الحوثيون المدعومون من إيران هم الفائزون في اليمن
بقلم: Indian Punchline
النشرة الدولية –
يطرح ملف اليمن معضلة مستعصية على إدارة بايدن في مجال السياسة الخارجية، ولن يوافق الحوثيون يوماً على الشروط التي تطالبهم بالتخلي عن جميع صلاحياتهم وتسليم أسلحتهم قبل إقرار تسوية سياسية.
لا يمكن توقّع النتيجة النهائية منذ الآن، فقد شهد اليمن اتفاقيات متعددة لوقف إطلاق النار على مر حربه الأهلية المتقلّبة التي بدأت في سبتمبر 2014، حين استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء قبل أن يسيطروا سريعاً على الحكومة، ويُذكّرنا وقف إطلاق النار الذي تزامن مع بدء شهر رمضان ويُفترض أن يمتدّ على شهرَين بأحداث تكررت مراراً في الماضي.
لكن قد تكون هذه المرحلة حاسمة فعلاً، فقد وافق الرئيس المدعوم من السعودية، عبد ربه منصور هادي، وهو شخصية محورية ومثيرة للجدل، على التخلي عن السلطة «بشكلٍ لا رجوع فيه» ونقل صلاحياته إلى مجلس انتقالي يتألف من ثمانية أعضاء وسيكون مسؤولاً عن القطاعات السياسية والعسكرية والأمنية في اليمن خلال هذه الفترة الانتقالية، إلى حين انتخاب رئيس جديد، ويذكر المرسوم الرئاسي أن المجلس الجديد سيحصل على جميع الصلاحيات التنفيذية ولديه السلطة اللازمة لإجراء محادثات مع الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن وإيجاد الحلول المناسبة لوقف أعمال العنف المتواصلة.
يمكن نَسْب هذه التطورات الدراماتيكية إلى تنامي الاستياء السعودي من هادي الذي يفتقر إلى الشعبية، فهو «زاد قوة المتمردين الحوثيين وأطرافاً أخرى كانت تعارض حُكمه»، كما تقول أنيل شيلين من معهد «كوينسي». قد يتعلق سبب آخر بزيادة الأصوات التي تدعو إلى إنهاء الدعم الأميركي للتحركات العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن داخل الكونغرس الأميركي.
أُقِرّ اتفاق وقف إطلاق النار الممتد على شهرَين بوساطة الأمم المتحدة بدءاً من شهر رمضان، وهو عبارة عن هدنة شائكة ترتكز على ميزان قوى هش ميدانياً، إذ يسيطر الحوثيون الزيديون الشيعة على العاصمة صنعاء ومعظم مناطق شمال اليمن التي تحدّ المملكة العربية السعودية.
لا تدعو تركيبة المجلس الانتقالي إلى التفاؤل، فهو يتألف من جماعات متباينة لم تُوحّدها إلا معارضتها للحوثيين، ورفض الحوثيون من جهتهم نشوء هذا المجلس، وفي ظل هذا الوضع، يرتفع احتمال أن يحاول الطرفان تجديد الاشتباكات العسكرية أولاً قبل محاولة التفاوض من موقع قوة.
لكن من الناحية الإيجابية، تشمل بنود وقف إطلاق النار رفع الحصار جزئياً عن مطار صنعاء لتنظيم عدد من الرحلات التجارية واستيراد الوقود عبر ميناء الحديدة، ويهتم الحوثيون بهذَين البندَين معاً، كذلك، يتجاهل إطار عمل المحادثات الذي صمّمه مبعوث الأمم المتحدة السويدي الخاص، هانز غروندبرغ، قرارات مجلس الأمن التي دعت الحوثيين إلى تسليم أسلحتهم والتنازل عن الأراضي، وكان لافتاً أن تدعم واشنطن مقاربة غروندبرغ البراغماتية للتعامل مع الحوثيين.
في غضون ذلك، بدأت الاصطفافات والأولويات الإقليمية تتغيّر، فقد تفضّل السعودية البحث عن مخرج للحرب المكلفة، وسبق أن تراجع حجم التورط الإماراتي في هذا الصراع، فقد يصبح الصعود الإيراني المتوقّع بعد أي قرار لرفع العقوبات عاملاً محورياً بالنسبة إلى جميع الدول الإقليمية، إذ ستضطر السعودية والإمارات ومصر لتغيير طريقة تعاملها مع الوضع، لا سيما بعد فك ارتباط الولايات المتحدة عن المنطقة تدريجاً، وعلى عكس إدارة ترامب، يميل بايدن إلى اعتبار الدعم غير المشروط للحرب التي تقودها السعودية خطأً مبنياً على مقاربات غير واقعية.
