نتنياهو يُدمر «إسرائيل»!
رجا طلب

النشرة الدولية –

قد يبدو هذا العنوان مثل لوحة سيريالية تتداخل فيها الألوان والأشكال والوجوه بشكل فوضوي ويعمل هذا التداخل على زيادة غموض اللوحة وصعوبة فهمها، وفي حالة نتنياهو هذا السياسي الماكر والمراوغ الذي سجل رقما قياسيا في حكم هذه الدولة (شكل ست حكومات) هو أقرب ما يكون اليوم وبعد سنوات طويلة من التنعم بالسلطة للوحة سيريالية مليئة بالتناقض والبشاعة والتخبط.

كانت صورته في ذهن الجمهور الإسرائيلي منذ تشكيله حكومته الأولى (1996–1999) صورة السياسي المتقد الذكاء الذي يريد اخذ «الدولة والجمهور» نحو حقبة جديدة من القوة والمناعة الوطنية والتفوق على محيطه العربي، وسرعان ما التقط نقطة التحول الكبرى داخل هذا المجتمع العنصري وتحديدا بعد اغتيال اسحاق رابين في الرابع من نوفمبر عام 1995 والذي كان هو شخصيا أحد أهم عوامل التحريض اليومي على رابين بسبب اتفاقيات السلام مع الأردن ومظمة التحرير.

بعد مرحلة رابين وشارون وأيهود باراك وأولمرت والتي امتدت من عام 2000 الى 2009 أصبحت الساحة الإسرائيلية في قبضته وبات قادرا على تنفيذ مشروعه التاريخي والمتمثل بالتالي أولا: دعم كبير للمستوطنين وزيادة حجم الاستيطان وقضم الأرض لمنع إمكانية قيام دولة فلسطينية، ثانيا: العمل على إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية وحصر التعاون معها «بالتنسيق الأمني» ونجحا هذان العاملان في خلق واقع جديد تمثل فيما يلي:

أولا: تفريغ اتفاقية اوسلو من محتواها وتحويلها إلى اتفاق أمني بحت.

ثانيا: دفن حل الدولتين.

وتزامن مع هاتين النتيجتين زيادة الحالة العنصرية–الحريدية داخل مجتمه الاحتلال وتشكل بذلك مجتمع متعصب لا يؤمن بعلمانية «الدولة» وبالمقابل تراجع بشكل كبير دور الأحزاب المعتدلة واليسارية وبخاصة حزبي ميرتس والعمل بسبب تنامي الفكر الصهيوني الديني.

ويمكن القول ان هذا المناخ الذي نجح نتنياهو بصناعته وعلى مدى سنوات عزز لديه الشعور بالقوة الزائدة التي أخرجت «الديكتاتور» من عقله الباطني وأخذ ينتابه الشعور بأنه قادر على فعل أي شيء يريده وأنه أكبر «من دولته » وأخذ يبني منظومة خاصة به وعلى مقاسه وضعته في حالة تناقض مباشر مع أسس دولة الاحتلال وبخاصة فيما يتعلق بالشفافية ومحاربة الفساد، ومنذ 13 من فبراير/شباط 2018، يحاكم على قضايا رشوة واساءة استخدام سلطته ومنذ ذلك التاريخ وهو يعمل بجهد استثائي لكي لا يذهب للسجن وفي ذهنه ما جرى ليهود اولمرت.

ووجد نتنياهو فرصته الذهبية في الهروب من السجن بتشكيل حكومته الحالية بداية العام الماضي 2023 التي تحالف فيها مع الصهيونية الدينية (سموتيريش وبن غافير) وبدأ العمل معهما على خطة للتعديلات القضائية والتي جوهرها إضعاف سلطة المحكمة العليا في مراقبة القوانين التي تقرها الحكومة وإمكانية ردها.

الحظ العاثر لنتنياهو جاءه مع عملية طوفان الأقصى وفي وقت لم يكن قد أكمل فيه عملية الانقلاب القضائي الذي يحصنه ضد المحاكمات التي تنتظره في القضايا المشار إليها، كما أن عملية طوفان الأقصى وتداعياتها الداخلية والتي حاول خلال الشهر الأول منها استثمارها في لجم أي معارضة فشلت ولم تنجح وهو اليوم يخوض حروبا على عدة جبهات منها ما هو داخل الائتلاف الحكومي والمقصود مع بن غافير وسموتيرش اللذان يرفضا مناقشة أي خطة لغزة ما بعد الحرب خارج إطار الحكومة ويرفضان طرحها داخل مجلس الحرب بعيدا عنهما، كما أنه يخوض حربا مع شركائه في مجلس الحرب (بني غاتس وغادي ايزنكوت وغالانت) بخصوص رفضه طرح خطة اليوم التالي للحرب في مجلس الحرب خوفا من انسحاب ثنائي الصهيونية الدينية، هذا عدا عن حربه مع أهالي الأسرى وعدم تجاوبه مع مطالبهم بضرورة القبول بمعادلة (الكل مقابل الكل) ويضاف لكل ما سبق خلافه مع الإدارة الأميركية على الرغم مع صهيونيتها الفاقعة والمتعلق بمرحلة ما بعد الحرب وقضية الحل السياسي ودور السلطة الفلسطينية القادم ورفضها بقاء القوات الإسرائيلية في القطاع.

في كل ما سبق يعمل نتنياهو من أجل نتنياهو وكما قال أيهود أولمرت «ليس مهما لدى نتنياهو لو تدمرت الدولة فالمهم هو وزوجته وعائلته وليس أي شيء آخر».

 

باختصار لقد تحول نتنياهو الذي لقب يوما «بملك إسرائيل» إلى «نيرون» الذي سيدمر إسرائيل.

زر الذهاب إلى الأعلى