الوزير الزاجل
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
يُعد الحمام الزاجل سيد الحمام، وأثمن أنواعه، وكان له دور تاريخي، فقد كان، طوال قرون، الوسيلة الأسرع لإيصال الرسائل لما تميز به من قدرة على قطع مسافات شاسعة والعودة لموطنه. كما كانت له خدمات جليلة في الحروب، ونقل أخبار المعارك والشيفرات والتعليمات، وكان آخرها في الحرب العالمية الثانية، عندما استعان البريطانيون بقدراته في صد هجوم القوات الألمانية.
لا يزال لـ«حمام الزاجل»، وهذه تسميته الصحيحة، موضع اهتمام علماء الارصاد للاستفادة من قدراته على توفير النفقات التي تتطلبها الأجهزة الحديثة، مثل الأقمار الصناعية والرادارات والطائرات وأجهزة الكشف بالاشعة تحت الحمراء، إذ تستطيع حمامة واحدة من الزاجل بجهازها الملاحي الفريد ان ترشد بحاستها التي لا تخطئ إلى الكثير مما تبحث عنه، مع توفير الكثير من النفقات التي تُرصد لعمل تلك الأجهزة.
* * *
طلب مني صديق، يعيش في الخارج، إرسال أحد كتبي له، فدفعت مبلغا لشركة نقل الطرود. تزايدت الطلبات، ومعها التكاليف، وكان آخرها لقارئة تعيش في السويد، فتبين لي أن الرسم يكلف 60 دولارا تقريبا، أو ما يعادل عشرة أضعاف ثمن الكتاب نفسه.
فكرت في الاستعانة بخدمة البريد السريع في الحكومة، فقمت بالرجوع لموقع وزارة المواصلات ووجدت الهيكل الإداري التالي، لقطاع البريد فقط:
وكيل وزارة مساعد، مدير إدارة العلاقات الدولية البريدية الدولية، مدير إدارة التفتيش البريدي، مدير إدارة الخدمات البريدية المتنوعة الأولى، مدير إدارة الخدمات البريدية المتنوعة الثانية، مدير إدارة الخدمات البريدية المتنوعة الثالثة، مدير إدارة التشغيل البريدي، إضافة لمساعدي المديرين ومديري مكاتبهم، ورؤساء الأقسام والمراقبين، وجيش من الموظفين، معظمهم عاطلين تماما عن العمل. كما وجدت أن لكل «مسعول» ثلاثة ارقام هاتف أرضي، بما في ذلك فاكس، فقمت بتدوين 42 رقما منها، وطلبت من مساعدتي الاتصال بكل رقم، وتحويل أي مكالمة يتم الرد عليها. بعد نصف ساعة من الاتصالات المتكررة لم يرد أحد، وكان ذلك بعد التاسعة من صباح أمس (الاثنين).
ذهب المندوب لمكتب بريد خيطان فوجده خاليا إلا من موظفين اثنين، أفاده أحدهم بعدم توفر خدمة إرسال الرسائل للسويد، وقام بتسليمه «وثيقة تاريخية وعالمية»، تنتمي لعصر الذكاء الاصطناعي، ورد فيها بطباعة هزيلة وخط يد ركيك أسماء الدول التي للكويت خدمة طرود بريدية معها، وعددها 22 دولة ومدينة، قابلة للتناقص.
* * *
يحدث ذلك بعد مرور 275 عاما على أول الرسائل المعروفة المرسلة منها، ومرور 75 عاما على فتح مكتب البريد العام، فكيف أصبحنا بهذا الانحدار، الأقرب للانهيار؟
* * *
الصورة التالية هي «للوثيقة التاريخية» التي قام موظف مكتب بريد خيطان بتسليمها لمندوبنا، والتي تتضمن خريطة خدمات بريد الكويت، الذي يعمل به ما لا يقل عن ألفي موظف!