متطرفو السياسات المناخية يبحثون عن مخرج: اللعب بالألفاظ والأرقام
بقلم: أنس بن فيصل الحجي
من أجل إعطاء إدارة بايدن صبغة خضراء أمام ناخبيه من الحزب الديمقراطي
النشرة الدولية –
بعد فشل متطرفي التغير المناخي في تحقيق أحلامهم، وبعد فشلهم في تحقيق ما يريدون في مؤتمرات المناخ الثلاثة الأخيرة في غلاسكو وشرم الشيخ ودبي، بدا واضحاً منذ فترة محاولتهم التلاعب بالألفاظ والأرقام، والتي تلقفها الإعلام اليساري بشغف وبدا يروج لها.
لاحظوا هنا أنني أركز على المتطرفين الذين طبقوا سياسات في بعض الدول أدت إلى إنهاك اقتصاداتها، وهدر أموال دافعي الضرائب، ومعاناة سكانها من أزمات طاقة خانقة، وارتفاع كبير في أسعار الكهرباء والوقود.
وكما ذكرت سابقاً في عدة مقالات، العالم يحتاج إلى كل مصادر الطاقة بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكل أنواع التقنية التي تسهم في زيادة كفاءة إنتاج واستهلاك الطاقة، وكل تقنيات المواصلات بما في ذلك السيارات الكهربائية والهيدروجينة والغازية.
إلا أن التطرف في هذه السياسات والتناقضات الكبيرة فيها مرفوض، وإعطاء المليارات من الدولارات كإعانات لشركات أفلست أو تكاد مرفوض، وإجبار الدول الفقيرة على سياسات مناخية وتهديدها بإجراءات تؤثر في عمليات التمويل والتجارة الدولية مرفوض.
أصدرت وكالة حماية البيئة الأميركية، التابعة لإدارة الرئيس بايدن، تقريرها السنوي عن الاتجاهات في قطاع المواصلات، والذي يتضح منه أنها تحاول تلميع منجزات الإدارة في مجالات البيئة والمناخ.
حققت موديلات سيارات 2022 أكبر تحسن في كفاءة المحركات في استخدام الوقود وأكبر انخفاض في الانبعاثات منذ تسع سنوات، كما وصل مستوى الكفاءة في استخدام الوقود إلى أفضل مستوى له تاريخياً، وذلك وفقاً لتقرير الوكالة.
عبر عقود مضت، تم قياس كفاءة محركات السيارات بكمية البنزين أو الديزل التي تستخدم لمسيرة ميل واحد، الآن إدارة بايدن، من خلال وكالتها لحماية البيئة، وفي موسم الانتخابات الرئاسية، تقول لنا إن مستوى كفاءة هذه المحركات وصلت إلى أفضل مستوى لها في التاريخ، وبتحسن كبير في فترة الرئيس بايدن، ولكن تفاصيل الأرقام تثبت عكس ذلك، وتثبت التلاعب بالأرقام.
الوكالة شملت كل السيارات الكهربائية في المتوسطات المحسوبة، بينما متوسط كفاءة سيارات البنزين والديزل لم يتغير عن الأعوام السابقة! ناهيك بطريقة مقارنة كمية الكهرباء بكمية البنزين، ولا أريد التركيز على هذه النقطة ولكن أذكرها لأن المتخصصين قد يثيروها: حجم منتجات المصافي من المنتجات النفطية أكبر من كمية مدخلات النفط الخام بالمصافي.
مثلاً، إذا أدخلنا 100 برميل، ينتج منها 110 براميل من المنتجات نفطية، هذا مثال للتوضيح فقط، ولكن الأمر عكسه في الكهرباء: الكمية المستهلكة دائماً أقل من المنتجة بسبب الهدر في عملية نقل الكهرباء عبر الأسلاك، والهدر الناتج في البطارية نتيجة التغير في درجات الحرارة أو توقف السيارة لعدة أيام. الوكالة تحسب فقط كمية الكهرباء المستخدمة عند سير السيارة الكهربائية فقط.
