مذكّرة المصارف اللبنانية: لا علاقة لي بمدّخراتكم..وأستاذة قانونيّة تفنّد المغالطات

النشرة الدولية –

لبنان 24 – نوال الأشقر –

بعد أربع سنوات على احتجاز أموال المودعين، وفي توقيت البحث في هيكلة القطاع المصرفي، تمخّض “الجبل المصرفي” فولد “مذكّرة ربط نزاع”، قدّمها أحد عشر مصرفًا إلى وزارة المال. بعبارة مبسّطة، تتنصّل المصارف من خلالها من أي مسؤوليّة لها بتبديد أموال الناس ومدّخراتهم، فتقول إنّ الودائع التي استثمرتها في سندات الخزينة، هي ديونٌ متوجبّة على الدولة، والأخيرة يجب أن تعيدها لمصرف لبنان، تحت طائلة مقاضاتها في المحاكم.

توقيت مشبوه

تشوب المذكّرة مغالطات قانونية، وقبل تفنيدها، لابدّ من الإشارة إلى توقيتها بالتزامن مع فتح النقاش حكوميًا ومجلسيًا في هيكلة القطاع المصرفي، والكباش حياله، وما يستببعه من تحمّل المصارف مسؤوليتها وصولًا إلى تصفية بعضها. هو “توقيت مريب” وفق توصيف الأستاذة الجامعية والباحثة في القوانين الماليّة والمصرفيّة الدكتورة سابين الكيك “بصرف النظر عن رأينا في مشروع الهيكلة، دأبت المصارف على اتباع هذا الأداء كلما شعرت بضغط في اتجاه المحاسبة والمساءلة وإجراء تقييم مالي لها، وكان حرّي بها أن تأخذ بالاعتبار النقاط الحسابيّة تجاه مصرف لبنان التي أوردتها في مذكّرتها، عندما أقرضت مصرف لبنان وقامت بتوظيفات لجهة مخاطر عدم التسديد والحسابات المشكوك فيها

الثغرة الأولى: الحلول محل مصرف لبنان

من الناحية القانونيّة، لا يمكن للمصارف أنّ تقوم مقام مصرف لبنان بوصفه مؤسسة من مؤسسات الدولة، وأنّ تدعي باسمه على الدولة، وتطالبها بتسديد ديونها لصالح إحدى مؤسساتها. “يا لها من رعونة حقوقيّة” وفق توصيف الكيك، بحيث تصرّفت المصارف وكأنّه بامكانها أن تنوب عن مصرف لبنان لجهة المقاضاة باسم الدائن، وتناست أنّ علاقتها بمصرف لبنان ليست علاقة متساوية، ولا تحكمها المادة  276، بل هي علاقة استثماريّة توظيفيّة أو علاقة تنظيمة إداريّة، تلفت الكيك “الفريقان ليسا في نفس المرتبة القانونية، الأول أي مصرف لبنان بمثابة الهيئة الناظمة للقطاع المصرفي، إداريّا وتنظيميًّا ورقابيًّا، وحتى قضائيًّا تخضع المصارف لمصرف لبنان، ولا يمكن لها أن ترتقي لمرتبته الإدارية، وأن تحل محلّه. أيضًا لا يمكن لها أن تقاضي مصرف لبنان نظرًا للعلاقة بينهما والمحكومة بشقّين، تنظيمي إداري، ولا امكانية أمامها سوى الطعن بالقرار أمام مجلس شورى الدولة. والشق الثاني استثماري تجاري، محكوم بقواعد الاستثمار والاتفاقيات المعقودة مع المصرف المركزي. المبدأ نفسه ينطبق على مصرف لبنان، إذ لا يمكن له أن يرتقي إلى مصاف السلطات الدستورية ويشرّع”.

الثغرة القانونيّة الثانية: تطبيق النص القانوني الخاص على العام

قررت المصارف أن تقاضي الدولة باسم مصرف لبنان، مستندة إلى نص المادة 276، وهو نص قانوني من القانون الخاص، يحكم العلاقة بين دائن ومدين عادي، يتمتع كلّ منهما بنفس الحقوق والمرتبة القانونيّة أمام القانون والمحاكم، تلفت الكيك “ما حصل أنّ المصارف بمذكّرتها استعارت النص من القانون الخاص، وقررت تطبيقه على العام، من دون أيّ نص قانوني أو رأي فقهي لبناني أو فرنسي يتيح لها تطبيق النص الخاص على العام، وهذه ثغرة قانونية أساسيّة”.

