عباس إبراهيم… “الصندوق الأسود” لمفاوضات واشنطن- دمشق السرية

لعب "دوراً متواضعاً" في إخراج فلسطينيين مزدوجي الجنسية من غزة

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

اعتبر مدير الأمن العام اللبناني السابق اللواء عباس إبراهيم، أن خريطة الشرق الأوسط على المستوى السياسي تغيرت بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي بدء العملية التي نفذتها حركة “حماس”، مضيفاً أنه يجب “أن يكون هناك معيار واحد للتعاطي في قضية واحدة هي القضية الفلسطينية، أو ما سماه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي”.

رؤية رسم اللواء عباس ملامحها في أربع حلقات متتالية نشرتها مجلة “المجلة” السعودية، موضحاً أنه لا يجوز أن تكون هناك معايير مختلفة في التعاطي مع هذا الصراع لأن الظلم مهما طال سيخلق ثورة وانفجاراً.

سوسن مهنا

وفي إطار صفقة خروج الأجانب من غزة، قال المسؤول الأمني اللبناني السابق، إنه “لعب دوراً متواضعاً في إخراج فلسطينيين مزدوجي الجنسية من غزة، تزامناً مع إخراج جرحى تعذرت معالجتهم في القطاع إلى مصر لتلقي العلاج”. وجاء ذلك بعد زيارتين واحدة إلى إيطاليا والثانية إلى قطر، إذ التقى وفداً من قيادة “حماس” لترتيب “صفقة إنسانية”، و”سيتم الإعلان عن ذلك قريباً”.

من بين تحركات اللواء عباس على الأرض أيضاً تواصله مع بعض العائلات الفلسطينية الأميركية، واتصاله بالمنسق الأميركي أموس هوكشتاين لشؤون الطاقة، الذي قال عنه، “عملنا معاً على أمور تخدم مصلحة لبنان”، وبعد 24 ساعة وافق الإسرائيليون وبدأ التنفيذ.

خطوط إيران الحمراء “للتدخل العسكري

وعما يحصل على الحدود بين “حزب الله” وإسرائيل، وجه إبراهيم كلمات إلى تل أبيب قائلاً، “أريد أن أقول للعدو الإسرائيلي إنه إذا كان وجود المقاومة مرتبطاً بموضوع مزارع شبعا، فأعتقد أن إعادة هذه الحقوق إلى لبنان، وإقفال هذا الموضوع هو بالنسبة إلى إسرائيل، أهم بكثير من استمرار (حزب الله) كحزب مقاوم في وجه الإسرائيليين”.

وأضاف، “على إسرائيل أن تقر بأن هذه المزارع لبنانية وأن تعيدها إلى بيروت لأن الثمن – وليس من باب النصح بل من باب تثبيت حقنا في هذه المزارع – الذي ستجنيه إسرائيل من إقفال هذا الملف كبير جداً”.

وأردف أن ما يحكى عن وحدة الساحات “سيصبح أمراً واقعاً عسكرياً على الأرض”، مشيراً إلى أن إيران وحلفاءها وضعوا “خطوطاً حمراء” للتدخل العسكري، بينها “منع كسر حماس” في غزة. مستدركاً أن “هذا لن يحصل”.

ورأى أن دخول “حزب الله” في الحرب أمر وارد جداً، و”طبعاً، بكل ثقة، ليس فقط (حزب الله). أنا أقول لك، لبنان وسوريا والعراق واليمن، ولا أعرف إذا كانت إيران أيضاً، لا أعرف. أنا أتكلم عن العالم العربي”.

وعن تدخل إيران بشكل مباشر عبر سوريا، أوضح أنه “إذا ذهبت الأمور إلى حد حرب وجودية لكلا الطرفين أعتقد أن هذا الأمر وارد”.

وفي ما يتعلق بإرسال الولايات المتحدة أكبر حاملتي طائرات إلى البحر المتوسط قبالة الشواطئ اللبنانية، لا يرى اللواء إبراهيم أن لذلك “بعداً عسكرياً عملياً على الأرض إنما لرفع معنويات الإسرائيليين”، مضيفاً، أن إرسال حاملتي طائرات إلى البحر المتوسط سيدفع تل أبيب إلى “مزيد من الجنون”، على حد قوله.

الحرب السورية

ومنذ بداية الأزمة السورية، لعب مدير الأمن العام اللبناني السابق دوراً بارزاً، قائلاً “لا أفشي سراً إذا قلت إن الأمن العام اللبناني استمر منذ اليوم الأول إلى لحظة مغادرتي منصبي بالتنسيق على أعلى مستوى مع الأجهزة الأمنية السورية بما يحفظ أمن البلدين”. ولفت الانتباه إلى أن دولاً أوروبية بينها فرنسا “استفادت بشكل كبير من هذا التنسيق”.

