نظرية تعدد الأقطاب وحرب غزة
بقلم: رومان حداد

النشرة الدولية –

كثر الحديث خلال السنوات الخمس الماضية عن أن العالم لم يعد قابلاً لنظام القطب الأوحد، وأن هناك قوى صاعدة ستعيد للعالم توازنه عبر ما يُسمى تعدد الأقطاب، وأن كلاً من الصين وروسيا قادرتان على نقل العالم من عالم أحادي القطب تتحكم به الولايات المتحدة الأميركية إلى عالم متعدد الأقطاب تلعب فيه الصين وروسيا دوراً موازياً لدور الولايات المتحدة.

مؤيدو هذه النظرية، أقصد تعدد الأقطاب، بدأوا يؤكدون تراجع الدور الأميركي، وتصاعد الدور الصيني الروسي، وبدأوا يتبنون بعض التصورات الأخلاقية حول الأدوار القادمة التي ستلعبها الصين وروسيا لموازنة ما يرونه من تصرفات لا أخلاقية سياسية من قبل الولايات المتحدة.

وفجأة بدأ كل من يتبنى نظرية تعدد الأقطاب يستعمل (المجهر السياسي) لتضخيم أي سلوك أو حدث يدعم نظريته، وفي ذات الوقت يعمل على تصغير أي دليل يناقض هذه النظرية.

للأسف جاءت الحرب الصهيونية الغاشمة على غزة لتثبت للجميع دون استثناء أننا ما زلنا في عالم القطب الواحد، وأننا بعيدون جداً عن عالم متعدد الأقطاب، فمنذ بداية هذه الحرب، يرقب الجميع، دون استثناء، ما يصدر من تصريحات عن الرسميين الأميركيين، وما تقوم به الدولة الأميركية من تحركات، دون اهتمام لما تقوم به الصين وروسيا مجتمعتان.

فالغطاء الأميركي هو الذي منح القوة الصهيونية الغاشمة الغطاء الضروري لممارسة جميع أشكال جرائم الحرب، ولم تستطع الصين وروسيا مجتمعتان أن تؤثرا قيد أنملة بمسار الحرب، وتحولتا إلى دولتين من دول العالم الثالث، تشجبان وتعترضان، والأكثر أهمية، لأنهما اعتبرتا ما يحصل في منطقتنا بعيد عنهما جغرافياً، فلم تعتبراه أمراً يجب التفاعل معه يومياً، وبالتالي تنازلتا عن دوريهما كقطبين عالميين، واعلنتا بصمتهما وعجزهما أن العالم ما زال حتى العقدين القادمين يخضع لحالة القطب الواحد، مع بعض التعديلات الإجرائية وليست الجوهرية.

هذه النتيجة توجب علينا التعامل مع مختلف القضايا الإقليمية بصورة مختلفة، فوجود قوة عظمى واحدة عالمياً يعني أن مقاربة هذه القضايا يجب أن تأخذ بالحسبان تصور أو مقاربة القوة العطمى لهذه القضايا.

وبعيداً عن عدم قدرة كل من الصين وروسيا على اتخاذ الخطوات الضرورية لتكونا قطبين عالميين، فهما لستا كذلك اصلاً، ولا تمتلكان الشروط الضرورية لتكونا قطبين عالميين، فهما في الحقيقة تسعيان لتكونا قوتين إقليميتين مؤثرتين، وتعملان على الوصول إلى ذلك.

ولكل من كان يتوهم أن تلعب كل من الصين وروسيا دوراً مهماً في الحرب الصهيونية الغاشمة على أهل غزة، فإن عليه النظر عميقاً في موازين القوى العالمية الحقيقية وليس في موازين القوى الكلامية، كما على هؤلاء الذي يعتقدون أن كلاً من الصين وروسيا سيكونان أكثر أخلاقية في صراعنا التاريخي ضد الصهيونية ودولتها أن يتذكروا موقف روسيا من السوريين، وكيف استخدمت روسيا قوتها الغاشمة لقصف السوريين وتهجيرهم وقتلهم.

وكيف أن روسيا تسمح لسلاح الجو الصهيوني الغاشم أن يقوم بغارات على مواقع مختلفة داخل سورية، بما فيها مطارا دمشق وحلب، دون أن تعمل الأسلحة الروسية المضادة للطائرات، ولا يمكن أن يحدث ذلك دون غض نظر روسي، إن لم يكن في الأصل هناك توافق روسي صهيوني على ضرب سورية وبنيتها التحتية.

أما الصين، فتلك قصة أخرى، حيث يعاني الصينيون الذين ينتمون لإثنية الإيغور من صنوف مختلفة من انتهاكات حقوق الإنسان، كما يبدو أن القرارات في الصين تتخذ بسرية عالية، كما حدث بإقالة وزير الخارجية ووزير الدفاع الصينيين.

 

الولايات المتحدة الأميركية أثبتت أنها هي القوى العظمى الوحيدة في العالم، وأن العالم سيبقى أحادي القطب، وهو ما يجب أن نأخذه بعين الاعتبار وأن ينعكس على كيفية اتخاذ دول المنطقة لمواقفها وقراراتها.

زر الذهاب إلى الأعلى