خروج المملكة من الترانزيت
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

في سعي الشقيقة السعودية إلى الخروج من حالة الترانزيت، التي تسكننا جميعاً، والتي سبق أن أشرنا إليها في مقال أمس، قامت سلطاتها، التي أصبحت نفوسنا تهفو إلى تتبع خطواتها، بمنع أية جهة أهلية من جمع التبرعات، وحصرت الأمر في ثلاث مؤسسات حكومية هي «إحسان» و«جود» و«فرجت»! حيث نجحت «إحسان» مثلاً في تحقيق نجاح كبير في أعمالها الخيرية، بتلقيها أكثر من 23 مليون حركة تبرع، بلغ إجمالي مبلغها ملياراً و800 مليون ريال، واستفاد من خدماتها في فترة قصيرة أكثر من 4 ملايين و600 ألف محتاج، وهذا رقم خيالي لم يكن بالإمكان تحقيقه في السابق، لأسباب يطول شرحها.

تتبع الجهات الخيرية الثلاث الحكومة، وتلتزم أقصى درجات الشفافية، ويمكن الاطلاع على كل بياناتها، وأين تذهب تبرعات كل متبرع، ومبالغ التبرعات وعدد العمليات، وكم هائل من المعلومات الأخرى من على مواقعها، وهذا يختلف تماماً عن «الطريقة السرية» التي تعمل بها غالبية الجمعيات الخيرية في الكويت، التي لا تعرف أية جهة رسمية، ومنذ 60 عاماً، الكثير عنها، غير ما تريد هي الكشف عنه! وبالتالي هي أقوى من الدولة، وكل أجهزتها. وخير دليل على ذلك شراستها في وقف تعيين «غدير أسيري» وزيرة للشؤون، لشكّهم في أن وجودها قد يرفع الغطاء عن «بئر الأسرار» في الشؤون، الذي تحاول «كل» الجهات إبقاءه مغلقاً! فـ«شهر العسل» الحكومي الممتد منذ نصف قرن يجب أن يستمر!

سبق أن بينت في أكثر من مقال، الكيفية التي استطاع فيها أفراد، لا حول ولا قوة لهم، ولا حتى جدارة أو سمعة، تحقيق الملايين لأنفسهم من العمل الخيري، وكيف نجحت جمعيات خيرية، على مدى نصف قرن تقريباً، من جمع عشرات مليارات الدولارات في شكل تبرعات نقدية ومساعدات غذائية وعينية متنوعة، هذا غير التبرعات العقارية التي أوقفت لأعمال الخير، أو هكذا يفترض، ومع هذا لم نشاهد شيئاً على أرض الواقع، علماً بأن ما تم جمعه كان يكفي لبناء وإدارة مئات المدارس لتعليم أبناء المسلمين كيفية اصطياد السمكة، بدلاً من قيام هذه الجمعيات بإعطاء هؤلاء ذيلها على طبق من البلاستيك، ولكن متى كان التعليم من «اهتمامات» هؤلاء؟

***

أستطيع القول، مع درجة عالية من اليقين، إن الجزء الأكبر مما تم جمعه من أموال هائلة، تم توجيهه لاستثمارات باسم الجهات السياسية التي تقف وراء تلك الجمعيات، لتكون عوناً لها عندما ينضب الضرع ولتكون الخزان الذي تلجأ إليه في المستقبل، فهي تعلم أنها بحاجة إلى المال، وإلى الكثير منه، في سعيها للوصول إلى الحكم، وفي أية دولة تواجدوا فيها.

كما ضاعت نسبة كبيرة من تلك الأموال في تمويل حروب المنطقة وتسليح مقاتلين وشراء الذخائر، سواء في حروب أفغانستان والعراق وسوريا أو الصومال والشيشان وغيرها.

أما الجزء الآخر، والخاص بالجمعيات «الخيرية» شبه المستقلة عن الحركات الدينية النظامية، فقد دخل حسابات أو جيوب أغلب «القائمين عليها» جزء كبير من تلك الأموال، كما انتهت في غالبيتها لاستثمارات تجارية وعقارية في الخارج، وبالذات في تركيا والبوسنة، حيث لا ميل أو قدرة لغالبية «القائمين عليها» للاستثمار في أوروبا وأميركا، لأسباب معروفة.

***

لو قبلنا بأعذار أو عدم رغبة البعض في مجاراة ما يجري من تطوّر متسارع في السعودية، فما عذرنا في عدم رغبتنا مجاراتها في توحيد جهات فعل الخير، وحصرها في مؤسسات حكومية تخضع لرقابة جهات عدة بطريقة صارمة بدلاً من هذا التساهل في التعامل مع الجمعيات الخيرية المتكاثرة لدينا، والمتشابهة الأسماء والأهداف؟ والتي تكفي مخالفة واحدة، من أصل عشرات المخالفات التي ارتكبتها، في إغلاق ثلاثة أرباعها، إلى الأبد، ولكن عين الرضا عن كل عيب كليلة!

زر الذهاب إلى الأعلى