عام 2012 وقعت مجموعة لبنانية موالية للمعارضة السورية في كمين للقوات النظامية، وقتل معظم أفرادها، وكان 17 لبنانياً من طرابلس قتلوا في الكمين حينها، في منطقة تلكلخ بمحافظة حمص قرب الحدود، وكلف حينها إبراهيم من قبل السلطات اللبنانية للتواصل مع النظام السوري، وتم استرداد الجثث.

لكن الدور الكبير الذي لعبه “اللواء”، فكان مع خطف 11 لبنانياً من الطائفة الشيعية كانوا في طريقهم من إيران إلى لبنان براً، خلال مايو (أيار) 2012، في محافظة حلب عقب اجتيازهم الحدود التركية، بما عرف حينها بـ”مخطوفي أعزاز”، إذ عمل إبراهيم الذي كان على علاقة جيدة مع رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان، من أجل إطلاق سراحهم في عملية تواصل فيها مع الأتراك والقطريين والنظام السوري.

بدوره، قال رئيس تحرير مجلة “الأمن العام” العميد منير عقيقي في حديث لصحيفة “الشرق الأوسط” إن “من أسباب نجاح إبراهيم في تنفيذه الصفقات هذه هو أنه يعتبر أن الصدقية شيء مهم جداً في الحياة، والموقع الرسمي مهم أيضاً، ومن ثم العلاقة الشخصية… وهذه عناصر تساعده عندما يدخل بملف مفاوضات أن ينطلق ويستمر به”.

النازحون السوريون

وعن موضوع النزوح، أشار إبراهيم إلى أنه “ربما يكون البعض قد استغل نزوحهم ليخترق الأمن اللبناني، وينفذ أجندات خاصة بالمتطرفين داخل البلاد”. وتابع أنه لا يفشي سراً أن الأمن العام استمر منذ اليوم الأول لتسلمه مركزه، إلى لحظة مغادرته منصبه، على أعلى مستويات التنسيق مع الأجهزة الأمنية السورية، إذ استفادت فرنسا وأوروبا والعالم بشكل كبير من هذا التنسيق.

وكشف إبراهيم أن لقاءات حصلت في مكتبه “مع أشد المعارضين السوريين لمحاولة إيجاد نقاط تواصل بينهم وبين السلطات”. ورفض اتهامات وجهت إليه بتسليم معارضين سوريين إلى دمشق، قائلاً “أبداً أبداً، هذا ادعاء مردود ومرفوض… إما أن ننسق مع السلطات السورية لإلقاء القبض على إرهابيين إن كان في سوريا أو في لبنان فهذا موضوع أفتخر به. وإذا كان هؤلاء يعتقدون أن هؤلاء معارضون فأنا لا أشاركهم هذا الرأي أبدا”.

وعن تدخل “حزب الله” في سوريا، أوضح مدير عام الأمن العام السابق، أن الحزب لم ينسق مع أحد على مستوى الدولة اللبنانية، لا على مستوى الأمن العام، ولا على مستوى أعلى من الأمن العام، وصولاً إلى الصف السياسي، موضحاً أن “هذا قرار اتخذه (حزب الله) وجاهر به وقال إنه لم ينسق مع أحد”.

وأضاف أن الحزب إياه “كان يزود الأجهزة الأمنية اللبنانية، أمن عام وغير أمن عام، بملفات تتابع هذه المعلومات على أساسها، وأحبطت عمليات إرهابية كثيرة في لبنان نتيجة هذه المعلومات”.

مفاوضات مسؤولي إدارة ترمب ودمشق

وقال عباس إبراهيم، إنه نظم محادثات وزيارات متبادلة لمسؤولين سوريين وأوروبيين، منها زيارة لمدير الاستخبارات الفرنسية إلى سوريا، قبل سنتين أو أكثر، كما رتب زيارة مدير مكتب “الأمن الوطني” السوري علي مملوك، إلى روما على رغم الحظر المفروض عليه وذلك بطلب من الاستخبارات الإيطالية.

وكان مدير الاستخبارات الإيطالية زار سوريا برفقة إبراهيم، ووجه دعوة لعلي مملوك، الذي زار روما والتقى وزير داخليتها حينها.

وحول مسألة الحوار الأمني بين واشنطن والنظام السوري، أوضح اللواء إبراهيم أن مبعوثاً أميركياً يدعى مايكل أوبراين، زاره في مكتبه حين كان على رأس عمله، وكان موفداً من الرئيس الأميركي حينها، باراك أوباما، وعرف عن نفسه أنه مكلف متابعة شؤون الأميركيين المفقودين حول العالم، “ومنذ تلك اللحظة أسس لهذه العلاقة المتعلقة بالمفقودين الأميركيين أو الرهائن”.

وتحدث إبراهيم للمرة الأولى وبالتفصيل عن المفاوضات السرية بين مبعوثي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس السوري بشار الأسد في دمشق. وقال إن ترمب وافق على “شروط الأسد، بينها انسحاب القوات الأميركية من الرقة كاملة في وقتها، ورفع معظم العقوبات عن سوريا، وإعادة العلاقات الدبلوماسية، مقابل تقديم دمشق دليلاً على حياة الصحافي الأميركي أوستن تايس”.

