إيران وإسرائيل وأمريكا، من الود إلى العداء وحتمية الحرب
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

“الثائر”

كانت إيران زمن الشاه حليفة للغرب، وعلى وئام كبير مع إسرائيل عدوة العرب. وكذلك كانت مع بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، اللتين كانتا تسيطران على أهم ثروات إيران الطبيعية.

وتُصنّف إيران من أكثر الدول الغنية بالمعادن في المنطقة والعالم، إذ تم الكشف فيها، عن نحو 57 مليار طن من الاحتياطيات المعدنية.

تُقدّر قيمة المعادن المكتشفة في إيران بأكثر من ترليون دولار. ومنها؛  الفحم الحجري يبلغ 1.2 مليار طن، والحديد الخام نحو 2.7 مليار طن، و300 طن من الذهب، و6 ملايين طن من الزنك، و2.6 مليون طن من الرصاص، و36 ألف طن من اليورانيوم، و 8,5 مليون طن من الليثيوم المكوّن الأساسي للبطاريات والأجهزة الإلكترونية.

وهناك  كميات كبيرة من النحاس، والفضة، والنيكل، والكروميت، والمنغنيز، والتيتانيوم، والقصدير، بالإضافة إلى الأحجار الكريمة ( تسعة آلاف طن من الفيروز).

وتملك إيران احتياط يقدر بأكثر من 340 مليار برميل من النفط، بقيمة تفوق 2700 مليار دولار (وفق سعر البرميل اليوم). إضافة إلى 33600 ترليون متر مكعب من الغاز (ثاني أكبر احتياط في العالم بعد روسيا) ، بقيمة تفوق 2150 ترليون دولار (وفق الأسعار الحالية للغاز).

كل هذه الثروات ضاعت من يد الشركات الأمريكية والبريطانية، بعد أن نجحت الثورة الإسلامية في إيران، وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا وإسرائيل، وحوّلت سفارة إسرائيل إلى سفارة لدولة فلسطين.

عندما هاجم العراق إيران في ايلول 1980 ، كانت كل الأسلحة الإيرانية هي غربية. وكان لدى إيران حوالي 900 دبابة تشفتين بريطانية، و860 دبابة أمريكية، نصفها M60 ، والباقي M47 باتون. هذا إضافة إلى حوالي 650 طائرات فانتوم، من عدة طرازات، وعدد كبير من صواريخ التاو المضاد للدروع.

تحت ضغط الحرب عليها، حاولت إيران استيراد قطع غيار لصيانة وتصليح آلياتها من الغرب، الذي كان يدعم صدام حسين، وتمت صفقات سرية شاركت فيها إسرائيل، بتزويد إيران بالصواريخ وقطع الغيار.

فعقدت إيران في عام 1981 اتفاقاً سرياً مع إسرائيل، بحيث باعت إسرائيل قطع غيار لإيران، مقابل بيع ايران النفط لإسرائيل. ثم تعاون الطرفان في قصف وتدمير المفاعل النووي العراقي تموز “أوزيراك” في حزيران 1981.

ثم باعت أمريكا السلاح وقطع غيار إلى إيران، عبر إسرائيل، بصفقة سرية أيضاً، عُرفت لاحقاً بفضيحة “إيران كونترا” او “ايران غيت”، واستخدمت  أمريكا الأموال الناتجة عنها، لدعم ثوار كونترا في نيكارغوا.

في عام 1987 زرعت إيران مضيق هرمز بالألغام البحرية، وفي 24 يوليو اصطدمت ناقلة النفط الأمريكية العملاقة “بريدجستون”، بلغم ألحق فيها أضراراً بالغة.

وفي نيسان 1988 أصيبت الفرقاطة الأمريكية “يو إس إس صامويل روبرتس” بلغم، ولحقت بها أضرار بالغة أيضاً، وتم إنهاء مهمتها في الخليج.

فقامت أمريكا على أثر ذلك بتنفيذ عملية “السرعوف” ودمرت منصتين نفطيتين لإيران، وفرقاطتين هما “جوشن” و “سهند”.

منذ ذاك التاريخ أصبحت العلاقات الأمريكية الإيرانية تسوء بشكل مطّرد، فبعد أن اعتقد الأمريكيون أن الثورة الإسلامية، ستُشكّل درعاً في مواجهة المد الشيوعي، وستبقى بحاجة إليهم وإلى شركاتهم، باتوا يندمون اليوم على عدم دعمهم للشاه، وترك نظامه ينهار.

