحول منحنى أسعار النفط المستقبلية من النزول إلى التصاعد أحد أهم تطورات الفترة الأخيرة

النشرة الدولية –

تجتمع “أوبك+” الأحد المقبل في اجتماع عادي لتقرير مستوى الإنتاج، كما تجتمع دول “أوبك” لإنجاز بعض الأعمال الإدارية المتعلقة بالمنظمة، وهناك خلاف بين المحللين عما سيتم الاتفاق عليه في هذا الاجتماع بعد أن انخفضت أسعار النفط بتحو 13 دولاراً للبرميل في أقل من ثلاثة أسابيع.

تراجع أسعار النفط خلال الفترة الأخيرة خالف كل التوقعات، إلا أنه جاء نتيجة تطورات عدة ستلقي بظلالها على وضع أسواق النفط في 2024، وستزيد من التحديات التي ستواجهها صناعة النفط العالمية بصورة عامة، ودول “أوبك+” خصوصاً.

ومن الواضح أن دول “أوبك+” ترغب في أسعار أعلى من الأسعار الحالية ليس فقط لدعم موازناتها، ولكن أيضاً لتشجيع الاستثمار في الصناعة بغية تفادي أزمة نقص في الإمدادات.

ولعل أهم تطور خلال الفترة الأخيرة هو تحول منحنى أسعار النفط المستقبلية من الاتجاه النزولي بحيث تكون أسعار النفط مرتفعة في الشهر الأول وتنخفض خلال الأشهر التي تليه إلى اتجاه تصاعدي بحيث تكون أسعار الشهر الأول أكثر تدنياً من الأشهر التي تليه.

وهذا تطور خطر لأنه يحدد من يتحكم أو يؤثر في السوق. فالسعودية أو “أوبك” تتحكم أو تؤثر في السوق في الحالة الأولى، عندما تكون الأسعار الحالية أو أسعار الشهر المقبل أعلى مما بعدها، وإذا كان العكس فيتحكم المضاربون في السوق، وهذا يفسر لوم بعضهم للمضاربين على الانخفاض الأخير.

ولعل من أهم نتائج هذا التغير في اتجاهات أسعار النفط المستقبلية أن الأول لا يشجع على تخزين النفط ويخفض المخزونات ويرفع الأسعار، بينما يشجع الثاني على تخزين النفط لأن الأسعار في الأشهر المقبلة أعلى من الحالية فيحققون أرباحاً من التخزين، مما يؤدي إلى ارتفاع مخزونات النفط ويمنع الأسعار من الصعود.

أسواق النفط في 2024

أكبر خلاف حالياً حول 2024 هو نمو الطلب على النفط خلال أشهرها، إذ تبنت وكالة الطاقة الدولية توقعاً يخالف كل التقديرات، فترى أن النمو سيكون بأقل من مليون برميل يومياً بسبب السيارات الكهربائية وضعف النمو الاقتصادي.

ويتفق المحللون أن توقع وكالة الطاقة الدولية متطرف لخدمة أجندة معينة، بخاصة قبل مؤتمر المناخ “كوب 28” في دبي الذي سيبدأ نهاية الشهر الجاري.

 

وكل الأرقام الأخرى أعلى بكثير من بيانات وكالة الطاقة الدولية. “أوبك” ترجح أن ينمو الطلب العالمي على النفط بأكثر من ضعف ما تتوقعه وكالة الطاقة الدولية (2.2 مليون برميل يومياً)، إلا أنه في حال ركود اقتصادي عالمي فإن نمو الطلب سيكون أقل مما توقعته وكالة الطاقة، وقد يكون سلبياً.

المشكلة الآن أن المخزونات ترتفع، ووضع الصين ما زال ضبابياً والطلب في الولايات المتحدة على النفط ما زال أقل مما كان عليه في العام الماضي، والاقتصاد الأوروبي في وضع يرثى له، وأسعار خام برنت انخفضت إلى نحو 80 دولاراً للبرميل.

وعادة ما يتراجع الطلب العالمي على النفط خلال الربع الأول من كل عام، فهل تقرر دول “أوبك+” في اجتماعها المقبل خفض الإنتاج؟ هل تقوم السعودية وحلفاؤها في “أوبك+” بخفض طوعي إضافي؟ أم تبقي الخفوضات الحالية على حالها وتقوم بتمديد الخفض الطوعي الحالي إلى شهر يناير (كانون الثاني) المقبل أو الربع الأول من 2024؟

إذا تبنت دول “أوبك+” توقع “أوبك” بنمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 2.2 مليون برميل يومياً، فإن أقرب سيناريو لهذا التوقع هو إبقاء كل شيء على حاله وتمديد الخفض الطوعي إلى الربع الأول من 2024. ولكن هذا لن يغير من شكل منحنى الأسعار المستقبلية، ومن ثم يصعب على السعودية ودول “أوبك+” التحكم في اتجاهات السوق. وإذا قامت السعودية وحلفاؤها بخفض طوعي إضافي فإن هذا يعارض تقديرات “أوبك” للطلب العالمي على النفط، والواقع أن الطلب الفعلي على نفط “أوبك” والمخزونات حالياً أقل من تقدير “أوبك” له بنحو مليوني برميل يومياً، وبما أن المخزونات تزيد، فإن هذا يظهر تفاؤل تقديرات “أوبك” لنمو الطلب العالمي على النفط.