الثغرة الثالثة: لا قانون يثبت الدين

تهدف المذكّرة إلى إلزام الدولة بدفع ديونها لمصرف لبنان “عن طريق التسديد الفوري للمبالغ المستحقة بذمّتها للبنك المركزي. بما أنّ المصارف المستدعية هي دائنة لمصرف لبنان ومتضرّرة من عدم مطالبته الدولة اللبنانية بديونه”. وهنا تكمن الثغرة القانونيّة الإضافيّة تقول الكيك “بحيث لم تضمّن المصارف مذكرتها أيّ اثبات أو دليل أن هناك ديونًا مستحقّة.علمًا أنّ النص القانوني محكوم بشروط، وهي أن يكون الدين التي تطالب به المصارف دينًا أكيدًا وثابتًا ولا نزاعَ حوله. وهو شرط غير متوفر، إذ لا دين إلا بقانون يصدر عن مجلس النواب. في هذه الحالة أين هي القوانين التي تثبت هذه الحالة المديونيّة بين مصرف لبنان والدولة؟ ليس هناك أيّ قانون بذلك، ومنذ العام 1992 لم يصدر عن مجلس النواب قانون يصادق فيه على اتفاقية دين بين الحكومة مصرف لبنان. بالتالي من قال أنّ هذه الديون مثبتة؟ يضاف إلى ذلك أنّ المصارف التي تقدّمت بمذكرتها لم تأت على ذكر قيمة الديون المتوجبة على مصرف لبنان لها، بل أشارت إلى قيمة العجز في ميزانية مصرف لبنان والمقدرة ب 67.9 مليار دولار. والسؤال كم تبلغ قيمة الأموال التي تقول المصارف أنها أقرضتها للدولة؟

يبقى شق العجز في صندوق تثبيت القطع “لا يحق للمصارف تقدير قيمته، بل يحتاج إلى تدقيق مالي، ولا يمكن حلّه قبل حسم مصير سعر الصرف وموجودات مصرف لبنان، كون الدولة شريكة فيها”.

المصارف تجاهلت مغامرتها بأموال الناس وأرباحها

تجاهلت المصارف في مذكّرتها، أنّها خاطرت بأموال المودعين، وتجاوزت المعايير المعتمدة للاستثمار في سندات الخزينة، وحققت أرباحًا طائلة، ورمت بالمسؤوليّة على الدولة وحدها، من هنا تشكّك الكيك “بمصطلح علاقة المديونيّة بين المصارف ومصرف لبنان، لاسيما أنّ لديهم توظيفات استثمارية في مصرف لبنان، لها شروط وفوائد ومخاطر وأحكام، وشهادت إيداع متفق عليها بينها وبين المركزي. وما تسميه المصارف دينًا هو في الواقع عبارة عن طرح مصرف لبنان شهادات إيداع للاستثمار”.

تهدف المصارف من مذكرة ربط النزاع للتنصّل من مسؤولتها تجاه المودعين “نحن لا نقول إنّه لا يجب أن تسّدد الدولة عجز مصرف لبنان، وهو بحدّ ذاته بحاجة لإعادة هيكلة، ولكن الإشكاليّة بأنّ المصارف تنطلق من أن لا علاقة لها بالمطلق بتبديد الودائع، وأن العلاقة بين الدولة والمودع” تقول الكيك مضيفةً “سأسلّم جدلًا بهذا المبدأ، هل تقبل المصارف أن نطبّق المبدأ نفسه الذي تنادي به، وأن نقاضي مصرف لبنان نيابة عنها ونأخذ أموالنا مباشرة، من دونها؟. هذا المنطق يكرّس التسيّب المؤسساتي، ويأخذ الأمور إلى مكان يحل فيه اللوبي مكان المؤسسة العامة في تخطّي مفهوم بناء الدولة والتراتبيّة”.

بأي حال، المتضرر الأول والأخير من حلقات تقاذف المسؤوليات، هو المودع أولًا، والإقتصاد اللبناني ثانيًا، كونه لا يمكن أن يتعافى من دون قطاع مصرفي سليم.

Back to top button