وأضاف، “وافقوا (أي في سوريا) لكن الرئيس ترمب، وأنا في أميركا، خرج بتصريح أنه يريد أن يغتال الرئيس الأسد، فأوقفت دمشق هذا الموضوع”. وأضاف أن اللواء علي مملوك “اتصل بي طالباً تجميد كل الجهد الذي يبذل في هذا الاتجاه”.

وكان ترمب في حديث لقناة “فوكس نيوز” الأميركية، في سبتمبر (أيلول) 2020، قال إنه ناقش اغتيال رئيس النظام السوري بشار الأسد، كرد على هجوم كيماوي على المدنيين في سوريا عام 2017، لكن وزير الدفاع آنذاك جيمس ماتيس عارض الخطة.

وتابع إبراهيم، “عملنا على كثير من الملفات وصولاً إلى أوستن تايس في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، وتحديداً عام 2018”. وتايس (40 سنة) هو جندي سابق في البحرية الأميركية ومصور صحافي سافر إلى سوريا كمراسل لبعض وسائل الإعلام، على غرار “سي بي أس”، و”واشنطن بوست”.

ووفقاً لبيان مكتب التحقيقات الفيدرالي، اعتقل “تايس” عند حاجز خارج دمشق في 13 أغسطس (آب) 2012، بينما أوضح موقع “عنب بلدي” السوري، أنه التقى قبل اختفائه بمجموعة من الناشطين المدنيين وعناصر من “الجيش الحر” في مدينة داريا جنوب دمشق، وأجرى معهم لقاء حصرياً، وجهز تقريره، ثم أوصله العناصر إلى خارج المدينة، وانقطعت أخباره عقب ذلك، وظهر في تسجيل مصور بعد شهر من اختفائه، وهو مكبل اليدين ومعصوب العينين، برفقة رجل مسلح ونفى النظام السوري أي علاقة له باختطافه.

وقال حينها نائب وزير الخارجية السوري عام 2016، إن “أوستن ليس موجوداً لدى السلطات السورية، ولا توجد أدنى معلومات تتعلق به”. وعن هذا تحدث اللواء إبراهيم، قائلاً إنه عام 2021 وخلال زيارة له للولايات المتحدة اجتمع مع الأميركيين وكان أحد العناوين موضوع تايس، وأموراً لبنانية كموضوع النفط، وموضوع الكهرباء من مصر.

ويشير إلى أنه لا ينسى “حين تسبب في فتح البيت الأبيض يوم الأحد على رغم طلبه تأجيل الحديث إلى اليوم التالي، لكنهم صاروا يفتحون الأبواب والحواجز”. وأضاف “دخلت وعقدنا هذه الجلسة لأهميتها بالنسبة إليهم”.

كان هناك طلب أن يتم تشكيل وفد لزيارة سوريا، حيث كانت السيدة ديبرا تايس، والدة أوستن، تضغط على الإدارة الأميركية لتحريك هذا الملف، وعقدت جلسة مع الرئيس الأميركي جو بايدن، وبعد هذه الجلسة، وعدها الرئيس وأعطى أمراً أمامها لكل مستشاريه لكي يعملوا بأقصى ما يستطيعون لحل هذا الموضوع، لكن الأسد رفض استقبال أي وفد، على اعتبار أن الباب أقفل نهائياً.

حينها كان نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، قال في وقت سابق إن الولايات المتحدة، مستعدة للتعامل مع أي شخص يمكنه المساعدة في تأمين تحقيق تقدم نحو إطلاق سراح الرعايا الأميركيين في سوريا، وذك في معرض رده على المحادثات الأميركية السورية الجارية، في سلطنة عمان في شأن الصحافي “تايس”.

وسبق أن تحدث وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، عن دور لمسقط في المفاوضات بين واشنطن ودمشق، مشيراً إلى أنهما تبادلتا رسائل في شأن مصير الصحافي الأميركي أوستن تايس، المفقود في سوريا منذ عام 2012.

لا رئيس للجمهورية في وقت قريب

عن احتمال قريب لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، قال اللواء إبراهيم “لا، أنا أستبعد ذلك في الوقت الحاضر”، معتبراً أن ما يجري في غزة “ربما يكون عقد الأمور أكثر”. ورأى “أن السعودية وإيران والولايات المتحدة، هم اللاعبون الأساسيون في هذا الموضوع.

ومضى في حديثه، “طالما ليس هناك اتفاق، وطالما أن نتيجة ما يجري في غزة وسع الهوة والفجوة بين الولايات المتحدة وإيران، فإن هذا الموضوع أصبح أكثر صعوبة”.

وعن علاقته برئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، قال إنها “عادية جداً”. وفي ما يخص مقولة “أن يبقوا ويواجهوا حزب الله”، تابع “تفضلوا واجهوا، واجهوا معنا، لأننا نحن أيضاً لا نقبل أن يطغى حزب على الحياة السياسية في لبنان”.

Back to top button