لم تخسر أمريكا القدرة على استغلال موارد إيران وثرواتها الطبيعية فقط  بل حولت إيران إلى أكبر حليف لروسيا والصين.

خططت الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل لبناء شرق أوسط جديد، يقوم على إسقاط راية العداء العربي لإسرائيل، واستبدالها بالعداء العربي لإيران.

وبدأ مسار التطبيع انطلاقاً  من كامب ديفد، ثم استُكمل بالغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، وإخراج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، وترحيل قياداتها إلى تونس، ثم جيء بهم إلى فلسطين، حيث تم تكبيلهم باتفاقات سلام موهوم، سرعان ما انقلب عليها اليمين الاسرائيلي.

وبات أبو عمار في شبه إقامة جبرية، في ما سُمي بمقر السلطة الفلسطينية في رام الله، وهو محاصر بالدبابات الاسرائيلية، ويحتاج إلى إذنها لمغادرة مقره إلى أي مكان.

ثم استكملت أمريكا وإسرائيل مخطط تصفية تركة الاتحاد السوفياتي، وإسقاط الأنظمة العربية المعادية لإسرائيل. فاحتلت العراق عام 2003، ثم تم قتل معمر القذافي عام 2011، وأشعلوا ثورة في سوريا في نفس الوقت تقريباً، لكن الجيش السوري صمد بدعم من إيران وحزب الله وروسيا.

في حزيران 2014 سيطرت داعش على الموصل، بعد هجوم سريع وانسحاب ملتبس للجيش العراقي. وحصلت داعش على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والأموال، التي تركها الجيش العراقي، والجزء الأكبر منها كان أسلحة أمريكية.

انظمَّ إلى داعش أكثر من 40 الف مقاتل من أكثر من 120 دولة، بما فيها الدول الأوروبية، التي قدمت تسهيلات لهؤلاء المتطرفين، للوصول إلى سوريا، خاصة عبر الحدود التركية.

كادت تنجح داعش في بناء دولة أصولية سنّية بين العراق وسوريا، كان يراد لها أن تواجه النفوذ الشيعي الإيراني، وتُشعل صراعاً عرقياً ومذهبياً لا ينتهي في المنطقة، بين العرب وإيران والسنة والشيعة، كي يسهل من خلاله على إسرائيل، توسيع سيطرتها نحو جنوب لبنان وسوريا، وطرد الفلسطينيين إلى الأردن، وتقسيم سوريا أربع كيانات طائفية؛ سنية، كردية، علوية، و درزية.

وكذلك تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات؛ كردية و سنية و شيعية.

ويشمل المخطط أيضاً تقسيم السعودية، و عمان، و اليمن وليبيا، بما يشبه رسم خارطة حدود جديدة في المنطقة، مطوّرة، وأكثر تفتيتاً من “سايكس بيكو”.

في أيلول 2014 بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بالدخول إلى شمال الفرات في سوريا، بحجة مهاجمة داعش. لكن العمليات على الأرض لم تسجل أي مواجهة مباشرة كبرى بين قوات داعش والجيش الأمريكي، مما يؤكد أن الهدف الأمريكي كان السيطرة على مناطق شمال الفرات، حيث تتركز الزراعة السورية ومنابع النفط، فتم قطع شريان حيوي جداً، لمحاصرة وإضعاف الدولة السورية.

بعد التدخل الروسي في سوريا عام 2015، بدأت داعش بالانهيار،  واستعاد الجيش السوري السيطرة على معظم المناطق.  فعمدت تركيا وأمريكا إلى حماية الفصائل المعارضة في ادلب، ومن بينها فصائل تُصنّفها أمريكا إرهابية، لكنها تسمح بامدادها بالمال والسلاح عبر المعابر مع تركيا.

كاد المشروع الأمريكي الإسرائيلي أن ينجح، وكاد اليأس أن يدب في قلوب من تبقى من مناضلين عرب، جاهدوا لسنوات في سبيل تحرير فلسطين، والوقوف في وجه المشاريع الغربية لتفتيت المنطقة، وبسط السيطرة عليها.

