تقنية الغباء الإعلامي وتوظيفه لخدمة الأهداف*
النشرة الدولية –
النهار العربي
ليس للإعلام في أنماطه السياسية والاجتماعية والمتخصصة إلا أن يعتمد استراتيجية خاصة ومرنة يوظفها لتحقيق الأهداف المباشرة وغير المباشرة التي يسعى لإظهارها كمنتج تغييري وجديد في ميدان المعرفة التي يعمل في نطاقها. وهذا ما يطلق عليه في مصطلحات المفاهيم الاجتماعية والسياسية “فن الإعلامولوجيا” المرتكزة أسسها على تداخل نماذج من صناعة المعرفة الموجهة وأصول توجيهها، لإحداث فروق في مجالات التأثير وتبديل المفاهيم في ظروف معينة من قبل أشخاص محددين وذوي مصلحة في التعامل مع الواقع المستجد على صعيد استثمار المعارف وأصول تطويرها، بما يخدم الواقع ولا يحيد بها عن الهدف المقصود.
ينتج من ذلك أن فنية التعامل مع الواقع الاجتماعي لتحقيق إنجاز استقصائي أو تسجيل سبق صحافي تكون غالباً محاطة بتحديات كثيرة، تتراكم لحظوياً بفعل وفرة الظروف وتعدد المجالات التي يمكن للإعلام استخدامها لتأدية الخدمات التي يسعى مستثمرو الأحداث لتنميتها وتطوير قدراتهم، قياساً إلى ما يتحقق من نتائج، وما يتوخونه من انتظارات ويرتقبونه من عائدات لكل عمل إعلامي يقومون به.
العملية الإعلامية الناجحة محكومة باستخدام فنون الذكاء المعرفي والتراكمي، ويرتبط نجاحها بتقنية توظيف المعلومات لخدمة الوقت الأنسب وتحديد اللحظة الأكثر سخونة وقابلية للتطور والإفادة من المعطيات التي تم التوصل إليها والتحقق من صحتها، كشرط أول لتوصيف جودة المعلومات وتحصينها ضد أي تشويه أو تحوير أو انتقاص.
إن تحديد دور الإعلام في عملية التنمية المعرفية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعملية المناورات السياسية التي يمارسها بعض الإعلاميين للإلهاء وحرف الاهتمامات عن مخاطر ما يحدث في قطاع خبري ذي تركيزات محددة.
ففيما الوظيفة المعرفية والإبلاغية للإعلام تنشط في مجال تقصي الحقائق ومسؤولية التحقق من عناصرها، فإن ثمة نمطاً إعلامياً جديداً ينحو إلى الخروج عن خط الموضوعية والواقعية ليرسم له مساراً مختلفاً في عملية التعاطي مع الاأبار والشائعات والمسموعات، قبل أن يقدم خبرته التصنيعية والاحترافية لإنتاج محتوى هجين تتداخل فيه المعلومات مع الاختلاقات الموظفة، لتشكل نوعاً جديداً من استراتيجيات الإعلام الميداني والنفسي، يقوم على الاستغباء والتجهيل وقتل الوقت وإضاعة الدليل.
فالغباء الإعلامي هو من مفاصل الاستراتيجيات التي يختبئ خلفها واضعو الخطط، وفق منظومة تشكله، وظروف اعتماده كنمط مهني احترافي هو في حقيقة أمره عملية استغباء للآخرين، تقوم على تمويه الحقائق وتسخيف النتائج المتوقعة والإبقاء على السواتر المانعة من الكشف عن الحقائق والمبقية على كل ما يقتل عناصرها، ويحيد بالإعلام عن ممارسة مسؤولية تخصيص مهمته للوصول إلى المعرفة وتعميم فوائدها. ويبنى على ذلك أن توصيف الغباء الإعلامي يتحدد بدقائقه من حيث إنه مانع للحقائق وقاتل لمعناها ومضلل للاتجاهات التي تسعى لتبيان مكوناتها.
فأي مسؤولية خلقية ومهنية واجتماعية يتحملها الإعلام في ممارسته عملية استغباء الناس واعتماده الغباء فناً لنسيان الحدث والتخفيف من سلبية نتائجه، وقتل المعرفة بدل تعزيز ظروف نشأتها وزيادة فعاليتها اجتماعياً وسياسياً، خصوصاً في ظروف حدوث أزمات من شأن التغاضي عن مخاطرها أن تتطور إلى نزاعات؟