رحلة صوب الأسرار في متحف آرمات عمان
النشرة الدولية – صالح الراشد –
أعشق هدوئها في ساعات الفجر، وأحب رؤيتها وهي تصحوا وتخلع عنها ثياب النوم، ويصيبني جنون الحياة بصخبها وحركتها السريعة، فأسير في شوارعها أتمتع بكل ما هو جميل، فهنا مطعم شعبي عمره قرن من الزمن، وفي هذا الزقاق أتناول الكنافة اللذيذة، وتجذبني محلات الملابس وهي تعرض بضاعتها بطريقة أنيقة، وتأخذني قدماي للمقاهي التاريخية صوب مقهى السنترال صاعدا درجاته، وهنا شاهدت تجمع للشباب والشابات يصعدون للأعلى ولوحة تزين المكان كتب عليها بخط أنيق متحف آرمات عمان، أعجبني الاسم والفكرة الغريبة.
عاتبت الزمن وقلت في ذاتي لماذا هذا الاندفاع للشباب صوب تدخين النرجيلة، بحيث يزدحم بهم الدرج صعوداً ونزولا صوب المقهى التاريخي، وصلت الطابق الثاني حيث المقهى ولم يختفي الازدحام بل تزايد صوب الطابق الثالث، فهاتفت نفسي إلى أين يذهبون؟، واصلت المسير معهم حتى دخلوا باب متحف آرمات عمان، وهنا زادت رغبتي في معرفة صانع الحلم الجميل وجامع الشباب على فكرة نبيلة.
وهنا قررت أن أخوض تجربة لم اعتدها ولم تخطر لي ببال، بأن أحمل حقائبي وأعود للوراء مسافراً بين الخطوط والآرمات بحثاً عن تاريخ يقودنا صوب المستقبل، وكان أول ما خطر ببالي وأنا أرتقى درجات المتحف بل هو سؤال حيرني، من هو صاحب الفكرة العجيبة؟، وماذا يُريد من صناعة هذا المتحف؟، لم يطل بي الانتظار فهي بضع درجات أصعدها لأعرف أسرار هذا المكان وسبب وجوده ومن مخترعه، دخلت المتحف وعيناي تدوران في رأسي وعقلي يخاطبني، من أين ستبدأ رحلة الماضي؟ ومن أي تاريخ ستبدأ رحلة المستقبل؟، وهنا نهض ليستقبلني مبتسماً مرحباً، عانقته بشوق وبادلني نفس الشعور، فهذا الصديق غازي خطاب الذي رحب بي في متحف آرمات عمان الذي أنشأه في وسط العاصمة الجملية عمان، ليحفظ أسرار المدينة بين جدرانه فاتحاً أبوابه لجميع من يعشقون عاصمة الحب والأمل والنهضة والبناء.
عبرت حدود الزمن واجتزت المكان ووجدت نفسي أمام صبية ترحب بالحضور بابتسامه راقية، سألتها عن إسمها فقال فلسطين، هزني الإسم فما بين الأردن وفلسطين نهر واصل من الحب والتاريخ، تركتها بهدوء لأتوه في بحر من اللوحات التاريخية للمحال والأطباء والشركات يزينون جدران المتحف وتتحدث آرماتهم عن تاريخ نهضة وطن، وعاصمة كتبت اسمها بأحرف من ذهب وكادت هذه الأسماء التاريخية أن تختفي أو ينسى الشباب تاريخهم وسط الزحام والحياة السريعة، وهنا برز خطاب خاطباً ود كل من لديه لوحة ليضعها في المتحف، وكأنه يخطب ود عروس غالية المهر من أهلها، حتى تجمع لديه لوحات عديدة سبق بعضها في التاريخ وجود بعض الدول،كدلالة على عظمة العاصمة الأردنية التي نهضت مبكراً وقبل أن تستفيق الأمة.
طفت في المكان وظننت لوهلة أنني أتجول في جامعة الدول العربية، فهذه الآرمة لعائلة لبنانية وتلك سورية وأخرى عراقية، فأدركت أن الأردن جمعت الأمة منذ ولادتها، وتعددت الآرمات فهذه لطبيب شركسي وذاك مصور أرمني وبجواره تركماني وفي الركن البعيد إيراني، شعرت بالفخر لوجود هذّه الفسيفساء البشرية التي ساهمت في بناء وطن الحب والمحبة.
سرت صوب بلكونة المتحف وشاهدت الحركة الانسيابية للسيارات في لحظات والمزدحمة في أوقات أخرى، ونظرت للجانب الآخر من الطريق فوجدت محلات الحلويات حبيبة والحلبي والقدس وجبري، وقلت في ذاتي بعد هذه الوجبة الدسمة في التاريخ لا بد من تناول الحلويات وانا في طريقي لذراع خطاب الأخرى ديوانية الخط العربي عاقداً العزم على العودة مجدداً