تُعتبر هذه المرحلة نقطة تحوّل محورية حيث يشارك الحوثيون في المفاوضات من دون الاضطرار لتسليم أسلحتهم، وهذا الوضع يصبّ في مصلحة الحوثيين طبعاً، وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تصبح إيران المستفيدة الكبرى إقليمياً، لقد أعطى دعمها المتواصل للحوثيين ثماره.
تكمن المفارقة اليوم في ارتباط أصعب جزء من مهمة المفاوضين في الملف النووي الإيراني في فيينا بمطالبة إيران في اللحظة الأخيرة بشطب الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأميركية للجماعات الإرهابية وفق بعض المصادر، فعملياً، يقود الحرس الثوري الإيراني سياسة اليمن، فهو يتصرّف كصديق للحوثيين وكمرشد لهم والمسؤول عن أفكارهم الفلسفية لمساعدتهم على خوض حرب فردية ضد مجموعة كبيرة من الأعداء الأقوياء مثل المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وجهات أخرى.
تميل طهران إلى اعتبار قرار مجلس التعاون الخليجي والسعودية بالتخلص من عبد ربه منصور هادي خطوة تكتيكية تنجم عن حاجتهم الكبرى إلى إلهاء الرأي العام، لا سيما بعد اعتداءات الحوثيين الأخيرة ضد منشآت «أرامكو» في جدة، ولا مفر من أن تُشكك إيران بمصداقية المجلس الناشئ حديثاً (يتألف من شخصيات ناضلت للحفاظ على تماسك التحالف السعودي الإماراتي) وصوابية أن تستضيف السعودية المحادثات بين الأطراف اليمنية الداخلية.
لطالما دعمت إيران صيغة السلام التي يطرحها الحوثيون باعتبارها الطريقة الأكثر فاعلية وواقعية لإنهاء الحرب، وهي تطالب بوقف الاعتداءات السعودية ضد اليمن، ورفع الحصار والعقوبات بالكامل، وإبرام صفقة عامة لتبادل الأسرى، وإعادة فتح المطارات والموانئ.
على المستوى الجيوسياسي، يطرح ملف اليمن معضلة مستعصية على إدارة بايدن في مجال السياسة الخارجية، ولن يوافق الحوثيون يوماً على الشروط التي تطالبهم بالتخلي عن جميع صلاحياتهم وتسليم أسلحتهم قبل إقرار تسوية سياسية، لكن لتحقيق هذا الهدف، يجب أن تزيد الولايات المتحدة الضغط على السعودية والإمارات، ويبقى القول أسهل من الفعل طبعاً في ظل الظروف الراهنة التي تنذر باحتمال مقايضة النفط بالذهب.
على صعيد آخر، سيكون انتصار الحوثيين مرادفاً لتوسّع النفوذ الإيراني في منطقة تشمل واحداً من أهم المضايق الاستراتيجية في العالم، وتُعتبر هذه النتيجة سيئة بالنسبة إلى مجموعة من الدول الإقليمية، بما في ذلك إسرائيل. لكن لا تحظى هذه الحرب بأي دعم في الكونغرس الأميركي، مع أن المشرّعين يعتبرون الحرس الثوري الإيراني تجسيداً حياً للإرهاب الدولي.
لا شك أن رفع العقوبات عن إيران سيزيد الموارد المالية للحرس الثوري ويترافق مع عواقب هائلة لأن طهران تبقى جزءاً راسخاً من محور المقاومة، سواء تجدّدت «خطة العمل الشاملة المشتركة» أو لم تتجدّد، لكن تفترض إدارة بايدن أن أي سيناريو يخلو من اتفاق واضح مع إيران قد ينذر باندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط.
يحمل الحوثيون على الأرجح مفتاح أي نهاية مُرضِية، فقد كانت إدارة بايدن تأمل تبديد تأثير الحوثيين في هذا الملف، ولم تستكشف الولايات المتحدة هذا المسار يوماً، ويُقال إن الحوثيين يحافظون على درجة عالية من الاستقلالية ولا يخضعون لسيطرة إيران، لكن من يدري؟
في مطلق الأحوال، يجب أن يصبح الحوثيون مقرّبين من طهران اليوم أكثر مما كانوا عليه في بداية التدخل السعودي منذ سبع سنوات، وكخطوة أولى إذاً، يُفترض أن تجري الولايات المتحدة محادثات مفصّلة مع إيران.
* م. ك. بهادراكومار