حقيقة الأمر أن هناك تحسناً في كفاءة المحركات في استخدام الوقود (البنزين والديزل) في كل السيارات خلال السنوات الماضية، ولكن متوسط الكفاءة لم يتغير بسبب التغير في أذواق المستهلكين حيث إن هناك تحولاً عالمياً، وبخاصة في الولايات المتحدة من السيارات الصغيرة إلى السيارات العائلية والرياضية الكبيرة، هذا يعني أن الانتقال من سيارة صغيرة إلى كبيرة عوض عن التحسن في كفاءة السيارات عند حساب المتوسطات.
فقد كانت نسبة السيارات الصغيرة 80 في المئة من إجمالي السيارات في عام 1975، ونسبة السيارات العائلية الكبيرة والشاحنات الصغيرة (البيك آب) 20 في المئة. الآن انعكست الصورة تماماً، ونسبة السيارات الصغيرة في تضاؤل مستمر.
تشير بيانات وكالة حماية البيئة إلى أن انبعاثات الكربون للسيارات الصغيرة انخفضت في السنوات الأخيرة حتى وصلت إلى 260 غراماً لكل ميل في عام 2022، أما السيارات العائلية والرياضية الكبيرة فقد انخفضت انبعاثاتها عبر السنوات الماضية حتى وصلت إلى 364 غراماً لكل ميل.
متوسط انبعاثات موديلات السيارات الصغيرة في عام 2015 كان 310 غرامات للميل، فإذا كان شخص يملك هذه السيارة والآن، بعد استخدام 8 سنوات، يريد التخلص منها وشراء سيارة عائلية كبيرة كما توضح الاتجاهات المذكورة سابقاً، فهذا يعني أن الانبعاثات ستزيد من 310 إلى 364!
ما سبق غيض من فيض، ولكنه يوضح مدى تلاعب الوكالة بالأرقام، لإعطاء إدارة بايدن صبغة خضراء أمام ناخبيه من الحزب الديمقراطي.
كما أن هناك تلاعباً آخر، خصوصاً من المؤسسات المشهورة في تقاريرها التي تروج للسيارات الكهربائية، بما فيها مؤسسة “بلومبيرغ”، وهو التركيز على “مبيعات” السيارات الكهربائية، وتجاهل العدد الفعلي التي تسير على الطرق من جهة، وعدد الأميال التي تسيره من جهة أخرى.
مثلاً هناك ملايين السيارات الكهربائية التي حسبت كـ”مبيعات” وتم حساب أثرها في تخفيض انبعاثات الكربون، وتخفيض الطلب على النفط، ولكنها متوقفة في ما يعرف الآن بـ”مقابر السيارات الكهربائية”، والتي يمكن للقارئ البحث عنها في “غوغل” لرؤيتها.
وتوضح البيانات أن متوسط وزن السيارات في الولايات المتحدة لم يتغير بين عامي 2004 و2016، وهو أمر مهم في تخفيض الانبعاثات، إلا أنه في زيادة مستمرة منذ عام 2016، وكل هذه الزيادة تقريباً في متوسط وزن السيارات يعود إلى زيادة عدد السيارات الكهربائية. هذه النقطة مهمة لأن هذا يعني اهتراء العجلات بشكل أسرع من المعتاد في السيارات العادية، واهتراء الطرق بسبب زيادة الوزن. وكلا الأمرين يحتاج إلى مواد نفطية، وكلاهما تزيد انبعاثات الكربون، وهذا لم يحسب في أرقام وكالة حماية البيئة.
هذا التلاعب بالأرقام أو الألفاظ لا يقتصر على السيارات الكهربائية فقط، وإنما يمتد إلى أمور عدة في سياسات التغير المناخي، ألمانيا مثلاً تقول إن عودتها للفحم موقتة وأن إبقاءها على محطات الفحم هو للاحتياط فقط في حالة الطوارئ، لا أحد يزيل قرية وينقل سكانها لمكان آخر لتوسيع منجم فحم فقط لاستخدام الفحم وقت الطوارئ!
وها هما إسبانيا والبرتغال تفتخران بوصول استخدام “الطاقة المتجددة” في توليد الكهرباء لمستويات تاريخية ولكن التفاصيل نشير إلى موسم أمطار جيد أدى إلى زيادة توليد الكهرباء من الطاقة المائية. عادة تذكر أرقام الطاقة المائية منفصلة عن الطاقة الشمسية والرياح، ولكن لأغراض سياسية تم دمج الجميع للقول بالوصول إلى مستويات قياسية! والحبل على الجرار!