لكن هؤلاء وجدو ضالتهم في إيران، فاتجهوا نحوها طالبين العون، واستجابت إيران، وأمدّتهم بالمال والسلاح. فأزهرت فكرة المقاومة من جديد شيئاً فشيئاً، في داخل فلسطين، و لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن.

وفي عام 2000 أثمرت الجهود نصراً، جسّدته المقاومة في لبنان، بطرد الاحتلال الإسرائيلي، وتحرير الجنوب.

حاولت إسرائيل في تموز 2006 التعويض عن هزيمتها ،والقضاء على المقاومة في لبنان. لكنها مُنيت بخيبة أمل كبيرة، بحيث خرجت المقاومة من المعركة، أكثر صلابة وقوة، وباتت اليوم تُشكّل قوة ردع حقيقية، ولديها مخزون كبير من الأسلحة، جعل قادة الجيش الإسرائيلي، يُقرّون بصعوبة الحرب مع حزب الله، وها هم يمتنعون منذ ستة أشهر، عن المغامرة بحرب واسعة النطاق على لبنان، رغم كل تهديداتهم ووعيدهم بتدمير لبنان.

لقد باتت إسرائيل محاصرة بالمقاومة، من داخل فلسطين، إلى حدودها الشمالية، وصولًا إلى باب المندب والعراق وطهران.

شكّل هذا الواقع الجديد ضربة مؤلمة لإسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية.

وتتوج الصراع الآن بنصر جديد، حققته المقاومة في غزة. فرغم كل القتل والدمار، الذي قامت به حكومة إسرائيل، منذ أكثر من ستة أشهر، ما زالت المقاومة صامدة، حتى في مدن شمال القطاع.

وها هو الجيش الإسرائيلي (الذي لا يُقهر) يتقهقر وينسحب، تحت وطأة ضربات المقاومين، دون أن يحقق أي إنجاز أو مكسب فعلي، أو هدف من أهداف نتنياهو، التي أعلنها لهذه الحرب.

البعض يسأل عن الرد الإيراني على ضرب إسرائيل للقنصلية الإيرانية في سوريا، متجاهلاً أن هذا الصراع عمره سنوات، والحرب لا تقاس بضربة هنا ورد هناك، بل بالنتائج والمكاسب التي يحققها كل طرف في الحرب.

لم تكتفِ إيران بإفشال مخططات إسرائيل وأمريكا للمنطقة، فها هو النفوذ الأمريكي يتراجع، فاسحاً المجال لتزايد النفوذ والدور الإيراني، على مساحة واسعة في الشرق الأوسط.

والأخطر من ذلك على إسرائيل، أن المقاومة المدعومة من إيران، باتت تكبّدها خسائر فادحة، وتُلحق بها الهزيمة تلو الهزيمة، مما وضع قادة إسرائيل في حالة الصدمة، فأفرطوا باستخدام القوة بشكل هستيري، وارتكبوا آلاف المجازر بحق الفلسطينيين.

وهذا جعل اقرب حلفاء إسرائيل، يلوّحون بالعقوبات عليها، لأول مرة منذ إنشاء هذا الكيان، الذي سبب عشرات الأزمات والحروب لدول المنطقة.

لقد جعلت إيران والمقاومة إسرائيل في مأزق حقيقي، وبات المستوطنون يغادرون فلسطين، والحرديم يهددون بتركها، والعالم يتخلى عن دعمها، وينظر إليها كدولة خارجة على القانون الدولي، وارتفع الصراع بين قادة إسرائيل إلى أعلى مستوى، وباتوا يتحدثون علناً ولأول مرة، عن خطر زوال إسرائيل.

لقد تحدث قادة إسرائيل كثيراً عن رغبتهم بتوجيه ضربة لإيران، لكن هم يعلمون أن إسرائيل عاجزة عن فعل ذلك بمفردها، وستخسر الحرب مع إيران.

ولذلك يريدون أن تفعل أمريكا ذلك، نيابة عن إسرائيل، ويبدو أن استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، هي خطوة نتنياهو الأولى في هذا الاتجاه، والمواجهة المباشرة باتت أكثر من حتمية.

فمن برأيكم الرابح الاستراتيجي لهذه الحرب؟ ومن يؤلم الآخر أكثر؟ ، إيران؟ أم إسرائيل و أمريكا؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى