تدوير المعلومات وتشويه الأخبار
النشرة الدولية –
النهار العربي – د. ليليان قربان عقل
يكمن أحد أبرز التحدّيات في الصناعات الإعلاميّة، في كيفيّة تأصيل الخبر وتحصينه ضدّ الكذب والتشويه والتضليل، وإحكام مبدأ الصدقيّة على كل جزئيّات المادّة التي يتشكّل منها الخبر الخام.
تستدعي عمليّة تجاوز هذه الإشكاليّة المهنيّة، أن يتمّ تناول الموضوع من منطلق عملي لا تنظيري، على قاعدة احترام خصوصيّة الإحترافيّة المهنيّة في إنتاج المادّة الخبريّة وتنقية أجزائها من الشوائب والسقطات، وعدم التساهل في تركيب الكلام لتشكيل خبر مختلف حول حدث لم يقع أصلاً، أو إجتزاء عناصر من خبر وتضخيم أخرى، الأمر الذي يشوّه أركان الخبر الصحيحة ويبدّل من وظيفته الإبلاغيّة المباشرة، ويجعله أقرب إلى الشائعة المصنّعة منه إلى المعلومة الواقعيّة. والهدف الأساس من ذلك هو افتعال بلبلة تشويشيّة على حدث هام، أو استهداف قيمة الكلام المتعلّق بجوهر الخبر المتداول وودلالاته.
إنّ أي ادخال تشويهي على العناصر الرئيسة المكوّنة للخبر، هو عمليّة تضليليّة قصدية تطال جوهر المرسلة الخبريّة ودورها في نشر الإجابات عن الأسئلة التي يُبنى عليها النص الخبري حول حدث وقع فعلاً. وتتركّز عمليّة التشويه، التي ترتقي إلى مستوى العمل التزويري وتهدف إلى استراتيجيّة تحوير معنى المعلومة ودلالتها، لتشكّل نوعاً من التصنيع السيئ (لتدوير المعلومات) الذي يقوم على استخدام بعض مكوّنات الخبر وحذف أخرى، الأمر الذي ينعكس سلباً على عمليّة التدوير وإنتاجاتها التشويهيّة القاتلة لصدقيّة أي تداول خبري.
ينتج من هذا الفعل الهادف خلق تداولات غير صحيحة حول حدثٍ ما. إنّ مسؤوليّة التشويه تقع على الوسيلة الإعلاميّة التي تعمل على انتاج ونشر المعلومات التي أُعيد تدويرها بإسلوب مختلف عن الواقع الذي حدثت فيه، إضافة إلى مسؤوليّة الشخص والجهة التي أنتجت المعلومة المعاد تدويرها بإسلوب غير مطابق لشروط ومعايير الخبر البسيط.
ومع الإنتشار الواسع لظاهرة التدوير السيئ لعناصر الخبر، تُطرح بقوّة المسؤوليّة الاجتماعيّة والمعرفيّة التي تتحمّلها الوسلية الإعلاميّة حيال إنتاج ونشر معلومات مشوّهة قصداً، وما هي الإنعكاسات التي يمكن أن تنتج من تأثير المعلومة المدوّرة والمشوّهة على المجتمع وأحوال الناس، ويترافق ذلك مع طرح سؤال محوري عن مسؤوليّة الإخلال بسلامة الأمن والاستقرار المجتمعيين، التي يمكن أن تتسبّب بها المعلومات المشوّهة والمضلّلة التي أُعيد تدويرها، بقصد إحداث قلق نفسي عام وخلق حالة من الشك وعدم الإستقرار الإجتماعي، إضافةً إلى ما ينتج من عمليّة إساءة تدوير المعلومات من فقدان للثقة بالوسيلة الإعلاميّة وبالإعلامي.
يقود هذا الكلام إلى التأكيد أنّ “عنصر الثقة” هو المعيار الأساسي في مقياس جودة الوسيلة ورصانتها ودورها التأثيري في المجتمع. فإذا ما خفّ منسوب الثّقة بمنتجات الوسيلة الإعلاميّة، انعكس ذلك فوراً على صدقيّة الأخبار والمواد التي تنتجها. وعليه تصبح العمليّة الإعلاميّة مهدّدة بسحب ثقة الجمهور منها، وتصبح الوسيلة معرّضة لخطر فقدان ارتياح الناس اليها كمصدر محصّن للمعلومات ومرجعيّة موثوقة للأخبار.
وهنا يُطرح السؤال عن الدّور الداخلي للوسيلة الإعلاميّة في مراقبة كلّ ما يتمّ نشره من خلالها، من مواد خبريّة خام أو مواد مُعاد تدويرها أو تصنيعها بإحترافيّة خدمةً لأهداف محدّدة.
*أستاذة جامعيّة وباحثة في الإعلام