الفكرة هنا أن كل الخيارات أمام “أوبك+” صعبة، وأي قرار ستتخذه ستكون له منافع ومساوئ، ومن ثم فإنها ستتخذ القرار الذي يعتبر أخف الضررين، فالصعوبات في وجه “أوبك+” ستكون أقل إذا نما الطلب على النفط في الصين والهند ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ولكن كما ذكر سابقاً هذا محل خلاف.

روسيا وإيران وفنزويلا

ما يزيد الطين بلة أن روسيا قد توافق على خفض طوعي شكلياً فقط، خصوصاً أن موسكو تتلاعب في حصتها بأساليب شتى، وهناك صادرات لا يمكن مراقبتها على الإطلاق. باختصار، التزام روسيا ضعيف ومن المتوقع أن يبقى كذلك.

ويأتي هذا في وقت تحاول إدارة الرئيس بايدن تخفيف العقوبات على إيران وفنزويلا وزيادة إنتاجهما النفطي، وفي وقت بدأت بعض دول “أوبك” التي كانت تعاني مشكلات فنية أو سياسية بزيادة إنتاجها، وهذا يتضمن ليبيا ونيجيريا وأنغولا. ونظراً إلى أن الطلب العالمي على النفط ينخفض عادة خلال الربع الأول من العام كما ذكر سابقاً، فهل تقوم السعودية بخفض طوعي استباقي؟ أم تكتفي بتمديد الخفض الطوعي الحالي؟

بايدن والانتخابات والمخزون

أهم حدث مرتقب في 2024 هو الانتخابات الرئاسية الأميركية المقرر عقدها في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المقبل بعد سنة تماماً من الآن. والشيء المؤكد أن إدارة بايدن لن تسمح لأسعار البنزين بالتأثير في الانتخابات، لذا يتوقع أن تقوم إدارة بادين بالسحب من المخزون النفطي الاستراتيجي إذا كانت أسعار النفط مرتفعة في صيف 2024، وهي تحاول جاهدة الآن شراء أي كميات يمكنها شراؤها لرفع مستوى المخزون لأن ذلك سيساعدها في التأثير بأسعار النفط خلال الصيف المقبل.

ومن المؤكد أيضاً أنه إذا ارتفعت أسعار النفط وتجاوزت 90 دولاراً للبرميل، فإن إدارة بايدن ستلجأ إلى أساليب شتى للضغط على دول الخليج لزيادة الإنتاج. والإشكالية هنا أنه ليس من مصلحة دول الخليج أن يتحول النفط إلى كرة سياسية يتلاعب بها المرشحون لأن ذلك ينعكس سلباً على هذه الدول وعلى سمعة النفط أيضاً، في فترة يستخدم فيها التغير المناخي لمحاربة النفط. وهذا يعني أن دول الخليج قد تسعى إلى منع أسعار النفط من الارتفاع بصورة كبيرة على كل الحالات، ولكن إدارة بايدن تريد أسعار النفط في مستويات أقل من المستويات التي ترى دول الخليج أنها مناسبة.

وهناك إشكالية أخرى وهي مدى نمو إنتاج النفط الأميركي إذ إن هناك خلافاً كبيراً بين المحللين.

فهناك من يرى أنه سينخفض، وهناك من يرى أنه سيبقى قريباً من مستوياته الحالية، وهناك من يرى أنه سيزيد بصورة كبيرة، وأي تغيير في الإنتاج سيؤثر في صادرات النفط الأميركية ولن يؤثر في الإمدادات الداخلية، ومن ثم يؤثر مباشرة في توزان الأسواق العالمية.

خلاصة الأمر أن قرار “أوبك+” في اجتماعها المقبل سيكون صعباً بسبب تعدد التحديات وأحجامها الكبيرة، وفي وقت سيكون السيناريو الأرجح هو إبقاء كل شيء كما هو عليه، ثم إعلان السعودية تمديد الاتفاق الطوعي لشهر يناير المقبل أو الربع الأول، فإن أي خفض طوعي إضافي خلال الربع الأول لن يكون مفاجئاً.

 

زر الذهاب إلى الأعلى